انتحارٌ يهزّ الوسط الصحافي في مصر

5
انتحارٌ يهزّ الوسط الصحافي في مصر
انتحارٌ يهزّ الوسط الصحافي في مصر

أفريقيا برس – مصر. فجر الخميس، أقدم الصحافي المصري في “الأهرام” عماد الفقي على الانتحار داخل مكتبه في الطابق الرابع من مبنى الصحيفة المطل على شارع الجلاء، وسط القاهرة، وذلك بشنق نفسه، ما أسفر عن فصل رأسه عن جسده، والعثور عليه من قبل أحد العمال في كنيسة القديسين قسطنطين وهيلانة المجاورة.

وقال مصدر مطلع لـ”العربي الجديد”، إن الفقي كان مسؤولاً عن الملف القضائي في قسم الأخبار في صحيفة الأهرام اليومية، وهو في الـ56 من العمر، وكان بشوشاً يحب المزاح، ويرتبط بعلاقات جيدة مع زملائه، غير أنه عانى من ضائقة مادية أخيراً، بسبب تراكم المسؤوليات المالية على كاهله بفعل التضخم، وزواجه من اثنتين.

وأضاف المصدر أن الواقعة حدثت في تمام الساعة الرابعة و50 دقيقة فجراً. وعثر العامل على رأس الصحافي مُلقى قرب الكنيسة. وتبين لاحقاً أنه شنق نفسه بحبل في شباك مكتبه، وترتب على ذلك فصل جسده عن رأسه، ووقوعه على الأرض مع ثقل جسمه، في شارع ضيق بين مبنيي الصحيفة المتجاورين.

وأمرت النيابة العامة المصرية بنقل الجثمان إلى مشرحة زينهم للعرض على مصلحة الطب الشرعي، واستدعاء بعض شهود العيان في مؤسسة الأهرام الصحافية، وتفريغ كاميرات المراقبة، مع أخذ أقوال زوجتَي الصحافي الراحل للسؤال عن حالته النفسية خلال الفترة الأخيرة، في إطار كشف ملابسات الحادث.

ووفقاً لتحريات الشرطة، أفاد شهود عيان بأنهم سمعوا صوتاً لارتطام جسم ثقيل بالأرض في الساعات الأولى من الصباح، ليكتشفوا رحيل زميلهم بتلك الطريقة، نافين وجود خلافات معلنة بينه وبين أحد من زملائه، أو مع رئيس تحريرها الصحافي المقرب من النظام الحاكم علاء ثابت.

لكن عدداً من الصحافيين المصريين حمّلوا علاء ثابت المسؤولية عن انتحار الفقي الذي قالوا إنه تعرّض لاضطهاد ممنهج منه، في وقت كان فيه بحاجة ماسة إلى المال لسداد مصاريف نجله الذي يدرس في جامعة خاصة.

وتساءل الصحافي عادل خشبة عبر حسابه في موقع فيسبوك: “ماذا رأى الزميل في الأهرام من ضغوط لكي يصل به الأمر إلى شنق نفسه بحبل أعمال الصيانة لزجاج المبنى، ويختار الانتحار من مكان عمله ومكتبه، حتى سقط بقوة لينفصل الرأس عن الجسد؟ معلوماتي أنه صحافي شاطر، وراتبه بسيط، وتعرض لاضطهاد في عمله، وتأخرت ترقيته”. وأضاف خشبة: “على مجلس النقابة مناقشة أحوال الصحافيين، وحال المهنة، ومعاناة الزملاء في ظل الظروف المادية التي تنال منهم. أرجو من النقيب ومجلس النقابة النظر إلى حال المهنة، وما يُهدد صاحبة الجلالة من ضغوط. الدماء التي تناثرت تستحق وقفة ودراسة، أو إقالة لمن لا يهتم بالمهنة”.

وقال الصحافي أمين خير الله: “الظروف المهنية والمعيشية الصعبة أجبرت الزميل على الانتحار شنقاً. والزميل محمود كامل أكد أن ما حدث له بسبب اضطهاد رئيس التحرير الذي منع ترقيته، وحرمه من صرف أجزاء من مستحقاته، ومارس ضده كل أشكال الظلم، ولم يجد الضحية من ينصره”. وأضاف خير الله: “الغريب في الأمر أن رئيس تحرير الأهرام كان عضواً في مجلس نقابة الصحافيين لعدة سنوات، وكان دوره الأساسي الدفاع عن زملائه المظلومين. فكيف له أن يكون قاسياً على ابن مؤسسته لهذه الدرجة؟ لا ننسى أيضاً أن نقيب الصحافيين ضياء رشوان هو ابن المؤسسة العريقة نفسها، فكيف له أن يرى كل هذا الظلم، ولا يتدخل لنصرة زميله الذي انتحر يائساً من حياته”.

من جهة ثانية، قال عضو مجلس نقابة الصحافيين محمود كامل: “كل الزملاء في الأهرام الذين عاشروا الزميل الراحل عماد الفقي يعرفون جيداً أنه تعرّض لاضطهاد واضح وصريح وممنهج من رئيس تحرير الأهرام في آخر 4 سنوات. اضطهاد وصل إلى حسم كل الحوافز والأرباح على مدى هذه السنوات، ومنعه من ممارسة عمله الصحافي بشكل غير رسمي، ومن دون أسباب أو تعليمات، بالإضافة إلى تجاوزه عدة مرات في ترقيته لرئاسة قسم الأخبار في الصحيفة”. وأضاف كامل: “الراحل اختار أن يوجه رسالة من مكان رحيله لكل رئيس تحرير ظالم، ولرئيس الهيئة الوطنية للصحافة، وأعضاء الهيئة، ولنقيب الصحافيين، وأعضاء مجلس النقابة، ولكل قيادة صحافية تمارس الاضطهاد، وتقهر الرجال”.

في المقابل، رد علاء ثابت قائلاً: “مع كل الدعاء بالرحمة والمغفرة للزميل العزيز الراحل عماد الفقي… يؤسفني أن أشارك مضطراً وآسفاً ومتألماً في جدل عقيم، ليس هذا وقته أو مجاله، لتصحيح معلومات كاذبة هي استغلال كريه لمشاعر التعاطف، والحب الجارف الذي تدفق من محبيه بعد مأساة رحيله المؤلمة”. وأضاف ثابت عبر حسابه في “فيسبوك”: “أؤكد جازماً قاطعاً أن كل ما نشره الزميل محمود كامل، عضو مجلس نقابة الصحافيين، هو كذب محض، وافتراء من وحي خيال مريض يسعى لتحقيق أغراض غامضة غير مفهومة، عبر الاتجار بمأساة الزميل الراحل. فلم يحدث إطلاقاً ــ وبيننا سجلات مؤسسة الأهرام والهيئة الوطنية للصحافة ــ أنني حسمت أياً من الحوافز أو الأرباح للزميل المتوفى منذ عام 2017 حتى الآن”.

واتهم ثابت كامل بـ”الكذب المتعمد، ومخالفة الأعراف والأصول، وميثاق الشرف المهني”، وقال: “الزميل الراحل ليس له أي شكاوى في سجلات الأهرام أو النقابة أو مجالس الإعلام. وسأتقدم ببلاغ رسمي ضد الزميل الكاذب المتاجر بآلام الزملاء للنيابة العامة، وبشكوى رسمية موثقة للهيئة الوطنية للصحافة، وكذا شكوى نقابية إلى نقابة الصحافيين”.

وعلاء ثابت، كغيره من رؤساء تحرير الصحف القومية في مصر، زُكّي في المنصب الذي يشغله منذ مايو/ أيار 2017 بإيعاز من أجهزة الأمن التي لطالما تعاون معها في أثناء شغله عضوية مجلس نقابة الصحافيين بين عامي 2007 و2015، وكوفئ على ذلك بتوليه منصب رئيس تحرير “الأهرام المسائي” عام 2011، بعد أن كان مندوباً صحافياً للصحيفة لدى وزارة التعليم العالي.

بعد تصريحات ثابت، أصدر كامل بياناً رسمياً، بصفته عضواً في مجلس نقابة الصحافيين، بشأن ما بدر من رئيس تحرير”الأهرام” من عبارات وألفاظ “تمثل سباً وقذفاً في حقه” حول ما أثاره من حديث حول وقائع اضطهاد وتعسف ضد الفقي قد تكون سبباً في انتحاره، وفق ما تواتر من شهادات وأقوال لزملائه وأصدقائه.

وأعلن كامل أنه “بصدد اتخاذ كل الإجراءات القانونية تجاه ما بدر من رئيس تحرير الأهرام الذي رد على ما تواتر من شهادات وأقوال تخص حالة زميلنا الراحل بعبارات سب وقذف صريحة”، وطالب رئيس مجلس إدارة “الأهرام” عبد المحسن سلامة بـ “التحفظ على كافة الأوراق الوظيفية الخاصة بالملف الوظيفي لزميلنا الراحل عماد الفقي، وكذلك ملف الحقوق المالية له طوال السنوات الماضية حفاظاً عليها حتى تكون تحت تصرف النيابة العامة في حالة طلبها”، ودعا “كل من لديه معلومات حول زميلنا الراحل وحالته النفسية والصحية إلى إيضاحها وتقديمها للنيابة العامة، للمساعدة في فهم ما حدث والوقوف على الأسباب الحقيقية للوفاة”.

وأمام هذه الاتهامات المتبادلة، أعلنت نقابة الصحافيين المصريين، صباح الجمعة، “متابعتها عن كثب مع مؤسسة الأهرام ما ستنتهي إليه نتائج التحقيقات” في موت الفقي. ودعت النقابة الجميع “لاحترام حرمة الموت، وحق الراحل وأسرته في تجنب طرح تأويلات للحادثة وأسبابها من دون تحقق وثبوت بالأدلة، وانتظار نتيجة تحقيقات النيابة العامة التي تباشر مهامها، صاحبة الحق دون غيرها في توصيف الواقعة، وكشف ملابساتها وأسبابها”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here