وساطات اقتصادية بين مصر وإيطاليا لتسوية قضية ريجيني

9
وساطات اقتصادية بين مصر وإيطاليا لتسوية قضية ريجيني
وساطات اقتصادية بين مصر وإيطاليا لتسوية قضية ريجيني

أفريقيا برسمصر. قالت مصادر دبلوماسية مصرية إنّ القاهرة بمساعدة الدوائر الاقتصادية المرتبطة بها في إيطاليا، تسعى حالياً إلى إفشال حملة كبيرة تقف وراءها أحزاب الوسط واليسار وعلى رأسها “رابطة الخمسة نجوم” بزعامة وزير الخارجية لويجي دي مايو، لعرقلة التنسيق المتفق عليه سلفاً بين مصر وإيطاليا في ملف التعاون العسكري، وبالأخص صفقة التسليح القياسية التي أبرمت مطلع العام الماضي، والتي قد تبلغ قيمتها الإجمالية 11 مليار يورو (نحو 13 مليار دولار). ومثّلت الفرقاطتان البحريتان من طراز “فريم”، اللتان كانت تسلّمتهما مصر، المرحلة الأولى من هذه الصفقة، ومازالت هناك مراحل أخرى تتضمن توريد طائرات مروحية وأنظمة دفاع جوي ورادارات وصواريخ وقطع بحرية.

وكشفت المصادر، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، عن انخراط عملاق المنتجات البترولية الإيطالية، شركة “إيني”، التي تسعى لتوسيع أعمالها في مصر خلال السنوات المقبلة، ليس فقط على مستوى الاستكشاف في الحقول الجديدة للغاز، بل أيضاً على مستوى بيع المواد البترولية والغاز بالتجزئة داخل السوق المصرية، في وساطة بين السلطات في القاهرة والحكومة الإيطالية، للبحث عن حل وسط لتقليل الأضرار الناشئة عن قضية مقتل جوليو ريجيني، وعدم تفاقمها. وكذلك منع توجيه أصابع الاتهام رسمياً للدولة المصرية أو وزارة الداخلية فيها، بعد البدء في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، في المحاكمة الغيابية للضباط الأربعة المتهمين بالضلوع في مراقبة ريجيني وخطفه وتعذيبه وقتله مطلع عام 2016.

مباحثات حول تقديم رواية مصرية معقولة تحمّل الأجهزة الأمنية مسؤولية الجريمة

وتدور هذه المباحثات حول محورين رئيسين؛ أولهما تقديم رواية مصرية معقولة وذات مصداقية تحمّل الأجهزة الأمنية مسؤولية الجريمة ولو من دون توجيه الاتهام لأشخاص بعينهم، نظير التعهد بعدم تحريك القضية جنائياً ضد الدولة المصرية. أما المحور الثاني، فيتعلق بإحراز تقدم ملموس في مجال حقوق الإنسان في مصر بما في ذلك الإفراج عن الناشط الحقوقي والطالب باتريك زكي (طالب دراسات عليا بجامعة بولونيا في إيطاليا أوقف في فبراير/شباط 2020)، أو تمكينه من الحصول على الجنسية الإيطالية ومغادرة الأراضي المصرية.

ونظراً لاحتمال استخدام حالة باتريك زكي في تسوية الملف الإشكالي مع إيطاليا، فالرأي مستقر حالياً في مصر على استمرار حبسه لحين حلحلة الموقف، وذلك على الرغم من قضائه أكثر من عام ونصف العام في السجن من دون محاكمة.

وذكرت المصادر أنّ سفارتي البلدين لدى كل عاصمة تشاركان في هذه المباحثات الممتدة منذ زيارة السفير الإيطالي في القاهرة، جامباولو كانتيني، للنائب العام المصري حمادة الصاوي الشهر الماضي.

وبالتوازي مع ذلك النشاط، تبحث الرئاسة المصرية بشكل دقيق، مدى الاحتياج لإصدار تعديل لقانون المحكمة الدستورية العليا الجديد، الذي سيمكنها من وقف تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة من محاكم ومنظمات وهيئات دولية ذات طبيعة سياسية أو قضائية في مواجهة الدولة المصرية، أو التي ترتئي السلطة الحاكمة في مصر أنها تخالف الدستور أو التشريعات المحلية، والتي ترتبط بشكل كبير بتطورات قضية ريجيني.

تبحث الرئاسة المصرية مدى الاحتياج لإصدار تعديل لقانون المحكمة الدستورية العليا بما يمكنها من وقف تنفيذ الأحكام

وأوضحت المصادر أنّ وزارتي الخارجية والعدل المصريتين شكلتا لجنة استشارية من خبراء قانونيين عاملين في الحكومة والقطاع الخاص، لدراسة التعامل مع قضية ريجيني في مرحلة المحاكمة. وقد قُدمت نصائح بتجاهل المحاكمة تماماً ووقف التمثيل القانوني للمتهمين من قبل محامين إيطاليين، بهدف زعزعة شرعية المحاكمة وضمان عدم نهائية الحكم أياً كانت نتيجته.

في المقابل، هناك رأي آخر يؤيّد التمثيل القانوني الكامل للمتهمين للسيطرة على مجريات المحاكمة ومنع تحولها إلى مساءلة للنظام المصري بأي شكل، أو إعادتها للتحقيق، وبالتالي، الاكتفاء بما حدث ومحاولة غلق القضية عند المستوى الفردي. علماً أن الضباط الأربعة المتهمين بقتل ريجيني هم اللواء طارق صابر، والعقيد آسر كمال، والعقيد هشام حلمي، والمقدم مجدي عبدالعال شريف. وبحسب القانون الإيطالي، يمكنهم جميعاً مخاطبة الادعاء العام لنفي الوقائع، كما يمكنهم المطالبة بالمثول أمام الادعاء للإدلاء بأقوالهم.

واللواء طارق صابر، أصبح حالياً مساعد وزير الداخلية للأحوال المدنية، وكان خلال الواقعة يعمل مدير قطاع في جهاز الأمن الوطني، وهو الذي أصدر تعليماته بمتابعة ريجيني بناء على تقرير رفع إليه من أحد مساعديه عن أنشطته البحثية وتواصله مع نقيب الباعة الجائلين، محمد عبد الله، بمناسبة بحثه عن النقابات المستقلة في مصر.

واشترت مصر من إيطاليا أسلحة بمبلغ مليار و944 مليون يورو منذ مقتل ريجيني مطلع عام 2016، منها 991 مليونا في عام 2020، وهو الرقم الذي يعتبر الأضخم في تاريخ العلاقات العسكرية بين البلدين. وفي عام 2019، أنفقت مصر 870 مليون يورو على شراء الأسلحة الإيطالية. وفي عام 2018، كانت قيمة الصفقات 69 مليون يورو فقط، وكان هذا في وقته رقماً قياسياً يمثل أكثر من ضعف أكبر مبلغ دفعته مصر نظير الأسلحة الإيطالية في عام واحد على الإطلاق، وبرقم يفوق بكثير سعر مشترياتها من الأسلحة والذخيرة في جميع الأعوام من 2013 إلى 2017.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أشعرت السفارة المصرية في روما، القاهرة، بشأن وجوب بدء تحركات سياسية واستخباراتية واقتصادية عالية المستوى وسريعة، بعد رصدها تصاعداً في الخطاب النيابي والسياسي والإعلامي المعارض في إيطاليا، والساعي لإلحاق مصر بكل من السعودية والإمارات، في تطبيق القانون المحلي رقم 185 لسنة 1990 الذي يمنع توريد الأسلحة إيطالية الصنع إلى الدول التي تنتهك حقوق الإنسان.

وزارتا الخارجية والعدل المصريتان شكلتا لجنة استشارية لدراسة التعامل مع قضية ريجيني في مرحلة المحاكمة

ويتهم هذا الحراك النيابي مصر بأنها دولة قمعية ترتكب جرائم ضد حقوق الإنسان، وبعضها ضد مواطنين أوروبيين وإيطاليين، وتحديداً ريجيني الذي تخفي مصر حقيقة ما جرى له، وتمتنع عن تقديم المساعدة الكافية للقضاء الإيطالي في قضيته، وصولاً إلى امتناعها عن تسليم المتهمين الأربعة الذين تحوم حولهم الشبهات في جريمة خطفه وتعذيبه حتى الموت.

ويتهم نواب إيطاليون معارضون، مصر بأنها متورطة بشكل غير مباشر في حرب اليمن، من خلال تحالفها مع السعودية والإمارات، إذ يطرح هؤلاء فرضيات غير مدعومة بدلائل حتى الآن، عن أنّ مصر تؤجر أو تبيع بعض الأسلحة الأوروبية التي اشترتها في الآونة الأخيرة وجعلت منها المستورد الأول لتلك الأسلحة خارج أوروبا، إلى كل من السعودية والإمارات للالتفاف على قرارات منع أو تقليص توريد الأسلحة للبلدين، الأمر الذي قد يعرض القاهرة حال ثبوته لعقوبات كبيرة من الدول المصدرة.

ويسعى النواب المعارضون إلى منح سلطة تفسير القانون للقضاء، خلافاً لتمسك الحكومة الإيطالية بأنّ القانون يفوض مجلس الوزراء في تحديد مدى التزام الدولة المشترية بحقوق الإنسان، ومدى ارتكابها مخالفات للقانون الإيطالي والقواعد الأوروبية الخاصة، والتي تم تطبيقها على مصر مرة واحدة فقط في أعقاب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في صيف 2013، حيث استمر تعليق بيع الأسلحة من الدول الأوروبية لعام واحد بدعوى استخدام بعضها في قتل المتظاهرين وتدجيج الآلة القمعية للجيش والشرطة.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here