“استقلال النقابات” في مصر… الآمال شيء والواقع أمر آخر

5
"استقلال النقابات" في مصر... الآمال شيء والواقع أمر آخر

أفريقيا برس – مصر. شهدت السنوات القليلة الماضية عودة “تيار الاستقلال” في مصر، المحسوب على المعارضة، إلى مجالس إدارة عدد من أبرز نقابات المهن الحرة، خصوصاً إلى منصب النقيب. وبدأت تلك العودة في نقابة الأطباء بفوز حسين خيري بمنصب النقيب عام 2015، ثم فوز طارق النبرواي بمقعد نقيب المهندسين عام 2022، وأخيراً فوز خالد البلشي بمنصب نقيب الصحافيين في مارس/آذار الماضي.

لكن الشواهد والأحداث أظهرت أنه على الرغم من وجود نقباء وأعضاء في مجالس إدارات النقابات المهنية محسوبين على المعارضة، إلا أن ذلك لم يحجّم السيطرة الأمنية، المفروضة على باقي أجهزة ومؤسسات الدولة، على تلك النقابات.

وقالت إحدى الشخصيات النقابية البارزة، إن “نجاح تيار الاستقلال يعيد للأذهان تجربة الانتخابات الديمقراطية الوحيدة التي شهدتها مصر على مستوى الرئاسة والبرلمان في أعقاب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، حين بدا فوز قوى الثورة فخاً منصوباً لها بإحكام، لتتعثر فيه وتظهر بمظهر العاجز والفاشل، كي يقال بعدها: (هذا هو اختياركم)، وعندها تصب الجماهير غضبها على من اختارتهم، وتعود لتلوذ بالحكام السابقين لإنقاذهم من التردي والفشل”.

نقابة الصحافيين

وانضمت نقابة الصحافيين إلى النقابات التي تولاها مستقلون، إلى جانب المهندسين وقبلها الأطباء. وفاز البلشي، المحسوب على تيار “الاستقلال”، بمنصب نقيب الصحافيين، وعدد آخر من التيار نفسه بمقاعد داخل المجلس.

ومع ذلك، جرى الإعلان قبل أيام عن تشكيل جديد للمجلس، رآه صحافيون “استعادة للتوازن” بين جناح مؤيدي السلطة وجناح المستقلين داخل المجلس، بعد أن خرج السكرتير العام السابق للصحافيين أيمن عبد المجيد، المقرب من السلطة، ببيان مطول ينتقد فيه طريقة توزيع المناصب داخل المجلس في اجتماع سابق.

وهو ما استلزم عقد اجتماع جديد، حصل فيه عبد المجيد على رئاسة لجنة وعضوية لجنتين، وتكرر الأمر نفسه مع أعضاء آخرين مقربين من السلطة، حصلوا على رئاسة لجان. وسخر صحافيون من التشكيل بتسمية المجلس الجديد باسم “مجلس الوكلاء” نظراً للترضيات الواسعة التي جرت بإسباغ صفة وكيل على نصف أعضاء المجلس.

أما صندوق النقابة فظلّ محل طعن من العضو هشام يونس بسبب نفقاته الهائلة وغير المبررة، حتى إنه لوّح بتقديم بلاغ للنائب العام في “شبهات فساد طاولته”، غير أنه جرى إسناد مسؤولية الصندوق لعضو المجلس محمد خراجة، من أجل طمأنة الجميع وترجيح المستقلين أنه لن يختلس منه، ولن يثير مشاكل مع نصف المجلس بفتح ملف الإهدار السابق.

وفي نقابة الأطباء، كان النقيب المحسوب على “تيار الاستقلال” حسين خيري حريصاً على تجنب الدخول في صدامات مع السلطة، على الرغم من البداية القوية التي بدأ بها مجلسه عام 2016، عبر عقد جمعية عمومية حاشدة احتجاجاً على الاعتداء على طاقم مستشفى المطرية، شمال شرقي القاهرة، إلا أن تلك الاحتجاجات لم تفضِ إلى أي نتيجة.

ولعل الأزمة الأخيرة بوفاة طبيب الدقهلية رجائي وفائي في مركز شرطة جمصة بالدقهلية، شمالاً، كانت إحدى العوامل التي كشفت “حالة ضعف لدى نقابة الأطباء” بتعبير يسري الريس، وهو طبيب أطفال، رأى أن حسين خيري اجتهد وأخفق في تأدية دور النقيب الصلب إزاء السلطة.

موقف مجلس النقابة المحسوب على “تيار الاستقلال” في تلك القضية تمثل في إصدار بيانات ساخنة في واقعة طبيب الدقهلية، تضمنت بلاغاً إلى النائب العام للمطالبة بالتحقيق مع من تورطوا في تعذيب الطبيب المتوفى. وتضمنت بيانات المجلس تقارير عن مخالفات للمواثيق العالمية لحقوق الإنسان بحق الأطباء.

وجرى نشر التقارير على الصفحة الرسمية للنقابة، قبل تراجع الأخيرة وشطبها من صفحتها الرسمية. وبررت النقابة ذلك بالقول إن البلاغات التي تقدمت بها ضد ضباط شرطة قسم جمصة ليست على سبيل الإدانة لأنها ليست جهة تحقيق، بل دعوة لجهات التحقيق للتقصي في الاتهامات.

وخرج بيان جديد للمجلس للتبرؤ من البيان السابق بالقول إن المجلس تلقى شكاوى من زوجة الطبيب المتوفي، أفادت فيها بأن وفاة زوجها كان بسبب تأثره بالتعذيب في قسم شرطة جمصة. شطب بيان النقابة من على صفحتها على “فيسبوك” دفع عضو المجلس أحمد حسين لتقديم استقالته “بعد مقاومته ضغوطاً من جهات أمنية طالبت بحذف البيان”، بحسب ما تردد متزامناً مع الاستقالة.

عضو مجلس نقابة الأطباء المستقيل، أحمد حسين، برر استقالته بـ”رفض تدخل الأمن في قضايا نقابية بحتة تخص الأطباء ومصالحهم وسبل تعامل مؤسسات الدولة معهم”، مشيراً إلى أن استقالته “نهائية” وليس وارداً التراجع عنها في ضوء “الأوضاع السيئة التي تمر بها النقابة الأطباء بشكل خاص، ومجمل المشهد بشكل عام”. واستبعد في الوقت نفسه “أي تحسن للأوضاع في نقابة الأطباء خصوصاً والنقابات عموماً في ظل المشهد الحالي”.

وقال نقابي، تحفظ عن ذكر اسمه تجنباً للمضايقات الأمنية، إن “نقابة الأطباء وأعضاء المجلس اختاروا البعد عن الاشتباك مع القضايا التي قد تُغضب الأمن، منذ أزمة كورونا، وموقف أحمد حسين واستقالته هو موقف يُحترم، إذ كان اعتراضاً على التدخلات الأمنية في النقابة ودورها تجاه الأطباء”.

واعتبر أنه “من المؤسف أن يتحول دور نقابة الأطباء إلى مجرد المشاركة بأنشطة اجتماعية، واقتصار دور المجلس على تبادل التعازي في حالات الوفاة والتهاني في المناسبات السعيدة لأعضاء المجلس، بينما في القضايا الخلافية لا يتم الوصول إلى أي صيغة للتفاهم”.

وظهر الخلاف الأكبر داخل مجلس المهندسين حين جرى التصويت على إعادة تشكيل هيئة المكتب، بعد مطالبة النقيب طارق النبراوي باستبعاد الأمين العام يسري الديب والأمين العام المساعد أحمد صبري، اللذين رفضا ذلك متذرعين بأن الأغلبية داخل هيئة المكتب ومجلس النقابة ليست بيد النبراوي، وتنازعا الشرعية على إدارة النقابة مع النقيب بذريعة أن الأغلبية تؤيدهما.

الصراع في نقابة المهندسين

وجرت أخيراً واقعة مهمة في نقابة المهندسين، حين حاول النبرواي منع حبس ثلاثة مهندسين، اقتيدوا إلى قسم الشرطة بسبب بلاغ مقدم من الديب إلى مأمور قسم الأزبكية وسط القاهرة، يتهمهم فيه بالتجمهر أمام مسرح النقابة بمقر النقابة العامة في القاهرة، وطلب تكليف قوة من القسم للحضور إلى مقر النقابة واتخاذ اللازم قانونياً.

وبناء على تحرك النبراوي، قررت نيابة الأزبكية إخلاء سبيل المهندسين الثلاثة على ذمة التحقيق. ورسخت تلك الواقعة اعتقاد مهندسين بأن أمور النقابة في ظل المجلس الحالي ليست على ما يرام، لانتماء أعضائه إلى قائمتي مرشحين سابقين أحدهما كان مرشح السلطة، وهو وزير النقل والمواصلات السابق هاني ضاحي.

واقعة أخرى دالة، حدثت عقب منشور سطره النبراوي على صفحته على “فيسبوك”، يشير فيه إلى تلقيه “دعوة كريمة من مجلس النقابة بدمياط” لتناول طعام الإفطار بصحبة مهندسي المحافظة والتطرق إلى أوضاع المهندسين، ليرد عليه عضو مجلس النقابة أحمد نجيب بركات بالقول إن نقيب المهندسين لم يتلق أي دعوة رسمية من مجلس النقابة بدمياط، بل إن الأمر لا يعدو كونه دعوة شخصية من بعض أعضاء المجلس. وطالب النبراوي بعدم الزج بمجلس النقابة الفرعي بدمياط في أمر لا يخصه من قريب أو بعيد، وهو تصريح لافت حول كيفية شكل العلاقة بين أعضاء مجالس النقابة.

عضو في نقابة المهندسين، عثمان أحمد، رأى أن “الأوضاع تسير من سيئ إلى أسوأ”، مشيراً إلى أن عدم التجانس بين أعضاء المجلس “أثّر بالسلب على أداء النقابة وتراجعت خدماتها والفوائض المالية الخاصة بها، إذ تعرقل الأغلبية الموالية للسلطة جميع أعمال وتوجهات النقيب الحالي من تيار الاستقلال وتستند إلى أغلبيتها الكاسحة داخل مجلس النقابة وهيئة المكتب”.

وبرز الصراع بين النبراوي وبين الأعضاء من قائمتي أحمد وضاحي للعيان في اجتماع الجمعية العمومية الأخير في مارس الماضي، إذ شهدت الجمعية تجاذبات ومشادات بين المهندسين، ناجمة عن الخلافات الشديدة حول الميزانية، ما أدى إلى إعادة التصويت على الميزانية أكثر من مرة قبل إقرارها بشكل أثار الغضب.

حالة الصراع داخل نقابة المهندسين دفعت المئات من الأعضاء للجوء إلى القضاء لسحب الثقة من النقيب والمجلس. ورد عليها نحو 350 مهندساً بإقامة دعوى لسحب الثقة من مجلس النقابة كله، بشكل فتح الباب أمام سيناريوهات متعددة لحسم مصير النقابة في ظل استمرار الخلافات وعدم نجاح جهود تسويتها.

من جهته، أكد عضو المجلس الأعلى لنقابة المهندسين، محمد الواضح، أن نهاية الأزمات التي تمر بها النقابة مرتبط بالنبراوي ومدى قدرته على احترام قواعد الديمقراطية والأغلبية داخل مجلس النقابة واحتواء التباينات بين النقيب والأكثرية داخل المجلس.

ورجح الواضح أنه “في حال استمرار الخلافات والأزمات الحالية، فستتجه النقابة إلى سيناريوهات مختلفة، ومنها الدعوة لجمعية عمومية لسحب الثقة من نقيب المهندسين، أو سحب الثقة من المجلس في ضوء وجود دعوات لسحب الثقة من الطرفين”، نافياً في الوقت نفسه احتمالات قيام لجنة بإدارة النقابة باعتباره سيناريو غير وارد.

من جهته، دافع النبراوي عن أسلوبه في ادارة النقابة بشكل عام، تحديداً في أعمال الجمعية العمومية التي عُقدت في 6 مارس الماضي، مؤكداً ضرورة تنفيذ قرارات الجمعية، ومشدداً على “تصميمه على تنفيذ إرادة المهندسين المتمثلة في قرارات الجمعية العمومية، لأنها وجوبية ولا نقاش فيها”.

وقال النبراوي في تصريحات صحافية: “يتوجب علينا كمنتخبين احترام إرادة مهندسي الجمعية العمومية، وكل من يعطل تنفيذ هذه القرارات أياً كان منصبه هو آثم في حق النقابة ويُعطل العمل فيها”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here