“قصة ريجيني”: سردية المؤامرة للتشويش على المحاكمة

7
"قصة ريجيني": سردية المؤامرة للتشويش على المحاكمة

افريقيا برسمصر. أثارت مصر من جديد غضب النخبة السياسية الإيطالية، بنشر فيلم وثائقي على موقع “يوتيوب” بعنوان “قصة ريجيني”، يتبنّى سردية مغايرة للوقائع التي تستقر عليها التحقيقات الإيطالية، ويروج لفكرة المؤامرة، وتعرّض الطالب الإيطالي جوليو ريجيني للخطف والقتل مطلع عام 2016 على يد مجموعة من معارضي النظام المصري المحليين، أو التابعين لجهات أجنبية، بالتزامن مع زيارة وفد إيطالي كبير للقاهرة، ولقاء وزيرة الصناعة الإيطالية في ذلك الحين فيديريكا جويدي برئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي.

وكان النائب العام المصري حمادة الصاوي عبّر عن هذا الأمر، في بيان غلق القضية ضد مجهول أواخر العام الماضي، بقوله إن “سلوك المجني عليه، وتحركاته غير المألوفة، لم تكن خافية على أحد من عوام الناس، بل باتت معلومة للكافة وذاع نبأ البلاغ المقدم ضده، ما قد يكون استغله مجهول، وعزم على ارتكاب جُرمه، متخيراً يوم الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2016، لعلمه بانشغال الأمن المصري يومئذ بتأمين المنشآت الحيوية. فخطف المجني عليه واحتجزه وعذبه بدنيّاً ليُلصق التهمة بعناصر من الأمن المصري. وبالتزامن مع مجيء وفد اقتصادي لزيارة البلاد قتل المجني عليه، وألقى جثمانه في موقع حيوي بالقرب من منشآت هامة، يتبع بعضها جهات شرطية، كأنما أراد إعلام الكافة بقتله ولفت الانتباه إليه. مما أكد للنيابة العامة وجود أطراف معادية لمصر وإيطاليا تسعى لاستغلال الحادث للوقيعة بينهما في ضوء التطور الإيجابي في علاقاتهما خلال الفترة الأخيرة، ويسايرها في ذلك بعض من وسائل الإعلام المعروفة بإثارة الفتن لإحداث تلك الوقيعة. مما انتهت معه النيابة العامة إلى أن ظروف وملابسات الواقعة على هذا النحو لها صورة أخرى لم تكشف التحقيقات بعدُ عنها، أو عن هوية مرتكبها”.

انتقد رئيس مجلس النواب الإيطالي روبرتو فيكو الفيلم الذي بلغت مدته 51 دقيقة

وانتقد رئيس مجلس النواب الإيطالي روبرتو فيكو الفيلم الذي بلغت مدته 51 دقيقة، واستعانت الجهة التي أعدته، ولم تعلن اسمها، بعدد من الشخصيات المصرية والإيطالية غير الرسمية، التي أعادت تدوير التصريحات المصرية الرسمية عن احتمال تورط ريجيني في أنشطة استخباراتية ضد مصر، وأن العصابة المسؤولة عن مقتله “ارتكبت جريمة كاملة”، في إشارة إلى عجز السلطات المصرية عن التوصل إلى الفاعلين، وأن المقصد الأساسي للجريمة كان إفساد العلاقة بين البلدين.

لكن مصادر دبلوماسية مصرية كشفت، لـ”العربي الجديد”، أن هذا الفيلم قد أشرف على إعداده مكتب مدير المخابرات العامة عباس كامل. وهو ما يتقاطع مع ما كانت نشره “العربي الجديد” في 16 إبريل/نيسان الماضي عن محاولة مصر الترويج لسردية مناقضة للرواية الإيطالية، المؤيدة بأقوال الشهود التي قدمها الادعاء العام في روما إلى غرفة تحريك الدعوى الجنائية، مطالباً بمحاكمة أربعة ضباط. واستعان معدو الفيلم المصري بثلاثة عناصر إيطالية تم تقديمهم باعتبارهم خبراء وصحافيين، لكنهم في الحقيقة لا يعملون حالياً في أي جهة رسمية إيطالية. وتحدث هؤلاء عن جزئية العلاقات المصرية الإيطالية، ورغبة بعض الجهات تخريبها، لما تتميز به من “ثبات وتعدد بمجالات التعاون”، مؤكدين أن الشراكة بين القاهرة وروما لن تتأثر بما حدث.

وبينما يتشبث الادعاء الإيطالي بالمضي قدماً في إجراءات المحاكمة، مدعوماً من القوى اليسارية، فإن مصر توثق اتصالاتها حالياً باليمين المتطرف وشخصيات حكومية وبرلمانية من يسار الوسط لترويج رواية “المؤامرة”، والتأكيد على أن القاهرة لديها دلائل دامغة عليها، وأن المحاكمة -وإن كانت غيابية- فقد تضر بالعلاقات الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية بين البلدين.

وقررت الغرفة القضائية الإيطالية تأجيل جلسة استماع للادعاء العام في بداية نظر تحريك الدعوى، والتي كانت مقررة يوم الخميس الماضي إلى 25 مايو/أيار الحالي. وأوضحت المصادر الدبلوماسية أن التأجيل جاء بسبب تقديم أحد المحامين من المكتب الذي تعاقدت معه السفارة المصرية للدفاع عن الضباط الأربعة ما يثبت أنه مصاب بفيروس كورونا، وعدم قدرته على مباشرة الجلسة. يُشار إلى أن الضباط الأربعة المتهمين هم اللواء طارق صابر، والعقيد آسر كمال، والعقيد هشام حلمي، والمقدم مجدي عبدالعال شريف. وبحسب القانون الإيطالي، يمكنهم جميعاً مخاطبة الادعاء العام لنفي الوقائع، كما يمكنهم المطالبة بالمثول أمامه للادلاء بأقوالهم. واللواء طارق صابر، أصبح حالياً مساعد وزير الداخلية للأحوال المدنية، وكان خلال الواقعة يعمل مدير قطاع في جهاز الأمن الوطني، وهو الذي أصدر تعليماته بمتابعة ريجيني بناء على تقرير رفع إليه من أحد مساعديه عن أنشطته البحثية، وتواصله مع نقيب الباعة الجائلين محمد عبدالله، بمناسبة بحثه عن النقابات المستقلة في مصر.

كشفت مصادر دبلوماسية مصرية أن مكتب عباس كامل أشرف على إعداد الفيلم

أمّا الضابط الثاني، وهو العقيد آسر كمال، والذي كان يعمل رئيساً لمباحث المرافق بالعاصمة، وتوجد دلائل على أنه هو الذي أشرف على رسم خطة تعقّب ريجيني في إطار التنسيق بين الأمن الوطني والأمن العام، فقد تمّ نقله بعد الحادث بأشهر عدة للعمل في محافظة أخرى. أما المقدم مجدي شريف فقد سبق أن نشر ادعاء روما اسماً رباعياً تقريبياً له هو “مجدي إبراهيم عبدالعال شريف”، وهو الضابط الذي أبلغ عنه ضابط أفريقي بأنه سمع منه حديثاً عفوياً أثناء تدريب للضباط الأفارقة في كينيا عام 2017، اعترف فيه بتورطه في قتل ريجيني، أو “الشاب الإيطالي” كما وصفه، إلى حد القول بأنه “لكمه مرات عدة” بسبب “الاشتباه في كونه جاسوساً بريطانياً”. وتتجه التحقيقات الإيطالية إلى أن الضابط مجدي شريف شارك ثلاثة ضباط آخرين، غير الخمسة المشتبه فيهم، في إدارة ملف ريجيني، وأنهم جميعاً قاموا بتكوين شبكة من المخبرين حول ريجيني، والتي تضم -حسب السيناريو الإيطالي- كلاً من زميلة ريجيني المقربة الباحثة نورا وهبي، وشريكه في السكن محمد الصياد، ونقيب الباعة الجائلين محمد عبدالله، الذي يظهر في الفيلم الوثائقي المعد من قبل الأجهزة المصرية.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here