الاضطرابات النفسية تعصف بالسجناء السياسيين في مصر

6
الاضطرابات النفسية تعصف بالسجناء السياسيين في مصر
الاضطرابات النفسية تعصف بالسجناء السياسيين في مصر

أفريقيا برس – مصر. أفادت منظمة “جوار” الحقوقية في مصر بوفاة السجين السياسي المصري، الشاب مصطفى محمد أبو الوفا، بعد معاناة ثقيلة من تبعات المرض النفسي وظروف الحبس المزرية، وذلك بانتحاره بتناول حبوب سامة. وفقاً لبيان للمنظمة، أمس الأربعاء، “فقد كان أبو الوفا، 27 عاماً، قد ألقي عليه القبض من منزله في 15 مايو/ أيار 2023، واقتيد إلى جهة غير معلومة واستمر الإخفاء القسري بحقه لمدة 37 يوماً قبل أن يظهر على ذمة القضية 8852 لسنة 2023 بتهمة الانتماء إلى تنظيم داعش، رغم عدم وجود أي سوابق جنائية أو أدلة حقيقية تدعم هذه الاتهامات”.

خلال فترة احتجازه، تعرض أبو الوفا للتعذيب وسوء المعاملة، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية والنفسية، خصوصاً أنه كان يعاني سابقاً من نوبات صرع وانفصام كلي في الشخصية واضطرابات جسدية ونفسية، وفقاً لما أكده محاموه وجهات التحقيق بعد عرضه على الطب النفسي، ورغم ذلك لم يُفرَج عنه، ليقضي 19 شهراً في السجن وسط معاناة مضاعفة. وتابعت المنظمة: “منذ خروجه، وجد أبو الوفا نفسه في وضع مأساوي؛ إذ ضاع مصدر رزقه وتراكمت عليه الديون، ما دفعه إلى الابتعاد عن منزله هرباً من الدائنين. وفي ظل هذه الظروف القاسية، أقدم على الانتحار، تاركاً وراءه رسالة مصورة حمّل فيها مسؤولية ما حدث له لمن ظلموه ودمروا حياته”.

على الرغم من المطالبات الحقوقية المستمرة بضرورة تحسين أوضاع السجناء في مصر داخل أماكن الاحتجاز، لا يزال تدهور الصحة النفسية للسجناء أمراً شائعاً إلى الحد الذي يدفع المحتجزين إلى محاولات إنهاء حياتهم للتخلص من الأوضاع القاسية وغير الآدمية داخل السجون. وسبق أن وثقت العديد من المنظمات الحقوقية عدداً من الحالات لسجناء في مصر سعوا لإنهاء حياتهم داخل أماكن الاحتجاز خلال السنوات الماضية، منها حالة عمر عادل الذي أنهى حياته بعد التعسف ضده واحتجازه في زنزانة التأديب، وحالة أسامة مراد الذي حاول إنهاء حياته من طريق ذبح نفسه بعد تعرّضه للضرب والإهانة من قبل الضباط القائمين على احتجازه.

وأعادت وفاة أبو الوفا حالة من الحزن والغضب، ودفعت مجدداً العديد من التساؤلات عن الظروف القاسية التي يعيشها السجناء السياسيون في مصر في الحبس وما بعده، ومدى تأثيرها بصحتهم وحياتهم. هذه التساؤلات حاولت مبادرة “لا تسقط بالتقادم” التابعة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، اليوم الخميس، أن تجيب عنها من خلال توصلها إلى أنّ “النيابة العامة، التي يُفترض أن تكون درع العدالة وحامية حقوق الأفراد، أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الإهمال الذي يعاني منه السجناء والسجينات المصابون باضطرابات نفسية”.

“الصمت القاتل” في سجون مصر

وفي تقرير لها بعنوان “الصمت القاتل تجاه الاضطرابات النفسية في السجون”، أشارت المبادرة، أمس الأربعاء، إلى أنه “بدلاً من اتخاذ خطوات حقيقية لحماية هؤلاء الأفراد -من يعانون من اضطرابات نفسية- وتقديم الرعاية النفسية والصحية لهم، تتغاضى النيابة عن التقارير الطبية وتستمر في احتجازهم في بيئات غير ملائمة. وفي ظل هذا التجاهل، تزداد حالات الانتحار بين السجناء والسجينات، ومع ذلك تكتفي النيابة بالصمت أو باتخاذ إجراءات سطحية لا تعالج أصل المشكلة”.

كذلك، أشار التقرير إلى أن “النيابة العامة تسهم مباشرةً في استمرار هذا النظام اللاإنساني، إذ يبقى السجناء والسجينات يعانون من اضطرابات نفسية حادة خلف القضبان دون تلقي العناية اللازمة. وهذا الإهمال ليس مجرد خطأ في الإجراءات، بل هو انتهاك صريح لحقوق الإنسان وتواطؤ في جرائم نفسية ترتكب ضد السجناء والسجينات. ومن المؤسف أن النيابة تُدير ظهرها لمن هم في أمسّ الحاجة لحمايتها”.

التقرير نفسه أوضح أن “النيابة العامة، بدلًا من أن تكون حائط صد ضد الانتهاكات، تلعب دورًا في شرعنة تلك الانتهاكات من خلال التخاذل المتعمد في حماية السجناء والسجينات الذين يعانون من اضطرابات نفسية. بتجاهلها الشكاوى المتكررة حول معاناة السجناء وغض النظر عن التقارير الطبية التي تُظهر خطورة الوضع. بينما يجب أن يكون دور النيابة هو التدخل الفوري لضمان حقوق السجناء وتوفير الرعاية النفسية”.

وإلى جانب تجاهل الشكاوى، “تعمد النيابة العامة في مصر إلى رفض أو تأخير طلبات الفحص الطبي التي قد تُثبت تعرّض المعتقلين للتعذيب. وفي حالات كثيرة، تُقدَّم طلبات عاجلة لإجراء فحوصات طبية للمعتقلين، لكن النيابة تماطل في الاستجابة، ما يزيد من معاناة الضحايا. مع أن هذا التأخير لا يعزز فقط آلام الضحايا، بل يُعتبر مشاركة غير مباشرة في استمرار التعذيب، حيث تُترك آثار التعذيب دون معالجة أو محاسبة المسؤولين عنها”، بحسب التقرير الذي لفت إلى أنه من جهة أخرى، “تتعاون الأجهزة الأمنية مع النيابة العامة بتقديم روايات معدة مسبقًا حول ظروف الاعتقال والاحتجاز، وغالبًا ما تكون هذه الروايات ملفقة أو معدلة للتستر على التعذيب”.

كذلك أشار التقرير إلى أن “النيابة العامة بدورها تقبل هذه الروايات دون تحقيق جدي، ما يضعها في موقف المتواطئ مع الأجهزة التي يُفترض أن تُخضعها للمساءلة. وأن هذه العلاقة التكاملية بين النيابة والأجهزة الأمنية تُقوض ثقة المواطنين في النظام القضائي وتُعزز ثقافة الإفلات من العقاب؛ ما يزيد من خطورة الوضع، أن النيابة العامة أصبحت جزءاً من نظام أوسع قائم على القمع والإفلات من العقاب. بل إن هذا النظام يجعل من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، أن تتخذ النيابة موقفاً مستقلاً في مواجهة هذه الأجهزة. لذا، إن المسؤولية المزدوجة بين النيابة العامة والأجهزة الأمنية تتطلب وقفة جادة من المجتمع المدني والمنظمات الدولية، والضغط المستمر لضمان استقلالية النيابة وإصلاح النظام القضائي بما يضمن تحقيق العدالة وإنهاء الانتهاكات”.

كذلك، سبق أن حذرت منظمة “بلادي جزيرة الإنسانية”، من معاناة سجينات من مرض “اضطراب ما بعد الصدمة” داخل السّجون المصرية، في تقرير حملة لها بعنوان “أرواح سجينات في خطر”. ورصدت “بلادي” ما يزيد على 32 سجينة سياسيّة مريضة داخل السّجن، بما يقرب من 24 مرضاً أو مشكلة صحيّة، وسط ظروف احتجاز سيئة، ورعاية صحيّة متردية. مشيرة إلى أن من أخطر الأمراض الّتي تواجه السّجينات داخل السّجن، مرض “اضطراب ما بعد الصدمة” وهو عبارة عن مجموعة أعراض نفسية تحدث بعد التعرض لحدث صادم كان فيه خطر موت أو خطر على الصحة العقلية. مثل: الحروب، الحوادث، السجن، الاعتداءات، التعذيب أو الكوارث الطبيعية”.

وأفاد التقرير بأنه “على الرغم من تنوع أعراض المرض ومضاعفاته، وخطورته على السجينة أو المحتجزة، وافتقار الرعاية الصحية بخصوصه من قبل السلطات المختصة، وعدم الالتفات إلى كونه مرضاً يهدد صحة المريض النّفسيّة؛ تعاني سيدتان داخل السجن من مرض اضطراب ما بعد الصدمة، وتعاني الكثيرات منه بعد خروجهن من دائرة السجن والحبس”.

كذلك، سبق أن حذرت حملة “أرواح سجينات في خطر”، من معاناة سجينات مع مرض الاكتئاب، داخل السّجون المصرية. وشددت الحملة على أنّ “الاكتئاب من أخطر الأمراض الّتي تواجه السّجينات داخل السّجن، وهو عبارة عن اضطراب في المزاج، يحدث على شكل نوبات، كذلك له ألوان كثيرة، وأعراض متفاوتة تختلف من شخص لآخر، وتتعدد أسباب الاكتئاب، فقد تكون وراثية، أو خللاً في النظام الذى يحتوي على غدد وهرمونات المسؤولة على إحساس بالفرحة والنشوة)، أو صدمات نفسية، استهلاك مخدرات، فقدان أشخاص أو أشياء ذات قيمة نفسية، أو المرور بتجارب صادمة مثل تجربة السجن. وعلى الرغم من خطورته وإهمال الرعاية الصحية بخصوصه من قبل السلطات المختصة، وعدم الالتفات إلى محاولة انتشال السجينات المريضات به من أعراضه ومضاعفاته الّتي تهدد صحة المريض النّفسيّة، تعاني سيدات داخل السجون من مرض الاكتئاب”.

اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here