أفريقيا برس – مصر. كشفت مصادر مصرية رسمية مطلعة عن أن الاستقالة المفاجئة للسفيرة مشيرة خطاب من رئاسة المجلس القومي لحقوق الإنسان لم تكن قراراً ذاتياً أو خطوة تنظيمية كما رُوّج رسمياً، بل جاءت نتيجة ضغوط مباشرة من جهات سيادية، قبل انتهاء مدتها القانونية في ديسمبر/كانون الأول المقبل 2025. وأوضحت مصادر أن خروج “خطاب” عن “النص” خلال إدارتها ملف المعتقل السياسي البارز علاء عبد الفتاح، سبب حرجاً للنظام، في ظل حالة القلق المتزايدة داخل دوائر السلطة من تصاعد الضغوط المحلية والدولية، بعد تدهور الحالة الصحية لوالدته، الدكتورة ليلى سويف، المضربة عن الطعام، في العاصمة البريطانية لندن حالياً.
وقالت مصادر إن “خطاب”، التي تشغل منصباً بدرجة وزير بالدولة، المعروفة تاريخياً بمواقفها الموالية للسلطة منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، تجاوبت بشكل لافت مع المطالب الأوروبية بالإفراج عن عبد الفتاح، خلال لقاء جمعها بعدد من السفراء الأوروبيين مؤخراً. ورصدت الأجهزة المعنية تعبير “خطاب” عن “تقديرها وتفهّمها” المطالب الدولية في هذا الشأن، من دون أن تربط الأمر بالمسار القضائي المصري أو تشير إلى أن مناقشة القضية على المستوى الدولي قد تُعتبر تدخلاً في الشأن الداخلي، بما يتعارض مع الموقف الذي عبّرت عنه خطاب، بحسب المصادر، نُقل حرفياً إلى جهات سيادية معنية بإدارة الملف، وأثار غضباً في أعلى مستويات الدولة، لا سيما أنه ترافق مع تحركات شخصية لها في القضية، شملت زيارة خاصة قامت بها إلى شقيقة المعتقل سناء سيف، المعروفة بحملاتها الحقوقية الدولية المطالبة بالإفراج عن شقيقها. كما سعت “خطاب”، بحسب مصادر أخرى، إلى جسّ النبض داخل الدولة حول احتمال تقديم التماس بالعفو الرئاسي، في ظل تفاقم الوضع الصحي لوالدته.
وأثارت الخطوة التي اعتُبرت “غير منسقة” انزعاجاً واضحاً لدى جهات أمنية وسيادية، ما أدى إلى استدعاء مشيرة خطاب لجلسة مغلقة في إحدى لجان مجلس النواب، وصفتها المصادر بـ”جلسة مساءلة سياسية غير رسمية”، انتهت بطلب صريح لها بتقديم الاستقالة حفاظاً على ما سُمّي بـ”ماء الوجه المؤسسي”، وهو ما حدث بالفعل بنهاية مايو/أيار الماضي. وبحسب مصدر رسمي رفيع، تقرر إبعاد خطاب بهدوء عن المشهد الرسمي، عبر إخراج استقالتها في صورة “تقدير للدور” لا ينطوي على أي صدام خارجي، تجنباً لإثارة أي ردات فعل من الأطراف الدولية التي كانت تتواصل معها.
في المقابل، قال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، محمد أنور السادات، إن “استقالة السفيرة مشيرة خطاب جاءت في ظروف طبيعية، وكانت محل تفكير منها منذ فترة، وربما تدرس عروضاً للانضمام إلى منظمات دولية في المرحلة المقبلة”. وأضاف السادات: “السفيرة مشيرة كانت نموذجاً للعمل الوطني خلال السنوات الماضية، وقد أدت دوراً لا يمكن إنكاره في فتح مساحات مهمة على صعيد الحقوق السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية”. وشدد “السادات” على أن “الاستقالة جاءت طواعية بالكامل، ولا صحة لما يتردد عن تعرضها لأي ضغوط سياسية”، مؤكداً أن “الحديث عن تدخلات أو إقالة غير دقيق ولا يعكس الواقع”.
من جانبه، قال عضو سابق بالمجلس القومي لحقوق الإنسان ومستشار إعلامي مقيم حالياً في ألمانيا، على صفحته الخاصة بالفيسبوك، إن الوزيرة المستقيلة، حرصت خلال وجودها في منصبها على إظهار تعاطف شخصي مع القضايا التي تثيرها الجهات الدولية عن حقوق الإنسان في مصر، لتحصل على دعم دولي في منصبها، دون أن تمارس أعمالاً حقيقية تعمل على إحداث انفراجة حقيقية في ملف الإفراج عن المعتقلين السياسيين، متهماً الوزيرة بأنها تدير الأزمة لمصالح شخصية تضمن لها البقاء في السلطة للأبد. وينفي المستشار الإعلامي وجود أية مناصب دولية معروضة على “خطاب”، مؤكداً خبر إقالتها من منصبها لأسباب أمنية وسياسية عجلت بخروجها من السلطة قبل حضورها حفل توزيع الجوائز السنوية على الفنانين المتميزين في الإنتاج التلفزيوني، والذي كلف به السفير محمود كارم نائب رئيس مجلس حقوق الإنسان.
في سياق آخر، قال مصدر داخل الحوار الوطني إن عدداً من أعضاء مجلس الأمناء حاولوا في الأسابيع الماضية القيام بمساعٍ لدى الجهات المعنية للإفراج عن عبد الفتاح، محذرين من عواقب وفاة الدكتورة ليلى سويف -التي تُعالج في مستشفى بلندن- على خلفية الإضراب، وما يمكن أن تسببه من انتكاسة حادة في صورة مصر الحقوقية. وألمح الأعضاء إلى حملة بريطانية واسعة داعمة لوالدة “عبد الفتاح”، التي وُصفت حالتها بأنها “أصبحت مخيفة للغاية” وتوجيهها رسالة للنشطاء الحقوقيين بـ”لا يكون موتي يذهب سدى فاستخدموه وسيلة لإخراج علاء” بما جعل بعض السياح يطالبون بعدم زيارة مصر، لانتهاك حكومتها حقوق الإنسان.
وأشار المصدر إلى أن هؤلاء الأعضاء نقلوا للمسؤولين تقديرات تتعلق بتأثير القضية على ملف المساعدات الاقتصادية الدولية، في ظل الارتباط الوثيق بين حقوق الإنسان والتمويل من بعض المؤسسات الغربية. ومع ذلك، قوبلت هذه المحاولات برفض حاسم، مع تأكيد أن أي استجابة الآن ستُفسَّر بأنها “رضوخ للضغوط”، بحسب تعبير المصدر.
وذهب مصدر رسمي آخر إلى أن أحد العوائق الأساسية للإفراج عن عبد الفتاح لا يتعلق بالإجراءات القانونية فحسب، بل بـ”موقف شخصي” من بعض المسؤولين النافذين تجاهه. وأوضح أن هناك خشية من أن يستأنف عبد الفتاح نشاطه السياسي والإعلامي ضد النظام فور مغادرته البلاد، لا سيما بعد حصوله على الجنسية البريطانية، في وقت تفتقر فيه الدولة إلى ضمانات موثوقة تحول دون ذلك. وبينما تتزايد الضغوط الداخلية والخارجية لإطلاق سراح عبد الفتاح، لا يبدو أن النظام المصري بصدد تقديم أي تنازلات في المدى المنظور، بل على العكس، تشير التحركات الأخيرة إلى تشديد القبضة وفرض الرقابة على الموالين أيضاً إذا عبروا عن “تعاطف زائد عن الحد”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس