أفريقيا برس – مصر. في ظل الضغوط المتواصلة التي يمارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مصر والأردن للقبول بخطة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، برز الحديث حول المساعدات الأميركية لمصر التي لطالما استخدمتها واشنطن ورقة ضغط في سياقات سياسية مختلفة. وعلى الرغم من أن تلك المساعدات، خصوصاً العسكرية منها، تعد جزءاً من ترتيبات العلاقة بين البلدين منذ اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، إلا أن التطورات الأخيرة أثارت تساؤلات حول مدى أهمية هذا الدعم لمصر اليوم، وما إذا كانت القاهرة قادرة على إيجاد بدائل استراتيجية تمكنها من تقليل الاعتماد على المساعدات الأميركية أو حتى الاستغناء عنها.
ووفقاً لمصادر خاصة، تمارس إدارة ترامب ضغوطاً مكثفة على القاهرة خلف الكواليس للموافقة على استقبال فلسطينيين من قطاع غزة في سيناء. غير أن الموقف المصري المعلن جاء حاسماً برفض أي شكل من أشكال التوطين أو التهجير القسري، وهو ما جرى التعبير عنه بوضوح في بيان رسمي صدر، الخميس الماضي، عن وزارة الخارجية المصرية، أكد رفض هذه الطروحات بشكل قاطع. ولكن اللافت في البيان، كما في تصريحات المسؤولين المصريين، هو تجنب الإشارة المباشرة إلى واشنطن أو الرئيس ترامب، وهي نقطة يراها مراقبون دليلاً على حرص القاهرة على عدم تصعيد الموقف أو الإضرار بالعلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
بدائل المساعدات الأميركية
وأشارت معلومات أكدتها مصادر مطلعة إلى أن مصر، على الرغم من اعتمادها لسنوات طويلة على المساعدات الأميركية السنوية، تمتلك اليوم القدرة على إيجاد بدائل تمكّنها من الاستغناء عن تلك المساعدات، خصوصاً في ظل تنوع مصادر التسليح خلال السنوات الأخيرة، والانفتاح المصري على شركاء جدد مثل روسيا وفرنسا والصين. فالقاهرة وقّعت صفقات أسلحة متطورة عدة خارج الإطار الأميركي، بما في ذلك شراء مقاتلات “رافال” الفرنسية، ومنظومات دفاع جوي روسية، وسفن هجومية متقدمة، ما يشير إلى أنها لم تعد تعتمد كلياً على واشنطن في تلبية احتياجاتها الدفاعية.
إلا أن المصادر نفسها أكدت أن المصالح الأميركية في مصر تجعل من الصعب على واشنطن نفسها إيقاف العمل ببروتوكول المساعدات، حتى لو كانت هناك محاولات لتقليص المساعدات الأميركية أو تعليقها مؤقتاً، فمصر تمثل شريكاً استراتيجياً مهماً للولايات المتحدة في المنطقة، سواء من حيث الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، أو تأمين الممرات البحرية، أو مكافحة الإرهاب، أو ضمان أمن إسرائيل.
وتشكّل المساعدات الأميركية لمصر، خصوصاً العسكرية منها، أحد أبرز محاور العلاقة بين البلدين منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979. وقد استندت تلك المساعدات إلى بروتوكول خاص وقّعته واشنطن والقاهرة، يجعل مصر ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأميركية بعد إسرائيل. ومع ذلك، فإن هذا الملف أصبح في السنوات الأخيرة محل جدل واسع، لا سيما في ظل محاولات واشنطن توظيفه ورقة ضغط لتحقيق أهداف سياسية، كما يحدث حالياً مع إدارة ترامب.
وفي السياق، أكدت مديرة برنامج مصر في معهد الشرق الأوسط في واشنطن ميريت مبروك، أن مصر ترفض بشكل قاطع أي مخطط لتهجير الفلسطينيين باتجاه أراضيها، مشيرة إلى أن الأردن يتبنى الموقف نفسه، وإن كان وضعه أكثر هشاشة مقارنة بمصر. وأوضحت مبروك أن الأردن يعتمد بشكل أكبر على المساعدات الأميركية، حيث يتلقى 1.2 مليار دولار سنوياً، منها 771 مليون دولار معونات نقدية، بينما تحصل مصر على مساعدات عسكرية بقيمة 1.3 مليار دولار، لكنها ليست نقدية في معظمها، كما أن المساعدات الاقتصادية التي تلقتها مصر العام الماضي لم تتجاوز 125 مليون دولار.
وأضافت مبروك أن الشعب المصري لن يقبل بتهجير الفلسطينيين إلى أراضيه، والحكومة تدرك جيداً مدى رفض الشارع لهذا السيناريو، ليس فقط من منطلق التضامن مع الفلسطينيين، بل أيضاً بسبب المخاطر الأمنية المحتملة. وأشارت إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي عبّر بوضوح عن رفض مصر القاطع لتهجير الفلسطينيين، وهو موقف يصعب التراجع عنه.
مخاطر محتملة
من ناحيته، أكد المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية عمرو هاشم ربيع، أن المساعدات الأميركية منتظمة منذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وحتى في حال قطعها، فإن قيمتها البالغة 2.15 مليار دولار لا تشكل خسارة كبيرة مقارنة بالخسائر التي تكبدتها مصر بسبب تراجع عائدات قناة السويس نتيجة هجمات الحوثيين، والتي بلغت ثلاثة أضعاف هذا المبلغ. وأوضح ربيع أن ترامب، المعروف بعقلية رجل الأعمال التاجر، لا يتعامل مع المطالب من دون مقابل، ما يجعل إثارة قضايا أخرى مثل سد النهضة أو المساعدات الأميركية غير مجدية. وأشار إلى أن ملف سد النهضة قد انتهى فعلياً بعد اكتمال ملء السد، وبالتالي لا يمكن الحديث عنه. وأشار إلى أن مصر لم تعد تعتمد بشكل رئيسي على الولايات المتحدة في ملف التسليح، حيث تمكنت من تنويع مصادر السلاح عبر صفقات مع كوريا الجنوبية وروسيا، بالإضافة إلى استيراد غواصات من ألمانيا وطائرات من فرنسا، ما يعزز استقلالية القرار المصري في هذا المجال.
من جهته، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري السفير عبد الله الأشعل، إنه سيُضغط على مصر من خلال ورقة المساعدات الأميركية السنوية، فأي طلب سيتقدم به مسؤول مصري للإدارة الأميركية سيُربط بخطة التهجير. وأضاف أن عدم استجابة القاهرة للضغوط قد يؤدي إلى حجب المعونة العسكرية عن الجيش المصري، في محاولة لإيجاد بديل عسكري آخر يمكن التعامل معه مستقبلاً.
وأشار الأشعل إلى أن المخاطر التي تواجه مصر في هذا السياق كبيرة للغاية، إلا أن الحكومة الحالية تفتقر إلى القدرة الكافية للدفاع عن المصالح المصرية، سواء على المستوى العسكري أو السياسي، ما يزيد من تعقيد الوضع الإقليمي ويجعل البلاد عرضة لضغوط متزايدة. وأضاف أن ترامب مُصرّ على تنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين باعتباره جزءاً من استراتيجية تهدف إلى ضمان أمن إسرائيل، مشيراً إلى أن ترامب سيسعى لإجبار جميع الدول، بما فيها مصر، على القبول بهذا المخطط من دون تقديم أي مقابل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس