بطء آلية العلاج في الخارج يقتل المئات من جرحى غزة

5
بطء آلية العلاج في الخارج يقتل المئات من جرحى غزة
بطء آلية العلاج في الخارج يقتل المئات من جرحى غزة

أفريقيا برس – مصر. ينتظر أحمد أبو عيادة، منذ أكثر من أسبوع، أن يتلقى موافقة على تحويله عبر معبر رفح إلى مصر، أو دولة أخرى، من أجل تلقي علاج عاجل حتى يستطيع الوقوف على قدميه مجدداً، فهو مصاب في العمود الفقري، وبحاجة إلى تدخل جراحي يشمل نقل أعصاب من جسده إلى ظهره، ثم إلى علاج طبيعي مكثف.

أصيب أبو عيادة (34 سنة) قبل أسبوعين في قصف على وسط مخيم خانيونس جنوبي قطاع غزة، ويتلقى العلاج حالياً داخل مجمع ناصر الطبي، في غرفة صغيرة تضم ثلاثة مصابين آخرين، وكان يحصل على المسكنات في البداية، لكنه لم يعد يحصل على أية عقاقير منذ خمسة أيام، فالأدوية نفدت من المستشفى.

لا يستطيع أحمد الحديث من شدة الألم، وهو يشعر بحالة من الدوار الدائم. يقول والده سلطان أبو عيادة: “أشعر بإحباط شديد، فابني يتألم لكنه لا يحصل على أي علاج، والطبيب أخبرنا أنه ضمن القائمة المستعجلة للعلاج في الخارج، لكن لا نعرف متى يسافر للعلاج، ومؤخراً أصبح يتمنى الموت حتى يتخلص من الآلام”.

فقد أبو عيادة ثمانية من أفراد أسرته، من بينهم والدته، ولم يتبق من العائلة سوى والده البالغ 60 سنة وشقيقته، واللذين يطاردان الأطباء بشكل يومي لمعرفة مصيره. وقدمت وزارة الصحة توصية بضرورة إخراجه من قطاع غزة للعلاج في الخارج، لكنه من بين آلاف المنتظرين منذ أسابيع، ويرتبط الأمر بموافقة الجانب المصري، وتأمين سيارة إسعاف لنقله إلى الأراضي المصرية.

وتؤكد وزارة الصحة في غزة، أن آلية نقل الجرحى تشمل إرسالها قائمة بالأسماء، وانتظار الموافقات، وأنها تتلقى يومياً ما بين 20 إلى 50 اسماً ممن حصلوا على موافقة الجانب المصري للعبور. وضم الكشف الأخير، مساء الاثنين الماضي، 23 اسماً فقط، كان من بينهم اسم الجريحة دينا أبو محسن (13 سنة)، والتي استشهدت يوم الأحد حين قصف الاحتلال مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس.

يقول مدير عام وزارة الصحة في غزة، منير البرش: “نحاول التوصل إلى حلول لإخراج أكبر عدد ممكن من الجرحى، ونطالب السلطات المصرية بفتح المعبر بشكل كامل، فنحن في حاجة ماسة إلى إجلاء 5000 جريح على الأقل، وغالبيتهم حالات خطرة، وبعضهم مهدد بالموت، وهناك أعداد أخرى من الجرحى تحتاج إلى متابعة العلاج بالخارج، أو إجراء عمليات جراحية عاجلة أو معقدة”.

وحسب البيانات الرسمية، فقد غادر 413 مصاباً القطاع عبر معبر رفح للعلاج في الخارج منذ بداية العدوان، نحو نصفهم تجري معالجتهم في المستشفيات المصرية، وآخرون جرى نقلهم إلى مستشفيات في دول، منها قطر والإمارات وتونس والجزائر وتركيا، لكن هذه الأعداد تشكل أقل من 1 في المائة من إجمالي المصابين الذين وصل عددهم حتى يوم الثلاثاء، لأكثر من 52,586 مصاباً، بينما تجاوز عدد الشهداء 19,667 شهيداً.

واستشهد نحو 310 من العاملين في القطاع الصحي، فضلاً عن اعتقال 99 من الكوادر الطبية، وتدمير 102 سيارة إسعاف، واستهدف القصف الإسرائيلي 138 مؤسسة صحية، وتوقفت 22 مستشفى عن العمل، كما توقف عن العمل 52 مركزاً صحياً، ويعمل حالياً بشكل جزئي 13 مستشفى من أصل 35 في القطاع، وهناك معوقات كثيرة، من بينها محدودية الإمكانات الطبية، ونفاد الأدوية.

ويعيش القطاع الطبي في غزة أكبر أزمة في تاريخه، إذ انخفضت القدرة السريرية إلى أقل من النصف، والتي كانت تبلغ قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول نحو 3600 سرير طبي فقط، ووصلت خلال الأيام الأخيرة إلى أقل من 1400 سرير، وتصل معدلات الإشغال حالياً إلى 210 في المائة في الأقسام الداخلية، و250 في المائة في وحدات العناية المركزة.

يقول المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة: “نواجه كارثة إنسانية كبيرة، فغرف العمليات المحدودة في مستشفيات جنوبي القطاع مكتظة، والطواقم الطبية تعمل تحت ضغط كبير، ولا تستطيع الاستجابة للأعداد الكبيرة من الإصابات الحرجة والخطيرة والمعقدة، فالاحتلال الإسرائيلي يستخدم أسلحة محرمة دولية، وهناك إصابات صادمة”.

يضيف القدرة: “الآلية المتبعة في مغادرة الجرحى للعلاج بالخارج باتت تستخدم كسلاح من قبل الاحتلال لقتلهم، ونطالب كل الجهات المعنية بتوفير آلية فاعلة لإنقاذ حياة الجرحى، فالانتظار يؤدي إلى فقدان الحياة، وأعداد الجرحى تتزايد يومياً مع استمرار القصف الإسرائيلي، ويتزامن ذلك مع حملة الاعتقالات المستمرة للكوادر الطبية، وكان آخر المعتقلين مدير مستشفى العودة، أحمد مهنا، ورئيس قسم العظام بمستشفى الشفاء، عدنان أحمد البرش، ما يزيد معاناة القطاع الطبي المتضرر أصلاً، والذي يعاني من نقص الكوادر المتخصصة بعد استشهاد وإصابة كثيرين”.

بدوره، يؤكد الجراح محمد حسين أن “الكثير من الإصابات بحاجة إلى تدخل عاجل، وبعضها بحاجة إلى عمليات جراحية معقدة في الأعصاب، أو في العمود الفقري، وجراحات لزراعة العظام. في ظل الإمكانيات المحدودة المتاحة لا يمكن علاج كثيرين في القطاع”. يضيف: “هناك حالات بحاجة إلى رعاية حثيثة، ومع نقص الكادر الطبي، ونفاد الأدوية والمستلزمات الطبية يصبح هذا الأمر صعب التحقيق، ومن بين المشكلات عدم جهوزية غرف العمليات لإجراء جراحات كبيرة أو معقدة، فهناك عمليات تستغرق ساعات، وإجراؤها حالياً يعني فقدان المريض حياته على الأغلب”.

ويتخوف بعض الجرحى الغزيين من الإصابة بإعاقات دائمة إذ لم يحصلوا على علاج عاجل. من بين هؤلاء محمد أبو طريفة (25 سنة) الذي أصيب في ساقيه بحروق من الدرجة الثانية قبل ثلاثة أسابيع في قصف إسرائيلي على منطقة التركمان في حي الشجاعية، والذي فقد فيه عدداً من أفراد عائلته.

نقل الشاب المصاب للعلاج في مستشفى أبو يوسف النجار بمدينة رفح، ويقول: “لولا أنني كنت أصرخ من الألم لما عرفت طواقم الدفاع المدني مكاني تحت الأنقاض، وبعض أفراد عائلتي كانوا أحياء، لكن لم يتمكن أحد من إنقاذهم. كان أبناء عمي معي تحت الركام، لكني غبت عن الوعي، وعندما أفقت بعد خمسة أيام أبلغوني أنهم شهداء. أعاني من آلام شديدة في ساقي، ولا أحصل على العلاج اللازم، حتى إن شقيقي ذهب لشراء المسكنات من خارج المستشفى، وعثر على كميات قليلة، لكنها لا تمنع الألم”.

يضيف أبو طريفة: “أنتظر منذ 10 أيام موافقة العلاج في الخارج. ساقي اليمنى تحتاج إلى علاج مكثف، لأن فيها شظايا صاروخ، وقد تضرر العظم الداخلي، وأحتاج إلى عمليات جراحية فيها، وساقي اليسرى تحتاج إلى نقل أوتار، وهناك تشوه كبير فيها، وبعد أن أجري تلك العمليات العاجلة، سأحتاج إلى الانتظار عدة أشهر قبل إجراء عمليات تجميل”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here