تدخّل إسرائيلي في مفاوضات سد النهضة: واشنطن داعمة ومصر منفتحة

18
تدخّل إسرائيلي في مفاوضات سد النهضة: واشنطن داعمة ومصر منفتحة
تدخّل إسرائيلي في مفاوضات سد النهضة: واشنطن داعمة ومصر منفتحة

أفريقيا برسمصر. قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ”العربي الجديد”، إن الاتصالات المتقدمة أخيراً مع “إسرائيل” على الصعيدين الاستخباراتي والدبلوماسي شهدت تباحثاً حول إحياء دور وساطة قد تؤديه الحكومة ال”إسرائيل”ية في قضية سد النهضة، بتنسيق مع الولايات المتحدة، على أن تظهر ثمار هذا الدور قبل الاقتراب من موعد الملء الثالث للسد في الصيف المقبل، وبالتوازي مع تطور العلاقات بين تل أبيب وأديس أبابا في ملفات الاستثمار والتعاون الأمني. وأضافت المصادر أن واشنطن تدعم تدخّل الحكومة ال”إسرائيل”ية برئاسة نفتالي بينت للتقريب بين وجهات النظر المصرية والسودانية والإثيوبية في القضية، من واقع أنها مقبولة للتعامل مع أديس أبابا أكثر من البيت الأبيض، في ظل التوتر القائم على خلفية النزاع الأهلي الداخلي وحرب تيغراي، وفي الوقت نفسه فإن واشنطن حريصة على عدم تجدد أزمة السد خلال الصيف المقبل ومنع احتمالات تطورها إلى نزاع عسكري بأي صورة.

تدخّل تل أبيب من وجهة نظر واشنطن سيساعد على توطيد العلاقة بين مصر و”إسرائيل” وتطبيع العلاقات مع السودان

وأشارت المصادر إلى أن هذا التدخل، من وجهة النظر الأميركية، سيساعد على توطيد العلاقة بين مصر و”إسرائيل” وتطبيع العلاقات مع السودان، ومن ثم المساهمة في التهدئة الميدانية في المنطقة والانعكاس الإيجابي على القضية الفلسطينية وأمن “إسرائيل”. وهذه الرؤية قريبة من تلك التي كان يتمسك بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والذي كان يعتبر قضية سد النهضة ذات انعكاس أكيد على ملف ما يسمى بـ”صفقة القرن” (خطة الإملاءات لتصفية القضية الفلسطينية) والتي كان يرغب في إتمامها حال استمراره في الحكم.

وذكرت المصادر أنه سبق أن عرض رئيس الوزراء ال”إسرائيل”ي السابق بنيامين نتنياهو التدخل في قضية سد النهضة، لكن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لم يأخذ هذه العروض على محمل الجد. أما السبب فيعود إلى الشروط التي كان يتوقع السيسي أن يمليها نتنياهو أو يستخدم علاقاته بواشنطن ودول خليجية لفرضها على مصر، فضلاً عن قناعة الأجهزة السيادية المصرية بأن “إسرائيل” ضالعة في مخطط إنشاء سد النهضة منذ عهد رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق الراحل ملس زناوي، وأن الهدف النهائي منه هزّ مكانة مصر الإقليمية والتحكم في مصيرها مستقبلاً.

لكن المقاربة الجديدة المدعومة من الإدارة الأميركية في عهد جو بايدن لا تبلغ حد الوصول إلى حل نهائي للقضية، بل مساهمة محدودة بوساطة مؤقتة لإحياء المفاوضات، ولا تشمل المشاركة في وساطة ملزمة، وفقاً للمادة العاشرة من اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس/آذار 2015.

وعن مدى إمكانية تضارب هذه التحركات مع الوساطة الجزائرية المعروضة والاتصالات في السياق ذاته مع دول خليجية وأوروبية، قالت المصادر إن مصر منفتحة على جميع الجهود، بشرط ألا تضع إثيوبيا عراقيل، خصوصاً أن المبدأ العاشر من اتفاق المبادئ يفتح باب الوساطة الدولية الملزمة لكنه يتطلب “اتفاق الدول الثلاث على ذلك”، وهو ما لم يتوفر رسمياً في أي مرحلة سابقة من النزاع. السودان، الذي يبدو من الناحيتين الفنية والاقتصادية مستفيداً من بناء السد، جدد أكثر من مرة ثقته في إمكانية التغلب على الخلافات باستمرار المفاوضات، ثم عاد في الفترة الأخيرة ليطالب بالوساطة. أما إثيوبيا فهي ترفض اللجوء مرة أخرى بعد جولة مفاوضات واشنطن إلى الرقابة أو الوساطة السياسية، بحجة أن القضية فنية فقط. أما مصر، فتخشى استمرار إهدار الوقت من دون اتفاق نهائي ملزم، خصوصاً بعدما أصبح تحكم إثيوبيا السيادي في السد أمراً واقعاً بإنجاز مرحلتين من الملء.

مصر قدمت خطوة تمهيدية لإمكانية التفاهم مع “إسرائيل” حول دورها في أزمة السد

وأوضحت المصادر أن مصر قدمت بالفعل خطوة تمهيدية لإمكانية التفاهم حول هذا الدور ل”إسرائيل”، من خلال موقفها الخجول من قضية انضمام الأخيرة إلى الاتحاد الأفريقي كعضو مراقب، الأمر الذي انتفضت ضده الجزائر وجنوب أفريقيا ودول أخرى، وشاركتهم مصر بصورة متواضعة في المذكرة الشفهية التي قدمت إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، في الثاني من أغسطس/آب الحالي. وشرحت المصادر هذا الموقف بقولها: “مصر مستقرة على عدم القيام بأكثر من ذلك، فهناك محاولات لا تزال تجريها الجزائر لإبطال القرار وحشد الأصوات معها، لكن مصر تقف على أقصى يمين هذا الموقف، فهي ستشارك حال اتخاذ أي خطوة، ولن تسعى لتعطيل تلك المحاولات. لكن في الوقت نفسه لن تنخرط فيها بفاعلية، ودولة الاحتلال تدرك هذا الأمر جيداً، ليس فقط بسبب الدور المحتمل في قضية سد النهضة، ولكن بسبب التنسيق مع واشنطن لرسم شبكة العلاقات الجديدة في المنطقة، وعدم خسارة موقع مصر كوسيط إقليمي يعتمد عليه ومصداقيتها العالية في مختلف العواصم، وهو المركز البارز الذي تحاول دول أخرى في المنطقة انتزاعه، وعلى رأسها الإمارات”.

وكانت المذكرة، والتي شاركت مصر في تقديمها، قد عارضت قرار انضمام “إسرائيل” للاتحاد كعضو مراقب، وتمسكت بمقررات الاتحاد الأفريقي الواضحة التي تعبر عن موقفه الثابت الداعم للقضية الفلسطينية والمدين لممارسات دولة الاحتلال بمختلف أشكالها في حق الشعب الفلسطيني، والتي تتعارض مع المصلحة العليا للاتحاد، وقيمه، ومثله، ومقرراته. وأعربت الدول العربية في مذكرتها أن رئيس مفوضية الاتحاد لم ينظر في طلب “إسرائيل” على نحو ما سار عليه سابقوه، وفقاً للمبادئ والأهداف الواردة في القانون التأسيسي للاتحاد، والمقررات الصادرة عن أجهزة الاتحاد المختلفة، وكذلك المصلحة العليا للاتحاد وآراء وانشغالات الدول الأعضاء ومعايير منح صفة مراقب، ونظام الاعتماد لدى الاتحاد الإفريقي التي اعتمدها المجلس التنفيذي في يوليو/تموز 2005، ما يمثل تجاوزاً إجرائياً وسياسياً غير مقبول من جانب رئيس المفوضية لسلطته التقديرية.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here