
أفريقيا برس – مصر. ظهر رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، مثل مدير حسابات مع قائمة منظمة ودقيقة للقاء أجراه السبت الماضي مع شخصيات رفيعة في لواء شمال سيناء. “مصر تنتج 100 مليار رغيف في السنة، و275 مليون رغيف في اليوم بالمتوسط. الغلاء الأخير أضاف عشرة قروش أخرى لتكلفة إنتاج الرغيف الواحد، أي 10 مليارات جنيه مصري أخرى (نحو 37 مليون دولار)”، قال. وأبلغ مدبولي المراسلين بأن تكلفة إنتاج الرغيف كان 65 قرشاً قبل الحرب في أوكرانيا، والآن 90 قرشاً، رغم أن المواطن المصري الذي يحصل على الدعم بواسطة كوبونات التموين يدفع 5 قروش فقط مقابل نفس الرغيف.
وقال مدبولي أيضاً بأن التكلفة الحقيقية للتر السولار 11 جنيهاً مصرياً، في حين يشتريه المواطن بـ 7.25 جنيهاً فقط. أي أن الحكومة تدعم السعر بـ 4 جنيهات، وبالإجمال تأخذ هذا الدعم من خزينة الدولة، 60 مليار جنيه، التي هي أكثر من 200 مليون دولار. هذا التقرير المفصل ليس صدفياً؛ فهو يستهدف كما يبدو تمهيد الأرض قبيل رفع أسعار الخبز والوقود والسلع الحيوية التي تمس كل عائلة في مصر. في السابق أدى رفع الأسعار لهذه السلع إلى مظاهرات حاشدة في الدولة. وقال رئيس مصر، عبد الفتاح السيسي، بأن “من يمكنه تمويل حفل زفاف لنفسه يمكنه شراء المنتجات الأساسية بالأسعار الحقيقية”، لكن الآن يتوقع حدوث ارتفاع أكبر، ربما يؤدي إلى احتجاج جماهيري واسع النطاق يهدد الاستقرار النسبي في الدولة.
مصر بحاجة إلى العملة الأجنبية بشكل ملح. فوائض العملة الخارجية التي لديها تبلغ نحو 24 مليار دولار فقط، وهذه في جزء منها تعود للسعودية والإمارات، التي أودعت في بنوكها بضع مليارات الدولارات لتستخدم كضمانات للقروض التي تنوي أخذها. مؤخراً، حصلت في الواقع على قرض جديد من صندوق النقد الدولي بمبلغ 3 مليارات دولار، الذي سيمتد عدة سنوات، لكنه مبلغ ضئيل مقابل الدين الوطني الذي يبلغ 220 مليار دولار، والذي منه نحو 155 مليار دولار ديوناً خارجية.
الأخطر من ذلك أن هذا القرض يأتي مع سلسلة من الشروط التي تعهدت بها مصر والتي تشمل، ضمن أمور أخرى، تقليصاً شديداً للدعم وخصخصة شركات حكومية وتقليص دور الجيش في الاقتصاد المصري المدني وجعل سعر الجنيه المصري غير ثابت مقابل سعر الدولار. ثمن القرض الباهظ أصبح ملموساً ومخيفاً. الجنيه المصري مر بتغيرات دراماتيكية، الأول في 2016 عندما حصلت مصر على قرض من صندوق النقد بمبلغ 12 مليار دولار، عندها قفز الدولار إلى 15.5 جنيهاً، والآن مع التغير الجديد قفز إلى سعر خيالي هو 35 جنيهاً للدولار، وانخفض إلى 27 جنيهاً للدولار، وفي هذا الأسبوع قفز مرة أخرى إلى 32 جنيهاً للدولار.
المواطنون في مصر لم يعودوا يعرفون أي الأسعار تنتظرهم في كل صباح وما الذي يمكنهم شراؤه بعد أن فقد راتبهم نحو 30 في المئة من قوته الشرائية. “لا أعرف ما سيبقى معي من المال بعد العودة من السوق، ولا أعرف أيضاً ماذا أستطيع أن أشتري”، كتب مواطن مصري في حسابه في تويتر. هو يقصد بأن بضائع كثيرة بمبلغ يقدر بـ 15 مليار دولار لم يتم تحريرها من الجمارك بعد لأن المستوردين يجدون صعوبة في الحصول على الدولارات عقب القيود الجديدة التي فرضتها الحكومة على سحب العملة الأجنبية من البنوك.
قد تواجه مصر صعوبات كثيرة عندما ستطلب المساعدة من الحلفاء العرب مثل السعودية والإمارات، ومؤخراً قطر. الأربعاء، في اجتماع للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أوضح وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، بأن المملكة من الآن فصاعداً ستغير سياسة مساعداتها الخارجية. “لقد تعودنا المساعدة عن طريق منح وإيداعات بدون شروط. أما الآن فنعمل مع مؤسسات تمويل دولة، ولذلك نقول بأننا نريد رؤية إصلاحات (كشرط للمساعدة)”، قال.
هذه ليست بشرى سارة لمصر التي تعتمد بشكل كبير على المساعدة المباشرة من السعودية. الرياض في الواقع أودعت نحو 5 مليارات دولار في البنوك المصرية، لكن كان هدف هذه الودائع تمويل صفقات شراء لشركات مصرية بمبلغ 10 مليارات دولار، التي تم منها تحقيق صفقات بمبلغ 1.6 مليار دولار فقط حتى الآن. لتجسيد كامل الإمكانية الكامنة للصفقات، ستحتاج مصر إلى عرض شركات ربحية للبيع، من النوع الذي يسيطر عليه الجيش الآن، الذي سبق وأوضح للسيسي في السنة الماضية بأنه لا ينوي أن يتجرد من أملاكه. الآن يحاول السيسي العثور على حل لا يغضب الجيش، وفي الوقت نفسه يهدئ صندوق النقد الدولي. طريقة فعل ذلك في إقامة شركات خاصة مصرية تشتري الممتلكات من الجيش على الورق بشرط أن يواصل الجيش إدارتها.
يفهم السيسي بأنه لا يمكنه مواصلة التبذير بدون حساب ويشد الحزام على المواطنين. في كانون الأول الماضي، أمر رئيس الحكومة بعرض خطة اقتصادية منظمة خلال سنة، بحيث تفصل الطريقة التي ينوي فيها تقليص العجز وتقليص التضخم الذي بلغ 20 في المئة وخفض الأسعار. مشكوك فيه أن بالإمكان العثور في كتب الاقتصاد على خطة كاملة كهذه، لكن يمكن تشخيص محاولات أولية.
محافظ البنك المركزي في مصر قرر رفع سعر الفائدة 3 في المئة، لتصل إلى 16.5 في المئة. هذه خطوة مهمة كان يجب القيام بها قبل أشهر كثيرة نظراً لأنه ربما كان يمكنها السماح بإبقاء الـ 20 مليار دولار التي غادرت مصر بحثاً عن سعر فائدة أفضل في دول أخرى. ربما يعود جزء منها الآن، ودليل ذلك يمكن العثور عليه في تقرير هذا الأسبوع الذي يقول بأن نحو مليار دولار دخل إلى سوق رأس المال في مصر خلال بضعة أيام.
في موازاة ذلك، نشر رئيس الحكومة عدة توجيهات تتضمن حظر إقامة مشاريع جديدة تحتاج استثمارات بالدولار، وتقليص السفر إلى الخارج لموظفي الدولة وإجبار وزراء على الحصول على مصادقة شخصية من رئيس الحكومة على كل سفرة. وقال منتقدو السيسي إنها توجيهات ليست أكثر من ذر للرماد في العيون، لأن السيسي يواصل الاستثمار في بناء العاصمة الإدارية الجديدة التي يقام فيها أيضاً المسجد الثاني من حيث حجمه في الشرق الأوسط وملعب كرة القدم الأكبر في إفريقيا.
بالنسبة للمساجد، فإنه حسب وزير الأوقاف في مصر، هناك أكثر من 140 ألف مسجد، منها نحو 10 آلاف مسجد أقيمت في عهد السيسي منذ العام 2013. من غير الواضح من الذي يحتاج إلى هذا العدد الكبير من المساجد في الوقت الذي يتضاءل فيه عدد المصلين. لكن يبدو أن الجواب يكمن في الفضاء السياسي. فالسيسي الذي يشن حرباً ضروساً ضد الإخوان المسلمين، يريد في المقابل أن يظهر دعمه للدين. تقارير في وسائل إعلام عربية تتحدث بأن إدراك السيسي لغضب الجمهور جعله يلغي زيارة رسمية فخمة للعاصمة الإدارية لتدشين خط الميترو الذي سيربطها مع القاهرة، كما أصبح عقد مؤتمر الشباب في شرم الشيخ في شباط القادم مشكوكاً فيه الآن بسبب التكلفة الباهظة التي يحتاجها تنظيمه. هذا المؤتمر مهم للسيسي كجزء من استعراض قربه من الشعب بعامة والشباب بخاصة. في السابق، ساعده هذا الأمر في عرض إنجازات الحكومة. الحديث يدور في الواقع عن توفير قليل نسبياً مقارنة مع احتياجات مصر الكبيرة، لكن تقليص النفقات الاستعراضية يؤكد الحساسية الكبيرة التي يوليها السيسي لخطر اندلاع احتجاج يلزمه بمواجهة المواطنين في مصر.
إزاء ذلك، يمكن فهم حساسية السيسي للتطورات في الساحة الفلسطينية والإسرائيلية، التي يمكن -حسب رأيه- أن تشعل الشارع المصري. عقد السيسي في هذا الأسبوع قمة مصغرة بمشاركة ملك الأردن الملك عبد الله، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وفي اليوم التالي سافر إلى أبو ظبي للمشاركة في قمة نظمها رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد مع زعماء دول الخليج. رسمياً، أعلنت مصر بأن قمة أبو ظبي استهدفت “تعزيز العلاقات والتعاون بين مصر وأخوتها في الخليج”. ولكن حسب مصادر مصرية، فإن طرقاً محتملة للعمل إزاء حكومة في إسرائيل الجديدة كانت قد نوقشت في القمتين.
تخشى مصر من أن زيارة أخرى يجريها وزير إسرائيلي للحرم، أو توسيعاً استعراضياً للبناء في المستوطنات، يمكن أن تحدث انتفاضة عنيفة في “المناطق” [الضفة الغربية]، وتجر معها قطاع غزة، وبعد ذلك تطوير احتجاج غير مسيطر عليه في شوارع مصر. “عندما يخرج المصريون للتظاهر ضد سياسة إسرائيل، فهم يحصلون على شرعية عامة، وسيجد النظام صعوبة في وقفهم”، قال للصحيفة مراسل مصري يعمل في وسائل إعلام حكومية. “لكن لهذه المظاهرات حياة خاصة بها، وفي اللحظة التي يمكن لمظاهرة منها أن تتحول إلى احتجاج ضد النظام وضد الفقر وضد التبذير فستكون لنا مواجهة مباشرة نتائجها قد تكون قاتلة”، أكد.
تبذل مصر جهوداً كبيرة لتهدئة حماس، وفي المقابل تجري محادثات كثيفة مع شخصيات رفيعة في إسرائيل. حسب أحد التقديرات، فإن نشر الفيلم الذي يظهر فيه كما يبدو المخطوف الإسرائيلي ابرا منغيستو، ولد هو أيضاً من داخل جهود مصرية هذه لتسريع صفقة التبادل التي قد تزيد التسهيلات لقطاع غزة.
الأربعاء الماضي، نشرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية نبأ جاء فيه بأن حماس أبلغت إسرائيل بواسطة مصر بأنها مستعدة لاستئناف المفاوضات حول صفقة التبادل من المرحلة التي توقفت عندها في المرة الأخيرة. الصحيفة التي تعتمد على مصادر مصرية، أضافت بأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الطرفين يشمل إطلاق سراح منغيستو وهشام السيد وأيضاً تقديم معلومات عن وضع أورون شاؤول وهدار غولدن. في المقابل، سيتم إطلاق سراح سجناء اعتقلتهم إسرائيل مجدداً بعد أن تم إطلاق سراحهم في صفقة شاليط، ونساء وأطفال وسجناء قدامى.
لا يذكر النبأ بالتفصيل عدد السجناء الذين يدور الحديث عنهم، أو إذا كان هذا الاتفاق قد تم التوصل إليه في عهد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أو في عهد حكومة التغيير برئاسة نفتالي بينيت ويئير لبيد، اللذين كان للسيسي علاقات جيدة معهما مثلما مع نتنياهو. التحليلات التي نشرت في إسرائيل بعد نشر الفيلم، أوضحت بأن حماس تخضع لضغط من عائلات السجناء، لذا هي معنية بتسريع الصفقة. ولكن إزاء التدخل المصري الكثيف، يبدو أن القاهرة مضغوطة بدرجة لا تقل عن ذلك من أجل إنهاء الصفقة، وذلك لتعزيز التعاون مع حكومة نتنياهو وإظهار أهميتها لاحقاً حتى تستطيع استخدام نفوذها فتشكل وزناً موازياً للطموحات المتوقعة لحكومة إسرائيل.
المصدر: هآرتس
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس