جدل في مصر بعد تعديل بيان الاستنفار العسكري في سيناء

2
جدل في مصر بعد تعديل بيان الاستنفار العسكري في سيناء
جدل في مصر بعد تعديل بيان الاستنفار العسكري في سيناء

أفريقيا برس – مصر. حذفت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، أول من أمس السبت، بياناً، أصدرته في اليوم نفسه، حول الوجود العسكري المصري في سيناء، ردّاً على تقارير إعلامية أميركية وإسرائيلية نقلت اتهام إسرائيل مصر بتكثيف وجودها العسكري وتخزين أسلحة في سيناء بشكل يخالف اتفاقية كامب ديفيد، وجرى استبدال البيان سريعاً بآخر أكثر هدوءاً، ما أثار عاصفة من التساؤلات والانتقادات. فبينما رآه بعض المراقبين خطوة ضرورية لتجنب التصعيد، اعتبره آخرون انكشافاً لهواجس النظام من غضب أميركي أو ضغوط إسرائيلية، وإشارة إلى أن القاهرة، رغم حديثها المتكرر عن “الخطوط الحمراء”، لا تزال أسيرة حسابات دقيقة تتعلق بمعاهدات السلام وبالعلاقات مع واشنطن.

وكان موقع “أكسيوس” الأميركي كشف، أول من أمس، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قدّم لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، خلال لقائهما في القدس يوم الاثنين الماضي، قائمة بما زعم أنها أنشطة مصر في سيناء. وقال مسؤول أميركي ومسؤولان إسرائيليان لـ”أكسيوس” إن نتنياهو طلب من إدارة الرئيس دونالد ترامب الضغط على مصر لتقليص الحشد العسكري في شبه جزيرة سيناء، مضيفين أنه اعتبر ذلك بمثابة انتهاكات جوهرية من جانب مصر لاتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل في عام 1979. وزعم مسؤولان إسرائيليان أن الجيش المصري يقوم بإنشاء بنية تحتية عسكرية يمكن استخدام بعضها لأغراض هجومية في مناطق لا يسمح فيها بموجب الاتفاقية بحمل أسلحة ثقيلة.

بيانان للرد على تحشيد سيناء

البيان المصري الأول رداً على ذلك الذي سُحب بعد ساعات قليلة من نشره، اتسم بلغة غير معهودة في الخطاب الرسمي المصري. فقد وصف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة بأنها “حرب إبادة شرسة”، مؤكّداً أن قربها من الحدود المصرية يفرض على الجيش حالة “تأهب وتحسب” قصوى. كما حمل لهجة هجومية ردّاً على اتهامات نتنياهو، وفق المصادر، بأن الحشد العسكري المصري “انتهاك جوهري” لمعاهدة السلام.

لكن البيان الثاني الذي حلّ محله بدا أكثر دبلوماسية، إذ أزيلت منه عبارة “حرب الإبادة”، واستُبدلت بعبارة “توسيع العمليات العسكرية في غزة”. وأعيد تعريف وجود القوات المصرية في سيناء بأنه يتم “في إطار التنسيق المسبق مع أطراف معاهدة السلام”، بما يعني التزام القاهرة الرسمي بالاتفاق. كما شدّد البيان على قدرة الجيش المصري على “حماية حدوده بكفاءة وانضباط”، في لهجة دفاعية أكثر منها هجومية. وأكدت الهيئة أن القوات المصرية الموجودة في سيناء “تستهدف في الأصل تأمين الحدود المصرية ضد كل المخاطر، بما فيها العمليات الإرهابية والتهريب، وفي إطار التنسيق المسبق مع أطراف معاهدة السلام، التي تحرص مصر تماماً على استمرارها، في ظل أنها على مدار تاريخها لم تخرق معاهدة أو اتفاقاً”. وجدّدت “رفض مصر توسيع العمليات العسكرية في غزة وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم”، وأكدت “مساندة القاهرة لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وفق حل الدولتين، على أراضي الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.

ويذهب منتقدون إلى أن التراجع في اللغة، من وصف العمليات الإسرائيلية بأنها “حرب إبادة شرسة” إلى الحديث عن “توسيع العمليات العسكرية في غزة”، يمثل “تخلياً عن وضوح طال انتظاره”. فبالنسبة لهم، لا يمكن لمصر التي دفعت ثمناً تاريخياً في التزامها باتفاقية كامب ديفيد أن تكتفي بردّ بارد وموزون بينما الإبادة تجري على حدودها الشرقية. ويدافع آخرون عن الخطوة معتبرين أن حذف البيان الأول لم يكن تراجعاً عن الثوابت، بل تصحيحاً لانفعال غير محسوب، فـ”اللغة الحادة”، كما يقول مراقبون، قد تخدم التعبئة الشعبية، لكنها “تضرّ بقدرة مصر على الوساطة”، وتفتح الباب أمام مواجهات لفظية تستفيد منها إسرائيل أكثر مما تضرّها. البيان المعدل وفق هذا التفسير جاء ليعيد التوازن والتأكيد على رفض التهجير واعتبار القضية الفلسطينية “خطاً أحمر”، وفي الوقت نفسه، تطمين الشركاء الدوليين بأن القاهرة ما زالت متمسكة بالاتفاقيات الدولية.

أدوات ضغط ومحددات للعلاقة

وفي السياق، يرى السفير عبد الله الأشعل، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، أن مصر بوسعها اتخاذ قرارات سياسية وميدانية من شأنها أن تُشكّل ضغطاً على إسرائيل وتجبرها على التراجع عن خطواتها، لكنه يستدرك بأن القرار المصري “مرتبط بمحددات عدة تتعلق بالعلاقات المصرية الإسرائيلية، وكذلك بالعلاقات مع الولايات المتحدة”. ويشير الأشعل إلى أن من أبرز القرارات التي يمكن أن تتخذها مصر، في حال توفرت الإرادة السياسية، “سحب الاعتراف بإسرائيل، وتجميد اتفاقية كامب ديفيد، وقطع العلاقات التجارية والسياسية معها”، لافتاً إلى أن “مصر تملك الكثير من أدوات الضغط، لكن لا توجد إرادة لتنفيذ ذلك حتى الآن”.

من جهته، يعتبر السفير رخا أحمد حسن، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، أن موقف مصر الرافض تهجيرَ الفلسطينيين من قطاع غزة، سواء إلى مصر أو إلى أي مكان آخر، هو موقف قاطع لا يقبل الجدل، مشيراً إلى أن القاهرة حذرت مراراً من أن هذا الأمر “خط أحمر”.

أما السفير حسين هريدي، المساعد السابق لوزير الخارجية، فيقول إن الخطة الإسرائيلية الحالية تهدف إلى تفريغ قطاع غزة من أكبر عدد ممكن من السكان، بحراً وجواً، محذراً من أن ذلك يمثل مخططاً يغيّر طبيعة القضية وطابعها السكاني. ويضيف هريدي أن التحركات البرّية الإسرائيلية تهدف أيضاً إلى إحاطة مصر بأمر واقع قد يفرض على القاهرة مواجهة تداعيات إنسانية وسياسية كبيرة، مشيراً إلى أن هذا السيناريو قد يضع مصر أمام خيارات صعبة ومتعددة للتعامل مع موجات نزوح واسعة، قد تصل أعدادها إلى آلاف الفلسطينيين متجهين نحو شبه جزيرة سيناء. وبرأي هريدي، فإن مثل هذا التطور لن يقتصر أثره على البعد الإنساني فحسب، بل سيمتد إلى أبعاد سياسية وأمنية وإقليمية تتطلب من القاهرة تنسيقاً داخلياً ودولياً عاجلاً للتعامل مع تبعاته.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here