أفريقيا برس – مصر. شهد شارع الخزان، أحد الشوارع الحيوية في مدينة العريش في شمال شرقي سيناء في مصر، الثلاثاء الماضي، تبادلاً كثيفاً لإطلاق النار بين مسلحين يستقلون سيارات دفع رباعي، ما أدى إلى إصابة عدد من المواطنين، واختطاف آخر، وسط غياب أمني لافت، وانسحاب الجناة من المدينة من دون اعتراض. وأثار هذا الحادث غير المسبوق منذ سنوات حالة من الذعر في أوساط الأهالي، وطرح تساؤلات ملحة حول قدرة الأجهزة الأمنية على الحفاظ على الاستقرار الذي تحقق بصعوبة بالغة في محافظة دفعت ثمناً باهظاً لمواجهة الإرهاب تحديداً تنظيم داعش، سواء من المدنيين أو من القوات المسلحة والشرطة؟
اشتباك العريش
في السياق، وصف الناشط السياسي زهدي جواد، هذه التطورات بأنها “مروعة”، قائلاً إن المشاهد التي شهدتها مدينة العريش أخيراً “أفزعت أهالي المدينة كافة”، مضيفاً: “أن تعود السيارات المحمّلة بالمسلحين، الذين يطلقون النار بشكل عشوائي في كل مكان ويصيبون ويختطفون المواطنين في وضح النهار، فهذا أمر لم نكد ننساه بعد، حتى يعود مجدداً إلى أرض سيناء. لقد دفع الشعب هنا ثمناً باهظاً للفلتان الأمني والإرهاب على مدار أكثر من عشر سنوات”. وأضاف جواد أن هذه التطورات الخطيرة دفعت المواطنين إلى الخروج في تظاهرات ووقفات احتجاجية بمناطق مختلفة من العريش للمطالبة بفرض الأمن، ومعاقبة كل من يحمل السلاح خارج إطار الدولة، ورفع الغطاء القبلي عنهم. وأشار إلى أن المركبات التي استُخدمت في الحادثة “ليست من النوع الذي يسمح للمواطنين العاديين باستخدامه”، بل غالباً ما تُستخدم من جانب أفراد ينتمون إلى قبائل وعائلات لها علاقات وثيقة بقوات الجيش والأمن، لافتاً إلى أن بعض هؤلاء الأفراد هم ضمن “اتحاد قبائل سيناء” الذي يقوده رجل الأعمال إبراهيم العرجاني.
من جانبه، شدد أبو سلمان السواركة، أحد كبار شيوخ شمال سيناء، على خطورة ما جرى، قائلاً إن حالة الأمن والاستقرار التي تعيشها سيناء “دُفع ثمنها الباهظ من دماء المصريين، سواء من أبناء المحافظة أو من أفراد الجيش والشرطة الذين ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن هذه الأرض”. وشدد على أنه “من غير المقبول إطلاقاً أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، بظهور مشاهد السلاح والترهيب وإطلاق النار وعمليات الاختطاف في وضح النهار، كما حدث أخيراً في العريش”.
وأكد السواركة أن الحفاظ على ما تحقق من أمن يتطلب “ردعاً حاسماً لمرتكبي حادثة العريش، ورفع الغطاء القبلي عنهم من العائلات التي ينتمون إليها، وجعلهم عبرة لكل من تسوّل له نفسه استخدام السلاح لبث الرعب في نفوس المواطنين الآمنين في منازلهم وأرزاقهم”. ولفت إلى أن سيناء عانت طويلاً من ويلات الإرهاب، وأن كل بيت في المحافظة دفع ثمناً مؤلماً في تلك الحرب “ولن يقبل أحد بعودة هذا الكابوس من جديد”.
بدوره، اعتبر الخبير الأمني حاتم صابر، أن الأجهزة الأمنية المصرية أكدت أن الحادث الفردي الذي شهدته مدينة العريش لا يُمثل تهديداً للحالة الأمنية المستقرة في شمال سيناء، التي تشهد منذ سنوات حالة من السيطرة الكاملة، ونجاحات متتالية في مكافحة الإرهاب وضبط السلاح غير المرخص. وأضاف أن الأجهزة المعنية تعاملت بشكل فوري وحاسم مع الموقف، ويجري حالياً استكمال الإجراءات الأمنية والقانونية لضبط المتورطين، وذلك بالتنسيق الكامل بين مختلف جهات الدولة. وشدّد صابر على أن الدولة المصرية تعتبر أمن سيناء خطاً أحمر، ولن تسمح بأي محاولة للعبث بالسلاح أو زعزعة الاستقرار، مؤكداً أن أي تجاوز سيُواجه بقوة القانون، وبحزم لا يعرف التهاون. ودعا المواطنين إلى مواصلة التعاون مع الأجهزة الأمنية، عبر الإبلاغ الفوري عن أي عناصر مشبوهة، مشيراً إلى أن الدولة تطمئنهم بأن الوضع تحت السيطرة الكاملة، وأن التنمية والأمن يسيران جنباً إلى جنب، ولا تراجع عن هذا المسار.
منظومة أمنية حاضرة
وأوضح صابر أن الأجهزة الأمنية تتعامل مع مثل هذه الحوادث والظواهر الأمنية وفق منظومة متكاملة تشمل عدة إجراءات رئيسية. أولها الرصد الاستخباراتي المبكر، بالتنسيق بين الأمن الوطني والمخابرات العامة والمخابرات الحربية، وفحص دقيق لبلاغات المواطنين. ثانياً، تنفيذ ضربات استباقية لأي عناصر أو خلايا مشتبه بها قبل تحركها على الأرض. وثالثًا، تنفيذ حملات يومية لضبط السلاح غير المرخص عبر مداهمة أوكار التخزين والتهريب، خصوصاً في المناطق الحدودية والظهير الصحراوي. رابعاً، توجد سيطرة ميدانية كاملة، من خلال انتشار نقاط تفتيش ثابتة، ودوريات راجلة ومتحركة، إلى جانب استخدام طائرات استطلاع من دون طيار في المناطق المفتوحة، مع إمكانية دعم قوات الشرطة بوحدات قتالية من الجيش عند الضرورة. أما الإجراء الخامس، فيتعلق بالرد الفوري على أي محاولة عنف أو اشتباك، حيث يتم التعامل مع الموقف بالقوة اللازمة، وفتح تحقيقات قانونية مباشرة، ومحاسبة المتورطين دون أي تهاون في تنفيذ القانون. وختم صابر بالقول إن “التعامل مع أي تهديد أمني في سيناء يتم بمنتهى الجدية والسرعة، بما يحفظ أمن المواطنين ويمنع تكرار سيناريو الفوضى الذي طوته سيناء خلفها ولن تسمح بعودته”.
ورغم ما أُثير حول دور بعض أفراد اتحاد قبائل سيناء في الحادثة، فإن الاتهامات لا تزال في إطار الشبهات والتحليلات الشعبية، من دون أدلة رسمية واضحة. ويُعرف الاتحاد الذي يقوده رجل الأعمال إبراهيم العرجاني بأنه كيان قبلي موالٍ للدولة، وشارك خلال السنوات الماضية في دعم القوات المسلحة في الحرب ضد تنظيم داعش وتوفير الغطاء الاجتماعي للعمليات الأمنية. غير أن مراقبين يرون أن التوازن بين الدعم القبلي للدولة وضبط انتشار السلاح في أيدي بعض العناصر غير المنضبطة داخل هذا التحالف، أصبح ضرورياً، لا سيما في ظل تصاعد مظاهر التسلح الفردي والاحتكاك بين العائلات على خلفيات ثأرية أو اقتصادية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس