أفريقيا برس – مصر. تشهد مفاوضات القاهرة وسيول حول الطائرة الكورية الجنوبية الخفيفة FA-50 (المنافسة للمقاتلة الأميركية F-16) تقدّمًا ملحوظًا، وسط تأكيد من مصادر كورية ومصرية متطابقة أن مصر باتت من أكبر الأسواق المرشحة للحصول على النسخة الأحدث من المقاتلة، والتي تخضع حاليًا لبرنامج تطوير واسع يشمل إنتاج نسخة أحادية المقاعد ذات قدرات قتالية ومدى أكبر، مع توجه لنقل جزء من خطوط الإنتاج إلى مصنع الطائرات بحلوان.
وبحسب البيانات والتقارير الرسمية الصادرة في كوريا الجنوبية، تعمل شركة KAI ووزارة التجارة والصناعة والطاقة الكورية على تطوير نسخة أحادية المقاعد من الطائرة FA-50 على أن يكتمل تصنيع النموذج الأولي في عام 2026، قبل أن يبدأ أول طيران تجريبي في 2027، مع التخطيط للانتهاء من دورة التطوير والاعتماد الفني في عام 2028. وتُعرف هذه النسخة داخل البرنامج الكوري باسم Block 30 أو F-50 في بعض الوثائق الفنية.
وتُعد النسخة الجديدة تطويرًا هيكليًا وإلكترونيًا كبيرًا على الإصدار الثنائي القياسي، إذ يُستبدل المقعد الخلفي بخزان وقود إضافي بسعة تصل إلى 300 غالون، ما يرفع مدى الطائرة بنسبة تتراوح بين 20% و30% مقارنة بالنسخة الحالية، وهي زيادة تتوافق مع احتياجات الدول الباحثة عن مقاتلة خفيفة ذات مدى موسع وقدرات متعددة المهام.
80% من قدرات F-16.. بتكلفة أقل
وتوضح المصادر الكورية أن عملية تطوير النسخة الأحادية جاءت استجابةً لطلب عدد من الدول، بينها مصر وبولندا، خصوصًا في فئة الطائرات الخفيفة التي تقدم أداءً قريبًا من المقاتلات المتوسطة. وتقدّر شركة KAI أن النسخة الجديدة ستحتفظ بـ80% من خصائص وقدرات المقاتلة الأميركية F-16، ولكن مع تكاليف تشغيل وصيانة أقل بكثير، وهو ما يجعلها خيارًا اقتصاديًا للدول التي ترغب في تحديث أسطولها الجوي دون عبء مالي كبير.
وتشمل النسخة المطورة، وفق ما أعلنته وزارة الصناعة الكورية، مجموعة من التحسينات تشمل دمج رادار AESA من الجيل الجديد، ونظام AGCAS لتفادي الاصطدام بالأرض، وحزم تسليحية أكثر تنوعًا تشمل الذخائر الموجهة JDAM وصواريخ جو-جو قصيرة ومتوسطة المدى، وحاويات تهديف متقدمة، ما يضع الطائرة في فئة أعلى من نسخها السابقة.
وفي إبريل/ نيسان الماضي، نقلت عدة وسائل إعلام كورية رسمية عن السفير المصري في سيول تأكيدًا بأن مصر تجري مفاوضات متقدمة لشراء 36 طائرة FA-50 مصنعة بالكامل في كوريا الجنوبية، ضمن صفقة أوسع قد تصل إلى 100 طائرة على مراحل.
وتشير المصادر إلى أن الاتفاق يشمل جانبًا صناعيًا مهمًا، يتمثل في نقل التكنولوجيا والتجميع المشترك داخل مصر، وتحديدًا في مصنع الطائرات بحلوان التابع للهيئة العربية للتصنيع، في إطار برنامج تصنيع محلي أوسع كانت القاهرة قد بدأت التخطيط له منذ معرض EDEX 2023. وتوضح التقارير أن الجزء الأكبر من العدد المتبقي -بعد استلام الدفعة الأولى- سيجرى تجميعه داخل مصر، وهو ما يعزز دخول القاهرة إلى سوق إنتاج الطائرات التدريبية والقتالية الخفيفة.
وتسعى مصر إلى تحديث أسطولها من الطائرات الخفيفة واستبدال بعض الطرازات القديمة، مع الحصول على منصة قادرة على العمل في مهام الدفاع الجوي الخفيف، والدعم الأرضي، ومهام التدريب المتقدم. وتمنح النسخة الجديدة من FA-50، بمدى أطول وإلكترونيات طيران أكثر تقدمًا، القاهرة فرصة لتعزيز قدراتها الجوية بتكلفة تشغيلية منخفضة مقارنة بالطائرات المتوسطة والثقيلة.
كما أن نقل جزء من التصنيع إلى مصر يمنح القاهرة قدرة أكبر على إدارة أسطول كبير من الطائرات مع توفير قطع الغيار محليًا، وفتح نافذة مستقبلية لتصدير نسخ مجمعة أو مصنعة في حلوان إلى أسواق أفريقية وعربية، وهو ما تراه كوريا الجنوبية إحدى أهم مزايا التعاون مع القاهرة.
ورغم أن الإعلان الرسمي عن الصفقة لم يصدر بعد من وزارتي الدفاع المصرية أو الكورية، إلا أن التطابق الواضح بين المصادر الكورية والمصرية خلال الأشهر الماضية والمحادثات المكثفة بين الجانبين تشير إلى أن صفقة FA-50 باتت في مراحلها النهائية، وأن القاهرة تستعد للانضمام إلى الدول التي تعاقدت بالفعل على هذا النوع من الطائرات، مع خصوصية إضافية في حال شروع مصنع حلوان في إنتاج أجزائها محليًا.
وتبدو صفقة طائرات FA-50 الكورية، في ضوء زيارة الرئيس الكوري لي جاي ميونغ إلى القاهرة ومباحثاته مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخميس الماضي، أبعد بكثير من كونها مجرد عقد تسليح جديد؛ فهي، بحسب مراقبين، تعبر عن إعادة هندسة تدريجية لعلاقات مصر العسكرية والصناعية، وعن دخول لاعب آسيوي ثقيل إلى معادلة تسليح القاهرة في لحظة إقليمية شديدة الحساسية ترتبط بغزة وبإعادة تشكيل خرائط النفوذ في الشرق الأوسط.
وتشير البيانات الصادرة عن سيول والقاهرة إلى أن مباحثات الزعيمين تضمنت نقاشًا مباشرًا حول توسعة الشراكة الدفاعية، التي بدأت ببرنامج إنتاج المدفعية الكورية ذاتية الحركة K9 داخل مصر، وتواصلت مع ملف الطائرة FA-50، التي تخطط كوريا الجنوبية لإنتاج نسخة أحادية المقاعد مطورة منها بمدى عملياتي أكبر وقدرات إلكترونيات طيران وتسليح أكثر تطورًا. وتكتسب هذه الصفقة أهميتها بالنسبة للقاهرة لكون النسخة الجديدة من الطائرة تحتفظ بنحو 80% من قدرات مقاتلة F-16، لكن بكلفة تشغيل وصيانة أقل، ما يمنح سلاح الجو المصري قدرة إضافية على سد فجوات لوجستية وقتالية، وتحديث طبقة الطيران الخفيف والتدريب المتقدم، دون اللجوء إلى صفقات مقاتلات ثقيلة مرتفعة التكاليف. ومن شأن دمج هذه الطائرة في الخدمة أن يسمح بتخفيف الضغط عن مقاتلات الصف الأول، وتحسين توزيع المهام العملياتية على أسطول أكثر تنوعًا.
وإلى جانب الجوانب الفنية، يبرز البعد الاستراتيجي المتمثل في نقل التكنولوجيا والتجميع المحلي داخل مصنع الطائرات في حلوان، وهو ما أكدته مصادر كورية رسمية أشارت إلى أن الدفعة الأولى، المقدرة بـ36 طائرة، ستُصنع في كوريا الجنوبية، فيما يجرى تجميع العدد الأكبر داخل مصر في إطار اتفاق شامل بين الهيئة العربية للتصنيع وشركة KAI الكورية. ويمثل هذا التوجه خطوة عملية لإعادة إحياء القدرات التصنيعية للطائرات في مصر، وفتح الباب أمام تحول القاهرة إلى مركز إقليمي لإنتاج الطائرات الخفيفة وتصديرها إلى دول الشرق الأوسط وأفريقيا.
ويتسق هذا التوجه مع سياسة مصر المتواصلة لتنويع مصادر التسليح، والتقليل من الاعتماد على طرف واحد، واستقدام التكنولوجيا من شركاء قادرين على تقديم حلول عسكرية حديثة دون قيود سياسية معقدة. وفي الوقت نفسه، تمنح الصفقة كوريا الجنوبية موطئ قدم صناعيًا واستراتيجيًا في شمال أفريقيا، متكئة على حزمة تعاون أوسع تشمل اتفاق شراكة اقتصادية شاملة “CEPA”، والتعاون في الذكاء الاصطناعي، والتعليم التكنولوجي، وتوطين صناعات السيارات والسفن والبتروكيماويات.
وإذا ما جرى الإعلان الرسمي عن صفقة FA-50 خلال الفترة المقبلة، فإنها ستكون من أكبر صفقات الطيران العسكري لمصر خلال العقود الأخيرة، وستجسد انتقال القاهرة من مرحلة الشراكة التقليدية مع الموردين الغربيين والشرقيين إلى مرحلة بناء تحالف صناعي- عسكري طويل الأمد مع كوريا الجنوبية، في لحظة تتشابك فيها الحسابات الأمنية والسياسية في المنطقة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس





