أفريقيا برس – مصر. كشف مصدر قضائي بارز في المكتب الفني للنائب العام المصري، أن عدد المصريين الذين نُفذ بحقهم قرار رفع أسمائهم من قوائم الإرهاب في مصر والكيانات الإرهابية، بلغ نحو مئة شخص فقط، من أصل 716 فرداً شملهم حكم صدر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وذلك بناءً على طلب النيابة العامة المستند إلى تحريات أمنية أثبتت توقّف هؤلاء الأفراد عن ممارسة أي أنشطة غير مشروعة تستهدف الدولة ومؤسساتها. وأوضح المصدر أن معظم الذين نُفذ بحقهم القرار هم من المتوفين، بينما ما زال بقية الأفراد خاضعين لقرارات إدراج أخرى على قوائم الإرهاب في مصر. وذكر أن التنفيذ شمل فقط المدرجين على ذمة القضية 620 لسنة 2018، ولم يشمل المطلوبين أو المدرجين في قضايا أخرى، إذ أبقيت آثار الإدراج سارية بحقهم إلى حين اتخاذ الإجراءات القانونية لرفع أسمائهم من القوائم الأخرى.
مخالفات قانونية
في السياق، قال المستشار محمد ناجي دربالة، نائب رئيس محكمة النقض السابق، إن قرارات الإدراج على قوائم الإرهاب في مصر “تشهد مخالفات قانونية ودستورية جسيمة، أبرزها محاسبة الأشخاص على الفعل نفسه أكثر من مرة”. وأوضح أن ما يُعرف بـ”قضايا التدوير” يمثل ظاهرة قانونية خطيرة، إذ “يجري استنساخ قضايا جديدة من القضية الأصلية للشخص نفسه، ما يؤدي إلى إصدار قرارات متكررة بالإدراج رغم أن الاتهامات واحدة والفعل واحد، ما يعد انتهاكاً للمبادئ القانونية المستقرة”. وأشار دربالة إلى أن القرارات المتعلقة بالإدراج على قوائم الإرهاب في مصر “والتي تتبعها إجراءات مثل التحفظ على الأموال أو المنع من السفر، تُعد في حقيقتها عقوبات مُحرمة قانونياً ودستورياً، خصوصاً أنها تُتخذ قبل إحالة المتهم إلى المحاكمة، بل أحياناً قبل عرضه عليها”. وحول تلك الإجراءات، شدّد دربالة على أنها تتنافى مع مبدأ “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”، إذ “تُفرض عقوبات بشكل غير قانوني تحت ستار إجراءات تحفظية”.
من جهته رأى ناصر أمين، رئيس مؤسسة دعم العدالة بالمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، أن قرارات الإدراج على قوائم الإرهاب في مصر وما يتبعها من إجراءات “تعاني من تضارب شديد في الآليات القانونية”، مشيراً إلى أن “الإدراج بدأ في البداية عبر قاضي الأمور الوقتية بمحكمة القاهرة للأمور المستعجلة، ثم انتقل إلى لجان مختصة تحت إشراف النيابة العامة، التي تحيل بدورها الطلب إلى محكمة الجنايات”، فيما تُصدر النيابة العامة في بعض الحالات، قرارات مباشرة بالإدراج أثناء تحقيقاتها. أدى هذا التشعب، وفق أمين، إلى “تضارب واضح، إذ يمكن أن يصدر قرار برفع اسم شخص من قوائم الإرهاب عبر محكمة جنايات، بينما يظل هذا الشخص مدرجاً على قوائم أخرى بقرارات من جهات مختلفة”، معتبراً أن هذا الوضع “يمثل إخلالاً قانونياً ودستورياً يتطلب معالجة عاجلة”.
تداعيات الإدراج على قوائم الإرهاب في مصر
وبرأي أمين، فإن قرارات المنع من السفر والإدراج على قوائم الإرهاب في مصر “تتنافى تماماً مع قواعد المحاكمة العادلة”، موضحاً أن هذه القرارات “تُتخذ من دون حضور الشخص أو وكيله القانوني، ومن دون إخطاره المسبق أو تمكينه من تقديم دفاعه، ونتيجة ذلك، يكتشف الأشخاص فجأة أنهم مدرجون على القوائم، من دون معرفة الأسباب أو حتى عدد القرارات الصادرة ضدهم”. أما عن نتائج هذه القرارات، فرأى أمين أنها “تتسبب في آثار مدمرة على حياة الأفراد، إذ يجري التحفظ على أموالهم وممتلكاتهم، وتسليمها إلى لجنة التحفظ على الأموال من دون أن يُمنح الشخص فرصة قانونية حقيقية للطعن أو الدفاع”. وأضاف أن “هذه الإجراءات تُعرّض ممتلكات الأشخاص للخطر، وتُلحق أضراراً بالغة بحياتهم ومستقبلهم”. يأتي هذا التطور وسط مطالب حقوقية وسياسية متزايدة بإعادة النظر في قانون الكيانات الإرهابية، إذ يبقى التنفيذ الكامل لقرارات رفع الأسماء من قوائم الإرهاب في مصر تحدياً أمام النظام القضائي، في ظل التعقيدات القانونية وتعدد القضايا التي تشمل هؤلاء الأفراد.
وقال رئيس حزب الإصلاح والتنمية والنائب السابق، محمد أنور السادات، إن هناك “حاجة ملحة لإعادة النظر في قانون الكيانات الإرهابية”، مشدداً على أنه “قانون يتسم بالمرونة الزائدة ويستند إلى تقارير وتحرّيات قد تكون مبنية على شبهات، ما يتعارض مع مبادئ دولة العدل والقانون”. وبرأي السادات فإن “الأولوية يجب أن تكون لإصلاح قانون الإجراءات الجنائية بكل مواده، خصوصاً ما يتعلق بالإجراءات المرتبطة بالإدراج أو الرفع من قوائم الإرهاب والمنع من السفر”. وتطرّق السادات إلى تبعات الإدراج على قوائم الإرهاب، مشيراً إلى أن “هذه القوائم تُديرها لجنة قضائية إدارية تتبع وزارة العدل، إلا أن عملها يعتمد كثيراً على مذكرات التحرّيات الأمنية، ما قد يؤدي إلى إجحاف كبير في حقوق الأفراد”. وأضاف أن “هناك أشخاصاً يتعرضون للظلم بسبب هذه الإجراءات، وبعد رفع أسمائهم من القوائم يظل وضعهم معلقاً مع استمرار تجميد أموالهم أو منعهم من التصرف في أصولهم”.
وأوضح أن هذه القوانين والإجراءات “وُضعت في ظروف استثنائية، لكن هذه الظروف تغيرت، والمفترض أن تعود الأوضاع إلى طبيعتها”. وشدّد على أن “مراجعة قانون الكيانات الإرهابية والإجراءات المرتبطة باللجنة الإدارية التابعة لوزارة العدل يجب أن تكون على أجندة البرلمان المقبل، فالحالي الذي ينتهي انعقاده في يوليو/تموز المقبل، لن يتمكن من فتح هذا الملف في ظل الظروف السياسية والإقليمية الراهنة”.
وقال الحقوقي خالد علي عبر صفحته على “فيسبوك”، أول من أمس السبت، إن تنفيذ حكم الجنايات القاضي برفع أسماء 716 شخصاً من قوائم الكيانات الإرهابية في القضية 620 لسنة 2018 قد تمّ، ما يترتب عليه إنهاء كل الآثار الناتجة عن الإدراج، مثل التحفظ على الأموال، وفتح الحسابات البنكية، واستعادة الحق في السفر والتوكيلات. ومع ذلك، أكد أن من كان مدرجاً على أكثر من قائمة إرهابية أو على ذمة قضايا أخرى، لم يشملهم قرار التنفيذ، وأن آثار الإدراج ستظل قائمة حتى تُتخذ الإجراءات القانونية اللازمة لرفع أسمائهم من القوائم الأخرى وفقاً لقانون الكيانات الإرهابية. وأضاف علي أن الأفراد الذين ما زالوا خاضعين لقرارات تحفظ بموجب أوامر وقتية لرئيس محكمة جنوب القاهرة، يواجهون وضعاً خاصاً، إذ سيظل التحفظ سارياً إلى حين اتخاذهم الإجراءات القانونية المناسبة لإنهائه.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس