أفريقيا برس – مصر. كشفت مصادر حكومية مصرية، لـ”العربي الجديد”، عن اتصالات بين القاهرة وموسكو، بهدف التوصل إلى اتفاق ينقذ مخزون القمح المصري، ويؤمن الاحتياجات اليومية. وأشارت المصادر إلى أن هناك كميات كبيرة متفق عليها مع شركات أوكرانية كان من المقرر أن تتسلمها مصر خلال شهر مارس/آذار الماضي، قبل أن تبدي الشركات هناك عدم قدرتها على الوفاء بالمواعيد المحدد، بسبب ظروف الحرب واستهداف القوات الروسية سفن الشحن وحصارها الموانئ.
وتواجه مصر أزمة بشأن المخزون الاستراتيجي للقمح وتراجعه بنسبة كبيرة في ظل السحب اليومي من هذا المخزون، من دون تعويضه بكميات مماثلة، مع عدم وصول الكميات المتفق عليها مسبقاً من أوكرانيا، بسبب ظروف الحرب الروسية، والحصار الذي تفرضه موسكو على بعض الموانئ هناك.
وقالت المصادر التي تحدثت لـ”العربي الجديد” إن “اجتماعاً جرى أخيراً بين مسؤولين أمنيين مصريين وآخرين في مقر السفارة الروسية بالقاهرة، لبحث تلك الأزمة، إذ طالب المسؤولون المصريون الجانب الروسي بالاتفاق على آلية تضمن عدم استهداف سفن القمح المتجهة إلى مصر من أوكرانيا”.
طالب المسؤولون المصريون الجانب الروسي بالاتفاق على آلية تضمن عدم استهداف سفن القمح المتجهة إلى مصر من أوكرانيا
وأوضحت المصادر أن الجانب الروسي “أبدى مرونة في هذا الأمر، مقدراً للقاهرة دورها غير المنحاز في الحرب” التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا.
ولفتت المصادر إلى أن الآلية المقترحة من القاهرة في هذا الإطار تتعلق بتشكيل لجنة مشتركة، يقوم من خلالها الجانب المصري بإبلاغ المسؤولين الروس بتفاصيل الرحلات التي ستحمل القمح الآتي إلى مصر ومواعيد انطلاقها، والموانئ التي ستخرج منها، بحيث لا تُعترض من الجانب الروسي.
وأكدت المصادر أنه بناء على الاتفاق، ستُبلّغ الجهات المعنية في أوكرانيا، التي ستقوم بشحن كميات القمح المتفق عليها وفق اتفاقات سابقة، وإطلاق الرحلات في الوقت الذي سيجرى تنسيقه مع الجانب الروسي.
يأتي ذلك مع بدء موسم حصاد القمح المحلي، الذي تعوّل عليه الحكومة المصرية كبديل عن القمح المستورد، الذي أعلنت الحكومة عن نيتها إيقافه حتى نهاية العام، جراء ارتفاع أسعاره في البورصات العالمية بمستويات قياسية بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
وتستهدف الحكومة المصرية جمع ستة ملايين طن من القمح المحلي خلال موسم الحصاد الحالي، وهي ضِعف الكمية التي تحصل عليها كل عام.
ويشكك مراقبون في إمكانية الوصول إلى تلك الكمية، حتى بعد أن رفعت الحكومة الشهر الماضي سعر الشراء من الفلاحين بنحو 150 جنيهاً (8 دولارات) في الأردب (مكيال يسع أربعة وعشرين صاعاً ويقدر الصاع بحوالي 2,035 كيلوغرام)، ليتراوح بين 865 إلى 885 جنيهاً، إذ يظل هذا السعر أقل من السعر العالمي للقمح في الطن.
تستهدف الحكومة المصرية جمع ستة ملايين طن من القمح المحلي
ومطلع الأسبوع الحالي، قالت السفارة الأوكرانية في القاهرة إن روسيا منعت سفينة محملة بالقمح الأوكراني، اشترته مصر، من مغادرة ميناء تشورنومورسك إلى ميناء دمياط.
بدوره، أشار موقع مارين ترافيك المتخصص في تتبع حركة الملاحة إلى أن حمولة السفينة، التي ترفع علم بنما، تبلغ نحو 40 ألف طن من القمح.
وتعليقاً على بيان السفارة الأوكرانية، نفت نظيرتها الروسية الاتهامات الموجهة لدولتها، ووجهت أصابع الاتهام في ذلك إلى الإدارات العسكرية الأوكرانية.
ويخشى المسؤولون في القاهرة من استغلال ملف واردات القمح للضغط على مصر من جانب طرفي النزاع في الأزمة المستمرة منذ نحو 40 يوماً، إذ تستورد مصر 80 في المائة من حجم وارداتها من القمح من موسكو وكييف، وتعدّ القاهرة أكبر مستورد للقمح على مستوى العالم.
وبحسب المصادر، فإن التحركات المصرية، والتي جاءت على أكثر من مستوى؛ منها ما هو دبلوماسي، ومنها ما هو أمني، تأتي لمنع توظيف هذا الملف من جانب الدولتين ضد القاهرة، لحين تأمين مصادر بديلة للقمح، خاصة أن ما يجرى الحديث بشأنه هي كميات متفق عليها سابقاً، وتم توريد قيمتها المالية في أوقات سابقة على اندلاع الحرب.
وشهدت الآونة الأخيرة تضارباً في التصريحات المصرية بشأن مخزون القمح لدى الدولة. وفي السياق، قالت مصادر مصرية لـ”العربي الجديد” إن التصريحات المتضاربة للمسؤولين في حكومة مصطفى مدبولي حول كفاية مخزون القمح في البلاد “تؤكد أن النظام المصري يستخدم الحديث عن نقص مخزون القمح -وهو حقيقي بالفعل- وسيلةَ ضغط سياسية على الدول الغربية، والتلميح بأن حدوث أزمة غذائية من شأنه أن يتسبب في غضب شعبي، قد يؤدي إلى اضطرابات تؤثر على استقراره، وذلك لاستدرار المساعدات”.
وأشارت المصادر إلى أنه “في الثالث من مارس الماضي، ورداً على استفسار رئيس البنك الدولي حول تأثير الأزمة على مصر، قال مدبولي إن الحكومة عملت منذ مدة على تنويع مصادر وارداتها من القمح تحسباً لأي أزمات، وأكد أنها نجحت في تكوين مخزون استراتيجي من القمح يكفي 4 أشهر، بالإضافة إلى المحصول المحلي الذي سيبدأ توريده اعتباراً من منتصف إبريل/نيسان (الحالي)”.
تستورد مصر 80 في المائة من حجم وارداتها من القمح من موسكو وكييف
وأضافت المصادر أنه “في الثاني عشر من الشهر ذاته، أكد وزير المالية محمد معيط، في لقائه مع السفير الألماني في القاهرة فرانك هارتمان، أن الحكومة المصرية حريصة على تحمل تداعيات الموجة التضخمية العالمية الناتجة عن الأزمة الروسية الأوكرانية، مع المواطنين، وذلك لتخفيف العبء عنهم، موضحاً أن المخزون الاستراتيجي من القمح يكفي احتياجاتنا حتى نهاية العام”.
وتابعت المصادر أنه “بعد يومين من تصريحات وزير المالية، وتحديداً في 14 مارس، أكد وزير التموين علي المصيلحي أن مخزون القمح يكفي 4.7 أشهر”.
وأكدت المصادر أن “كل ما سبق يتضارب مع ما قاله المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري نادر سعد، الإثنين الماضي، بأن مخزون مصر من القمح يكفي الاستهلاك المحلي لمدة 2.6 شهر”.
كما قال رئيس الوزراء المصري خلال ترؤسه، الإثنين الماضي، لجنة إدارة الأزمة الناجمة عن الاضطرابات التي تضرب الأسواق العالمية جراء الحرب الروسية الأوكرانية، إن مخزون بلاده من القمح يكفي لتغطية الاستهلاك المحلي مدة شهرين و18 يوماً، وذلك انخفاضاً من 4 أشهر، بفعل تداعيات الحرب، إذ تتجاوز واردات مصر من القمح الروسي 8 ملايين طن سنوياً، بينما تتجاوز 4 ملايين طن من أوكرانيا.
يأتي ذلك فيما قال مصدر دبلوماسي مصري إن القاهرة “تلقت تهديدات واضحة ومباشرة خلال الأيام الأولى من الحرب الروسية على أوكرانيا من أكثر من طرف، وذلك قبل جلسة تصويت في الأمم المتحدة بداية مارس الماضي بشأن الغزو الروسي”.
القاهرة تلقت تهديدات واضحة ومباشرة خلال الأيام الأولى من الحرب الروسية على أوكرانيا
وبحسب المصدر، فإن القائم بالأعمال الأوكراني في القاهرة روسلان نيتشاي تناول صادرات بلاده من القمح إلى مصر، بشكل يشير بوضوح إلى إمكانية تأثر تلك الصادرات سلباً حال استمر الموقف المصري الرافض اتخاذ موقف واضح ومنحاز لصالح المعسكر الغربي الداعم لكييف.
وأوضح المصدر أن السفير الأميركي في القاهرة جوناثان كوهين، وخلال لقاء له مع رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل سبق جلسة التصويت في اجتماع الأمم المتحدة، رد على المبررات المصرية بشأن صعوبة إعلان موقف واضح مضاد للموقف الروسي، نظراً لاعتماد مصر بشكل كبير على موسكو في الحصول على قدر كبير من احتياجاتها من القمح، بالقول وقتها إن “القاهرة من الممكن أن تتعاقد على القمح الروسي، ولكن هذا يعني أنه قد لا يصل إليها”، في موقف اعتبرته القيادة المصرية “تهديداً صريحاً”.
وأيدت مصر، في الثاني من مارس الماضي، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بمطالبة روسيا بالانسحاب الفوري من أوكرانيا. لكن عقب هذا التصويت، أصدرت مصر بياناً على لسان مندوبها الدائم في نيويورك أسامة عبد الخالق، رفض فيه ما وصفه بـ”منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف”، داعياً إلى حلول دبلوماسية للأزمة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس