“أوراق مصر”… أسرار من مسرح عمليات الحدود الليبية

19
"أوراق مصر"... أسرار من مسرح عمليات الحدود الليبية

أفريقيا برس – مصر. كشفت مصادر قبلية بمحافظة مطروح الحدودية المصرية تفاصيل جديدة بشأن “فضيحة أوراق مصر”، التي نشرها موقع “ديسكلوز” الاستقصائي، والتي كشفت عن تورط فرنسا بمساعدة استخبارية لمصر أدت لاستهداف مدنيين على الحدود الليبية، عبر تقديم معلومات استخدمتها القاهرة لاستهداف مهرّبين عند الحدود المصرية – الليبية وليس متطرفين، بخلاف ما هو متّفق عليه.

وقالت المصادر، لـ”العربي الجديد”، إن الواقع على الأرض يختلف تماماً عما تصوره الحكومة المصرية، التي تدعي من وقت لآخر أنها قتلت، أو ألقت القبض على مهربين. وأوضحت المصادر أن أغلب من تقتلهم الحكومة هم أطفال وشباب، معظمهم غير متورط في عمليات التهريب، وهي إما تقتلهم عن طريق الخطأ أو بسبب اتهامهم بنقل المعلومات إلى عصابات التهريب، وغالباً ما تستهدف الدولة صغار المهربين من دون الاقتراب من زعماء هذه العصابات.

هناك تعامل بين زعماء عصابات التهريب وبعض قيادات الأجهزة الأمنية في مطروح

وقالت المصادر إنه “من المعروف على المستوى الشعبي والقبلي بالمحافظة، أن هناك تعاملاً بين زعماء عصابات التهريب وبعض قيادات الأجهزة الأمنية في المحافظة، لا سيما المخابرات الحربية المسؤولة عن المنطقة”، مؤكدة أن “كثيراً ما يحدث تعاون بين الطرفين، سواء على مستوى هذه التجارة، أو تسليم بعض المتهمين، ولكن أحياناً تتوتر العلاقات فتقع مشاكل يروح ضحيتها أشخاص من الطرفين”. وكشفت المصادر أن زعماء عصابات التهريب، يعلمون تماماً بشأن حصول الأجهزة الأمنية المصرية على معلومات استخبارية من الفرنسيين تساعد في استهدافهم، موضحة أن هذه المعلومات تكون عبارة عن إحداثيات لأماكن تواجدهم، أو صورا جوية، وما إلى ذلك من معلومات تساعد في استهدافهم بسهولة.

وفي المقابل، قالت المصادر إنه كما تحصل الأجهزة الأمنية المصرية على معلومات استخبارية حول المهربين، فإن المهربين يحصلون أيضاً على معلومات حول الأجهزة. وكشفت عن تفاصيل عملية نفذتها عصابات التهريب ضد أحد ضباط الجيش في المنطقة، وهو العقيد حسام عبد الله عبد الغفار، قائد مكتب مخابرات حرس الحدود بمطروح، مشيرة إلى أن استهداف عبد الغفار جاء بناء على معلومات حصلت عليها العصابات، حول خط سيره، وتم رصد سيارته والتعامل معها بالرشاشات الآلية. ورجحت المصادر أن يكون استهداف عبد الغفار جاء كعملية انتقامية، رداً على استهداف الجيش لقيادات في تلك العصابات، باستخدام المعلومات التي توفرها المخابرات الفرنسية التي تعمل بالمنطقة، والتي كان العقيد عبد الغفار شريكاً فيها. ونُفذت عملية استهداف قائد مكتب مخابرات حرس الحدود في مطروح، والتي لم تنشر عنها وسائل الإعلام المصرية أية أخبار، في 6 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتم نقل جثته بعدها إلى مسقط رأسه في قرية لبيشة بمحافظة المنوفية ليتم دفنها هناك.

وقالت مصادر من قرية لبيشة، لـ”العربي الجديد”، إن مخابرات حرس الحدود عندما جاءت بجثة العقيد حسام عبد الغفار بعد وضعها في الكفن، أبلغت أسرته بأنه توفي في حادث سيارة، وطلبوا منها عدم التحدث في أسباب الوفاة، مع التأكيد أن أسرته سوف تحصل على جميع مستحقاته كشهيد وضحية عمليات. كما كشفت المصادر عن مفاجأة حدثت في الليلة التي دفن فيها عبد الغفار، عندما تحولت القرية فجأة إلى ثكنة عسكرية، قبل أن يحضر نائب رئيس جهاز المخابرات العامة العقيد محمود السيسي، نجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لتقديم واجب العزاء. وأكدت المصادر أن عبد الغفار كان صديقاً شخصياً لمحمود السيسي، ومن دفعته بالكلية الحربية، وأحد المقربين منه.

المصادر القبلية في مطروح قالت، لـ”العربي الجديد”، إن الجميع في المحافظة، بمن فيهم الأجهزة الأمنية والقبائل والعمد والمشايخ، يعلمون جيداً أن معظم الذين يستهدفهم الجيش المصري في المنطقة مدنيون أبرياء، يموتون ضحية العشوائية والتعامل الغاشم، إضافة إلى المعاملات السرية بين العصابات وبعض قيادات الأجهزة الأمنية.

وبحسب موقع “ديسكلوز” الاستقصائي، فإنّ مهمة “سيرلي” الاستخبارية الفرنسية، التي بدأت في فبراير/شباط 2016 لحساب مصر في إطار مكافحة الإرهاب، قد تم حرفها عن مسارها من جانب الدولة المصرية، التي تستخدم المعلومات التي جمعتها من أجل شن ضربات جوية على آليات تشتبه بأنها لمهرّبين. وبحسب الوثائق التي حصل عليها الموقع، فإنّ “القوّات الفرنسيّة كانت ضالعة في ما لا يقلّ عن 19 عملية قصف على مدنيّين بين العامين 2016 و2018″، لكن المصادر القبلية بمطروح أكدت، لـ”العربي الجديد”، أن الأعداد تفوق ذلك العدد بكثير.

دبلوماسي مصري سابق -تحفظ على ذكر اسمه- أكد أن الكشف عن عملية “سيرلي” هو “فضيحة دولية بكل المقاييس”، لكنه توقع، في الوقت ذاته، أن تمر من دون محاسبة أي أحد. وقال، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إن “هذه الفضيحة لو كانت حدثت في دولة (الرئيس الراحل) حسني مبارك، لكانت أحدثت ضجيجاً وأزمة كبيرة. والحال نفسه بالنسبة لفرنسا، فلو كانت وقعت إبان حكم (الرئيس الأسبق) جاك شيراك على سبيل المثال، لأحدثت أزمة كبرى، ولكن الآن في ظل نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وشريكه الاستراتيجي (الرئيس الفرنسي) إيمانويل ماكرون، سيتم نسيان الموضوع”.

وأضاف أنه “بالنسبة لمصر، لا يتوقع أحد أن يثير الموضوع أي مشاكل للنظام، وذلك في ظل حالة الموت الجماعي للسياسة والصحافة في البلاد. فلا أحد يجرؤ على التحدث في الموضوع من الأساس. أما بالنسبة لفرنسا فالمناخ السياسي الذي تعيشه البلاد والرأي العام الشعبي هناك، لا يساعد أيضاً على تحويل تلك الفضيحة إلى “قضية إنسانية” تتطلب محاسبة أحد”.

وأوضح الدبلوماسي المصري السابق أن “الحديث بفرنسا، في وسائل الإعلام والأوساط السياسية، سينطلق من فكرة أن التعاون الاستخباري مع دولة مثل مصر، من حيث المبدأ، هو مصلحة استراتيجية بالنسبة لباريس، أما إذا تسبب هذا التعاون في جرائم ضد الإنسانية مثلاً، فسيتم تجاهل ذلك، بما أن تلك الجرائم وقعت خارج فرنسا، على اعتبار أن مصر، شأنها شأن دول أفريقية أخرى يتم تصويرها للرأي العام الفرنسي، على أنها دول “متخلفة” يقتل الناس فيها بعضهم البعض، وأن تدخل فرنسا هناك لازم لحماية أمنها القومي. وهذا ما يدور في أوساط اليمين، الذي يتمتع بشعبية كبيرة هناك، وهي نظرية أميركية قديمة يتبعها (الرئيس الأميركي جو) بايدن نفسه الآن”. وأضاف أن “هناك حالة واحدة يمكن فيها أن يتم تحريك الموضوع قانونياً في فرنسا، ويتم اتهام الحكومة هناك بالمساعدة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بحسب القانون الفرنسي، أو حتى الأوروبي، وهو أن يكون هناك ضغط إعلامي وبرلماني في القضية”.

أما بالنسبة لمصر، فاستبعد الدبلوماسي المصري السابق أن تتأثر القاهرة بأي من تلك التحركات المحتملة، لا سيما أن مصر تُعتبر من أكبر مستوردي السلاح الفرنسي، وهو ما يحقق لباريس فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة. وأوضح المصدر أن “السلاح الذي يتم شراؤه من فرنسا يفيد قطاعات عدة هناك، إذ تحصل عليه مصر عن طريق قروض من البنوك الفرنسية بفائدة كبيرة، وهو بذلك يشغل قطاع البنوك هناك. ذلك بالإضافة للفائدة التي تعود على قطاع الصناعات العسكرية الذي يوظف عشرات الآلاف من الفرنسيين، وهكذا يستفيد ذلك القطاع. وأخيراً الشركة الموردة. وبالتالي فهناك 3 قطاعات استفادت من تلك الصفقات التي يدفع ثمنها الشعب المصري”.

وفي السياق، استغرب المصدر بشدة “سماح الجيش المصري للمخابرات الفرنسية بانتهاك السيادة المصرية بهذا الشكل الفج، عن طريق إحضار أجهزة تجسس وطائرات من دون طيار تصول وتجول في البلاد”، مؤكداً أن ذلك “يتنافى مع مبادئ سيادة الدول على أرضها، ناهيك عما تسبب فيه من جرائم ضد الإنسانية وقتل للمدنيين العزل، والذي يمكن أن يحاسب عليه النظام المصري في المحكمة الجنائية الدولية في ما بعد”. وأوضح أنه “إذا جاء يوم وتحركت تلك القضية في باريس وتمت محاسبة المسؤولين عنها، فسوف تظهر التسجيلات والصور التي توثق عمليات القتل في الصحراء الغربية، والتي قد تكون أدلة إدانة للنظام المصري في المحكمة الجنائية الدولية”، مؤكداً أن “تلك التسجيلات موجودة الآن بطبيعة الحال لدى الاستخبارات الفرنسية”.

وبدأت عملية “سيرلي” في أوائل عام 2016، عندما تم إرسال فريق استخباري فرنسي سرّي إلى الصحراء الغربية الممتدة من غرب نهر النيل إلى الحدود المصرية الليبية، بهدف تأمين تلك الحدود وسط حالة من الفوضى، بعد أن أعلنت مصر أنها تحتاج “بشكل ملحّ” إلى عملية استخبارات جوية، وتعهدت فرنسا بالمساعدة وتلبية الطلب المصري، ضمن مهمة غير رسمية تقودها إدارة المخابرات العسكرية، كجزء مما وصف بـ”مناورة عالمية ضد الإرهاب”. وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2017 كشفت مذكرة أُرسلت إلى الرئاسة الفرنسية أن القوات الجوية شعرت بالقلق بشأن تجاوزات العملية، ولكنها تعللت بأن وسيلة التقييم الوحيدة المتاحة هي التحليق الأولي الذي يقومون به، مؤكدة أن “تحديد هوية بعض المركبات وما ينجم عنها من اعتراضات يجب أن يتم بحذر”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here