تحركات مصرية لاحتواء تداعيات الاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال

تحركات مصرية لاحتواء تداعيات الاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال
تحركات مصرية لاحتواء تداعيات الاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال

أفريقيا برس – مصر. أثار الاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال (صوماليلاند غير المعترف به دولياً) “دولة مستقلة” غضب القاهرة، التي دانت في بيان لخارجيتها أمس السبت هذا القرار، مؤكدة أن “هذا الاعتراف يُعد انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ويقوّض أسس السلم والأمن الدوليين، كما يسهم في زعزعة الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي”. وشددت الخارجية على “الرفض الكامل للاعتراف بأي كيانات موازية أو انفصال أجزاء من أراضي الدول بطرق غير شرعية أو غير قانونية”، مؤكدة دعم مصر الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية، اتساقاً مع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

وفي السياق، قال مصدر مصري مطلع، إن القاهرة تتحرك حالياً في جميع الاتجاهات في ما يتعلق بالأزمة المتصاعدة في الصومال، وإنها تجري اتصالات مكثفة مع حلفائها في الإقليم، وفي مقدمتهم الحكومة الصومالية، إلى جانب تحركات نشطة داخل الاتحاد الأفريقي، لاحتواء تداعيات الاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال ومنع تحوله إلى أمر واقع يهدد استقرار القرن الأفريقي وأمن البحر الأحمر. وأوضح المصدر أن التحرك المصري لا ينطلق من موقف تضامني شكلي مع الصومال فحسب، بل من إدراك استراتيجي بأن ما يجري يتجاوز مسألة اعتراف دبلوماسي محدود، ويمثل حلقة في مسار أوسع لإعادة هندسة النفوذ الإقليمي في واحدة من أكثر المناطق حساسية بالنسبة للأمن القومي المصري.

اعتراف إسرائيل بإقليم أرض الصومال

ومنذ إعلان إسرائيل اعترافها بإقليم أرض الصومال لم تعد القضية مجرد خلاف قانوني حول كيان غير معترف به دولياً، بل تحولت إلى نقطة تقاطع بين ملفات الأمن البحري، والصراع على النفوذ في القرن الأفريقي، ومحاولات إعادة توزيع الأدوار في البحر الأحمر. وترى القاهرة أن خطورة الخطوة الإسرائيلية لا تكمن فقط في خرقها الصريح للقانون الدولي ومبدأ وحدة الدول، بل في توقيتها وسياقها، إذ تأتي متزامنة مع تحركات أميركية نشطة في الإقليم، ودعم إماراتي متراكم للبنية اللوجستية والعسكرية في ميناء بربرة، فضلاً عن عودة الحديث بقوة عن منفذ بحري لإثيوبيا.

ويتحرك الموقف المصري، وفق مصادر دبلوماسية، عبر ثلاثة مسارات متوازية: الأول دبلوماسي، داخل الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، لتثبيت مبدأ وحدة الصومال ورفض شرعنة الكيانات الانفصالية. والثاني إقليمي، عبر تنسيق المواقف مع الدول المشاطئة للبحر الأحمر، والتأكيد أن أمنه مسؤولية جماعية لا تُفرض من خارج الإقليم. والثالث أمني – استراتيجي، يتمثل في تعزيز الوجود البحري والتعاون الدفاعي، من دون الانزلاق إلى تصعيد مباشر.

ارتباط برسم الخرائط في البحر الأحمر

وقالت الخبيرة في الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي، إن الاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال لا يمكن فصله عن التحولات التي شهدتها العلاقة بين إثيوبيا والصومال وأرض الصومال خلال العامين الماضيين، ولا عن سعي قوى إقليمية ودولية لإعادة رسم خرائط النفوذ في البحر الأحمر وخليج عدن. وأوضحت مرعي أن الحرب على غزة وأزمة سد النهضة أعادتا تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية، وسلطتا الضوء مجدداً على العلاقات الإسرائيلية-الإثيوبية، التي تمثل نموذجاً لما يُعرف بـ”تحالف المحيط” القائم على بناء شراكات مع دول غير عربية لمواجهة العمق العربي.

من جانبه، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري السفير محمد حجازي، إن الاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال بالتوازي مع دعم فتح منفذ بحري لإثيوبيا لا يمكن التعامل معه باعتباره حدثاً منفصلاً، بل سلسلة مترابطة تحمل تداعيات مباشرة على أمن البحر الأحمر، وتوازنات حوض النيل، والموقع الإقليمي لمصر. وأشار إلى أن فتح منفذ بحري لإثيوبيا عبر أرض الصومال يمثل تطوراً بالغ الخطورة، لأنه ينقل أديس أبابا من دولة منبع حبيسة إلى فاعل محتمل في معادلات البحر الأحمر، بما يخلق تداخلاً غير مسبوق بين ملف مياه النيل وملف الملاحة البحرية. وفي مواجهة هذا الواقع، رأى حجازي أن الدبلوماسية وحدها لا تكفي، معتبراً أن المسار الأكثر فاعلية يتمثل في بناء تحالفات إقليمية قائمة على المصالح المشتركة للدول المشاطئة للبحر الأحمر، مشيراً إلى أن مصر تمتلك فرصة واقعية لتنسيق موقف جماعي مع دول مثل السعودية والأردن واليمن وجيبوتي وإريتريا والصومال، لتأكيد أن أمن البحر الأحمر مسؤولية إقليمية، وأن أي ترتيبات تُفرض عبر كيانات غير معترف بها ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار لا إلى حمايته.

تمكين إسرائيل من التواجد في القرن الأفريقي

أما المساعد السابق لوزير الخارجية المصري السفير حسين هريدي، فذهب إلى أن الهدف الأساسي من هذه التحركات يتمثل في تمكين إسرائيل من الوجود العسكري والأمني في القرن الأفريقي، وبالقرب من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. وأضاف أن هذا المسار يترافق مع تنسيق متزايد بين إسرائيل وإثيوبيا على المستويين العسكري والاستخباري، ما يجعل تل أبيب على مقربة مباشرة من الوجود العسكري التركي في الصومال، ويحوّل المنطقة إلى ساحة تنافس حاد بين قوى إقليمية ودولية.

من جهته، قال مساعد وزير الخارجية المصري مدير إدارة السودان وجنوب السودان السفير حسام عيسى إن الاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال يعكس سياسة إسرائيلية ثابتة تقوم على عدم الاكتراث بالقانون الدولي وتشجيع النزعات الانفصالية داخل الدول العربية. وأضاف أن إسرائيل تمارس ازدواجية صارخة في المعايير، إذ تسعى لتوسيع رقعتها الجغرافية وضم أراضٍ ليست لها، بينما تعمل في المقابل على تفتيت الدول العربية المحيطة بها.

بدوره، قال السفير السوداني السابق لدى واشنطن الخضر هارون إن ما يجري في القرن الأفريقي يمثل إنفاذاً لخطة قديمة لتفكيك الدول العربية، بدأت منذ سايكس-بيكو وتناسلت عبر السودان واليمن وليبيا والصومال. ودعا القاهرة إلى دعم الدولة السودانية، والسعي لتوحيد ليبيا، وبناء حلف إقليمي يضم دولاً مثل إريتريا والصومال وتركيا والجزائر، محذراً من أنه في غياب ترتيبات عاجلة، قد يبلغ الحريق مصر نفسها.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here