أفريقيا برس – مصر. تواصلت مأساة أهالي سيناء المهجرين من قراهم، رغم الوعود التي تلقوها بالعودة، حسب تقرير لـ«مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان» صدر أمس الأربعاء.
وكشف التقرير الذي حمل عنوان «عادوا ليرحلوا» عن تناقض واضح بين الدعاوى الرسمية المشجعة على العودة وواقع إعادة تهجير السكان من قراهم في مدينتي الشيخ زويد ورفح، وهو تناقض اعترفت به التصريحات الرسمية كتصريح قائد الجيش الثاني الميداني في 3 يونيو/ حزيران 2023، الذي أكد فيه أن دعوة المواطنين للعودة كان قرارا متسرعا، أخذا في الاعتبار عدم انتهاء القوات المسلحة من مهمة تطهير أراضي قرى ومدن المهاجرين من بقايا العبوات الناسفة ومخلفات المعارك.
وقالت المؤسسة في تقريرها، إن منتصف عام 2021 شهد تحول نوعي في سياسة دمج أبناء القبائل والمجتمع المحلي في محافظة شمال سيناء في العملية الأمنية الجارية هناك صد الجماعات المسلحة.
وبدأت هذه المقاربة، وفق التقرير، عقب طلب من المخابرات الحربية من وجهاء قبائل السواركة والترابين والرميلات، بتكوين مجموعات مسلحة من عشائر القبائل تم تمويلهم من رجال أعمال تابعين لهذه القبائل وجرى تدريبهم في مقرات تابعة للجيش في الرعيش وبئر العيد، فيما أطلق عليها مقاتلو هذه القبائل «معركة التطهير».
ونقل التقرير عن مصادر من هذه المجموعات، قولها، إن الاتفاق مع المخابرات الحربية تضمن التعهد بالسماح للأهالي بالعودة للقرى التي هجروا منها منذ سنوات في مدينتي الشيخ زويد ورفح خارج المنطقة العازلة مع قطاع غزة.
وقد أظهرت سياسة دمج وتسليح القبائل، فاعلية ملحوظة في السيطرة على مناطق كانت تعتبر معاقل تقليدية لتنظيم «ولاية سيناء» التابع لتنظيم «الدولة الإسلامية» وفق التقرير.
ولفت التقرير، إلى أن نهاية عام 2021 ومطلع عام 2022 سمحت السلطات الأمنية بعودة المدنيين النازحين إلى عدة قرى تابعة لمدنية الشيخ زويد وقريتين في مدينة رفح بعد سنوات من نزوجهم القسري بسبب العمليات العسكرية. وقد صرح محافظ شمال سيناء اللواء عبد الفضيل شوشة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 إن العودة تأتي في إطار حرص الدولة على عودة الحياة إلى طبيعتها في مختلف القرى وتجمعات شمال سيناء.
قرى مدمرة
ووفق التقرير، الممارسات على أرض الواقع تشكل نكوصا على هذه الوعود الرسمية، حيث عاد الأهالي إلى مناطقهم ليجدوا قرى غير التي نزحوا منها فالقصف الجوي والمدفعي والجرافات العسكرية حولت البيوت والمزارع إلى ركام وزادت الأوضاع سوءا في ظل ضعف الدعم الحكومي لإعادة الإعمار وازداد الوضع سوءا عندما بدأت الارتكازات العسكرية شرق سيناء منذ أكوبر/ تشرين الأول 2022 في منع مرور مواد البناء ومستلزمات الزراعة إلى الشيخ زويد ورفح، كما وجه الجيش تعليمات لأصحاب مزارع الطوب في المنطقة إلى التوقف عن العمل، كما حذرت التجار من تخزين الأسمنت في مخازنهم.
التحول الأبرز، وفق التقرير، حدث في الفترة من 24 إلى 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بعد قيام وحدات عسكرية تابعة للمخابرات الحربية بتوجيه أوامر للأهالي في عدد من التجمعات السكانية في محيط رفح والشيخ زويد بوجوب مغادرة المناطق التي عادوا إليها قبل شهور.
ونقل التقرير عن عدد من السكان المحليين قولهم، إن قوات الجيش أجبرت الأهالي العائدين على الرحيل من 10 تجمعات سكنية في قري الشيخ زويد ورفح، وقد تضمنت عمليات الإخلاء القسري تهديدات بالقتل والاعتقال وحرق المساكن المؤقتة التي اقامها الأهالي في حال عدم الاستجابة لأوامر الجيش بالرحيل.
ولفت إلى أن عمليات الإخلاء القسري بدأت في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 دون توضيح أسباب، واضطر الأهالي للخروج من أراضيهم خوفا من التهديدات.
وتناول التقرير محاولة عائلة الجرايشة المقيمة في حي النصر التابع لمدينة الشيخ زويد، الصمود، وكيف عادت قوات الجيش لمداهمة الحي في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 وقامت بإخلاء 60 أسرة من العائلة بالقوة وقامت بإجبارهم على الصعود إلى مدرعات عسكرية ونقلهم إلى منطقة نائية بالقرب من قرية أبو طوليلة حيث قام سكان القرية بنقلهم بسيارتهم إلى مدينة الشيخ زويد.
«سنموت في أرضنا»
وشهد يوم 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، اجتماعا بين الجيش و12 من شيوخ قبيلة السواركة، أسفر عن طلب واضح للجيش بمغادرة الأهالي العائدين من قرى جنوب مدينة رفح بينها المهدية ونجع الشيبانة بشكل مؤقت لحين قيام الجيش بتطهير المنطقة من مخلفات الحرب والعبوات الناسفة.
وعقب الاجتماع بعدة أيام تلقى وجهاء القرى اتصالا هاتفيا من قائد في بالجيش أبلغهم بوجوب تنفيذ قرارات الإخلاء، وقامت الأجهزة المنية قامت بقطع التيار الكهربائي.
وفي اليوم ذاته، وعقب انتشار قرار الإخلاء، اجتمع مئات السكان المحليين من قرى شيبانة والمهدية داخل قرية نجع شيبانة، اعتراضا على قرار الإخلاء. ونقلت المؤسسة في تقريرها عن أحد المعتصمين وقتها، قوله: نحن دخلنا في اعتصام سلمي مفتوح وسنموت في أرضنا ولن نتركها مرتين، نحن رحلنا منذ سنوات بسبب تنكيل تنظيم «ولاية سيناء» وبسبب الحرب وعدنا عندما هدأت الدنيا والحرب انتهت.
فيما تحدث آخر للمؤسسة، وقال: «بعد رجوعنا، أجهزة التنفيذ أوصلت التيار الكهربائي قبل شهرين، وأنفقنا كل أموالنا في إعادة بناء منازلنا وترميم الأرض وإعادة زراعتها، كما تبرعنا بأرض لبناء مدرسة، وجمعنا 400 ألف جنيه لتكاليف البناء، وكل ذلك تم بموافقة الأجهزة الإدارية في المحافظة، فلماذا نرحل الآن؟».
«ودنا نعود»
وشهد مطلع يناير/ كانون الثاني 2023 دعوات بعنوان «ودنا نعاود» أطلقها وشارك فيها عدد كبير من السكان المحليين المهجرين تطالب بالسماح لعودة إلى مناطقهم، ولم تقتصر الدعوات على السكان النازحين من مناطق الشيخ زويد بل امتدت لتشكل كل قرى مدينة رفح خراج المنطقة العازلة مع قطاع غزة. واستجاب بالفعل عدد كبير من الأهالي لتلك الدعوات، إلا أن قوات الجيش قامت بمنع الأهالي في الكثير من الأحيان من الوصول إلى القرى المهجرين منها، وفق التقرير.
وثق التقرير في 5 أغسطس/ آب 2023 قيام قوة من الجيش بإجبار عشرات الأسر من سكان تجمعات تابعة لقرية الظهير جنوب مدينة الشيخ زويد، على الرحيل القسري من منازلهم واعتقلت العشرات من الشباب الرافضين لإخلاء منازلهم ثم أفرجوا عنهم بعدة ساعات، كما منح السكان مهلة حتى اليوم التالي لإخلاء المناطق والرحيل منها.
وزاد التقرير: استمرار لحالة الحراك الشعبي المطالب بالعودة نظم عشرات السكان المحليين وقفة احتجاجية سلمية في 21 أغسطس/ آب 2023 قي قرية المقاطعة جنوب الشيخ زويد لمناشدة السلطات المصرية بالسماح لهم بالعودة غلى منازلهم وأراضيهم التي هجروا منها قسرا منذ سنوات.
وحسب التقرير: وصلت الاحتجاجات الشعبية ذروتها في 25 اغسطس/ أب 2023، حينما تجمع الآلاف من السكان المحليين النازحين والمهجرين قسرا من مناطق شرق سيناء من أبناء قبيلة الرميلات لمطالبة السلطات بالسماح لهم بالعودة لأراضيهم. وأعلن رموز الاحتجاج تحويله إلى اعتصام مفتوح حتى تحقيق مطالبهم ونصب المحتجون خيمة كمقر لاعتصامهم وأعلن قيادات الاعتصام مطالبهم ووجهوا دعوات لبقية السكان للانضمام لهم.
اعتقال العشرات
في اليوم التالي، رصدت المؤسسة قيام السلطات المصرية بمنع تدفق أهالي شرق سيناء القادمين من محافظات مصر المختلفة للالتحاق بخيمة الاعتصام، حيث أغلقت الارتكازات الأمنية الموجودة على الطريق المؤدي لمدينة الشيخ زويد، ومنعت مرور حاملي الهويات الشخصية المدون بها محل الإقامة رفح.
بالتزامن مع ذلك، وجه اللواء محمد ربيع، قائد الجيش الثاني الميداني، دعوة لقادة الاعتصام إلى اجتماع لمناقشة مطالبهم. وأسفر الاجتماع عن قرار المعتصمين تعليق الاعتصام بعد تلقيهم وعود بتنفيذ مطالبهم. كما طالبت القيادات العسكرية من المعتصمين تشكيل لجنة 10 أفراد ممثلين عن قبائل الرميلات والسواركة والترابين لعقد اجتماع آخر في القاهرة مع قيادة الجيش لمناقشة كيفية تلبية المطالب بشكل يرضي جميع الأطراف على أن يكون تاريخ 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حد أقصى لتنفيذ مطالب المعتصمين.
وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تجمع المئات من سكان محافظة شمال سيناء من أبناء قيبلتي الرميلات والسوراكة بالقرب من قريتي الحسينات والمهدية قرب مدينة رفح، للمطالبة مرة أخرى بحقهم في العودة لأراضيهم بعد انتهاء المهلة التي حددتها السلطات المصرية، وحنثها بوعدها. واستخدمت قوات الجيش العنف غير المبرر بحق المحتجين وتعمدت إطلاق الرصاص لتفريقهم واعتقلت 9 منهم على الأقل، وفي اليوم التالي تم اعتقال العشرات من المشاركين في الوقفات الاحتجاجية. وعقب فترة من الاختفاء للقسري ظهر 53 من المحتجزين أمام المحكمة العسكرية في الاسماعيلية بينهم الشيخ صابر الصباح أحد رموز القبائل على ذمة التحقيقات في القضية رقم 80 لسنة 2023 ووجهت النيابة لهم تهم تتعلق بـ«تخريب سيارات عسكرية واستعراض القوة والتجمهر» ومنذ ذلك الحين تقوم المحكمة بتجديد حبسهم احتياطيا على ذمة القضية، تبعا للتقرير.
يذكر أن المناطق التي جرى إخلاء السكان منها تقع جميعها ضمن المناطق المحظورة التي أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأنها القرار رقم 420 لسنة 2021 الذي نص على تحديد قرابة الثلاث آلاف كيلومتر متر مربع من أراضي شمال شرق سيناء كمناطق حدودية تخضع لقيود صارمة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس