أفريقيا برس – مصر. شهدت المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب في مصر أحداثا غير مسبوقة على صعيد التنظيم الانتخابي، دفعت المراقبين والقضاة السابقين إلى التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية بأكملها. وقد اتضح أن غياب الإشراف القضائي الكامل كان السبب الرئيسي وراء المهازل الانتخابية والمخالفات التي رافقت الاقتراع في أكثر من دائرة، خاصة في أول تجربة انتخابية تجري بعد تعديل دستور 2014، والتي كان من المفترض أن تمثل خطوة نحو مزيد من الاستقرار والشفافية في العملية الديمقراطية.
الهيئة الوطنية للانتخابات اعتمدت على هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية لإدارة العملية الانتخابية، بدلا من إشراك القضاة المستقلين على جميع مستويات اللجان، بدءا من استقبال أوراق الترشح وصولا إلى مراقبة عملية الاقتراع والفرز. ويؤكد الخبراء القانونيون أن هذا التوجه أدى إلى فقدان كامل للشرعية المؤسسية للهيئة، وجعل العملية الانتخابية عرضة للتجاوزات والمخالفات، التي لا يمكن التعامل معها بطريقة فعالة ما لم يكن هناك إشراف قضائي حقيقي.
67 طعنا انتخابيا في نتائج المرحلة الأولى تطالب بإلغائها كليا
واستقبلت المحكمة الإدارية العليا المصرية، اليوم الأربعاء، 67 طعنا انتخابيا في نتائج انتخابات مجلس النواب 2025 المرحلة الأولى التي أعلنت نتيجتها بالكامل الهيئة الوطنية للانتخابات أمس الثلاثاء في مؤتمر صحافي. ويستمر تلقي الطعون الانتخابية على مدار يومين وفق الجدول الزمني المحدد من الهيئة والمحدد بشأن الطعون الانتخابية.
وتنوعت الطعون التي استقبلتها المحكمة الإدارية العليا، بين طعون تطالب أغلبيتها بإلغاء العملية الانتخابية بأكملها، وأخرى تطالب ببطلان النتيجة أو بإلغاء الانتخابات في بعض الدوائر الانتخابية. وفقا للقانون، يحقّ للمرشحين الذين لم يحالفهم الحظ في الفوز التقدم بطعونهم خلال 48 ساعة تبدأ من اليوم التالي لإعلان النتيجة في دائرتهم الانتخابية.
وترفع الطعون إلى المحكمة الإدارية العليا التابعة لمجلس الدولة، وهي الجهة القضائية المختصة بالفصل في المنازعات الانتخابية المتعلقة بسير وسلامة إجراءات الفرز والتجميع. وتلتزم الإدارية العليا بالفصل في الطعون خلال عشرة أيام من تاريخ تقديم الطعن، لضمان عدم تعطيل الجدول الزمني لإعلان النتائج النهائية. ويوجب القانون على الهيئة الوطنية للانتخابات تنفيذ الأحكام القضائية فور صدورها، سواء كان الحكم تأييد النتيجة المعلنة، أو إعادة عملية الفرز في لجنة أو أكثر؛ أو إعادة الانتخابات في دائرة معينة بالكامل إذا ثبتت مخالفات جوهرية.
تجدر الإشارة إلى أن تدخّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان بمثابة إشارة تحذير إلى الهيئة، بعد أن أعلنت في البداية عدم وجود أي مخالفات أو انتهاكات، لتعلن بعد بيان الرئاسة تلقيها 88 طعنا انتخابيًا وإلغاء الانتخابات في 19 دائرة.
ووفقًا لتصريحات المستشار محمد ناجي دربالة، نائب رئيس محكمة النقض السابق، فإن هذا التدخل “أظهر غياب أي قدرة لدى الهيئة على التصرف المستقل والكشف عن التجاوزات بنفسها، وهو ما يضع المؤسسة كلها تحت الشكوك القانونية والمؤسسية”. وأضاف دربالة أن التجارب التاريخية للانتخابات في مصر أثبتت أن أي عملية انتخابية لا يمكن الوثوق بها إلا إذا كانت تحت إشراف قضائي مباشر، وهو ما تحقق جزئيا في انتخابات 2005 التي أشرف عليها قضاة مستقلون، وفي استفتاءات ما بعد ثورة 25 يناير، حيث استمتع الشعب بدرجة كبيرة من الثقة في نزاهة العملية الانتخابية.
ويتابع النائب السابق لرئيس محكمة النقض، أنه في التجربة الحالية، “تم إحلال عناصر من هيئات تنفيذية – وهي قضايا الدولة والنيابة الإدارية – محل القضاة على المنصة الانتخابية، وهو ما أدى إلى فقدان الثقة في نتائج الانتخابات، ويطرح تساؤلات حول مدى حيادها وشرعية مجلس النواب المنتخب”. وأنهى دربالة حديثه بأن أي تدخل سياسي أو إشراف من جهات تنفيذية بدلا من القضاء الطبيعي يفقد العملية الانتخابية نزاهتها.
المستشار رفعت: لإبقاء الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات المصرية
من جهته، شدد المستشار عصام رفعت، القاضي السابق بمجلس الدولة، على أن الهيئة “تجاهلت المخالفات الجوهرية التي حدثت أثناء سير العملية الانتخابية، ولم تحيل أيا من الانتهاكات إلى النيابة العامة كما ينص القانون، بل اكتفت بإبطال الانتخابات في 19 دائرة بعد تدخل رئاسي، مما يجعل الشرعية الانتخابية مشكوكا فيها”.
ويضيف المستشار عصام رفعت أنه “من الضروري التذكير بجزئية محورية تتعلق بالإطار الدستوري والقانوني المنظم للانتخابات في مصر”، موضحا أن قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون تنظيم عمل الهيئة الوطنية للانتخابات انتهت مدتهما وفقا لدستور 2014 في عام 2020.
ويقول رفعت إن الدستور منح فترة انتقالية محددة تجرى بعدها أول انتخابات من دون إشراف قضائي، وكانت تلك ستكون انتخابات رئاسة الجمهورية التي تمت في نهاية عام 2023. ويشير إلى أن الحوار الوطني تدخل قبل الانتخابات الرئاسية مباشرة، مطالبا رئيس الجمهورية وكافة الجهات السياسية والقانونية بإبقاء الإشراف القضائي الكامل لضمان النزاهة والشفافية.
ويوضح أن المستشار محمود فوزي، وزير الدولة للشؤون القانونية والنيابية، تبنى هذا الملف، وانتهى الأمر إلى عرض استثناء على رئيس الجمهورية، الذي وافق بدوره على استمرار الإشراف القضائي الكامل، وهو ما يعتبره رفعت قرارا صائبا يعبر عن إرادة المجتمع المصري.
لكن المستشار عصام رفعت يلفت إلى أن المشكلة ظهرت في التطبيق، إذ اكتفت الهيئة الوطنية للانتخابات – وفق قوله – بإسناد الإشراف في بعض اللجان إلى هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية، مؤكدا أن هذا الأمر فتح أزمة قانونية معروفة داخل المحاكم حول ما إذا كانت هاتان الجهتان تعدان من الهيئات القضائية المختصة بالإشراف على الانتخابات، أم أن الإشراف ينحصر فقط في القضاء العادي والقضاء الإداري والنيابة العامة.
ويقول إن ما خرج به المجتمع المصري من توافق داخل الحوار الوطني عامي 2022 و2023 كان واضحا وصريحا، وهو أن إسناد العملية الانتخابية للقضاء وحده لضمان النزاهة الكاملة. ويؤكد أن المجتمع احترم هذا التوجه وقدره، لكن أخطاء التطبيق – وإن بدت بسيطة – كان لها انعكاس مباشر على ما ظهر من انتهاكات وتجاوزات في الانتخابات الأخيرة.
وتضمنت المخالفات ما يعرف بالانتهاكات الإجرائية أثناء الاقتراع، مثل توجيه الناخبين لمنح أصواتهم لمرشحين محددين، ومنع مندوبين من متابعة عمليات الفرز، وتعطيل الكشوف الانتخابية، وعدم الالتزام بالإجراءات القانونية المنظمة.
المستشار مصطفى: يجب حل الهيئة الحالية وتشكيل لجنة مستقلة
المستشار أشرف مصطفى، الرئيس السابق بمحكمة استئناف القاهرة، أكد أن الهيئة الوطنية “فقدت استقلاليتها وشرعيتها بالكامل، وأن انتظارها توجيها خارجيا للكشف عن المخالفات يشكل خرقا واضحا لمبدأ استقلال الممارسة الانتخابية”. وأوضح مصطفى أن الحل الوحيد يتمثل في حل الهيئة الحالية، وتشكيل لجنة مستقلة لمراجعة كل الشكاوى والطعون، والعودة إلى الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، والتأكد من إجراءاتها، قبل استكمال باقي مراحل الانتخابات، لضمان مصداقية النتائج.
وأشار إلى أن “غياب الإشراف القضائي لا يضعف فقط مصداقية الانتخابات الحالية، بل يترك آثارا طويلة على المؤسسات السياسية، بما في ذلك مجلس الشيوخ الحالي، الذي شهد مخالفات مشابهة، وقد يكون عرضة لمئات الطعون القانونية”. ولفت إلى أن الرأي العام المحلي والدولي “بدأ يشكك في نزاهة العملية الانتخابية وحياد الدولة في إدارة الانتخابات، ما يضع الحكومة ومؤسساتها أمام اختبار حقيقي في كيفية استعادة ثقة المواطنين”.
وأجمع القضاة الثلاثة على أن إعادة تشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات وإسناد إدارة العملية بالكامل إلى القضاء الطبيعي هما الحل الأمثل، بحيث تشرف لجان قضائية مستقلة على كل مراحل الانتخابات إشرافا قضائيا كاملا.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس





