حرب أكتوبر.. هل خدم أشرف مروان مصر أم إسرائيل؟

4
حرب أكتوبر.. هل خدم أشرف مروان مصر أم إسرائيل؟
حرب أكتوبر.. هل خدم أشرف مروان مصر أم إسرائيل؟

أفريقيا برس – مصر. قدّمت إسرائيل روايتها الخاصة المفصلة للظروف والملابسات التي سبقت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، من خلال وثائق أفرجت عنها قبل أسابيع، بمناسبة مرور نصف قرن على تلك الوثائق، يتعلّق أبرز ما فيها بالدور الذي لعبه “الملاك”، واصمة إياه بعمالته لجهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد”.

و”الملاك” هو الاسم الحركي الذي أطلقه الموساد على السفير أشرف مروان، صهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وسكرتير الرئيس الراحل أنور السادات للمعلومات، وسفير مصر الأسبق لدى لندن، خلال الحرب.

الرواية الإسرائيلية التي قدّمها جهاز الموساد عبر الوثائق، تشير إلى معلومات فائقة الحساسية والدقة قدمها مروان للجهاز قبيل اندلاع الحرب. وحاول بها الموساد نفي أي تقصير له في التنبؤ بموعد الحرب، واتهامه بالإخفاق في التعامل مع الخداع المصري، بحسب شعبة المعلومات العسكرية الإسرائيلية “أمان”.

وبحسب الرواية، فإن الموساد قدم الكثير من المواد الاستخباراتية عالية الجودة في المجالين السياسي والعسكري، الخاصة بقرار مصري سوري مرتقب بخوض الحرب ضد إسرائيل، والتي تلقاها عبر المصدر الأرفع للجهاز، وهو أشرف مروان.

وشملت تلك المواد “الكثير من المعلومات حول الجيشين المصري والسوري، متضمنة تحذيرات واضحة حول الموعد المتوقع لبدء الحرب”. وأضاف الموساد أنه “لسوء الحظ، فإن هذه المعلومات الاستخبارية عالية الجودة لم تمنع المفاجأة الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي، ودفع ثمن هذه الحرب باهظاً بالدماء”.

صمت مصري أم تحفظ؟

وتقابل الرواية التي يرددها الموساد بثقة وكثافة حول مروان منذ سنوات بحالة من الصمت المصري والغموض وتفضيل عدم الرد. ولا توجد مواقف رسمية مصرية تنفي الاتهامات عن مروان خلال العقدين الماضيين، باستثناء تصريح دافع فيه الرئيس الأسبق حسني مبارك عن مروان، ضد ما سمّته وسائل الإعلام حينها بـ”مزاعم إسرائيلية بأنه كان عميلاً للموساد”.

ففي تصريح له عام 2007، بعد عودته من القمة الأفريقية في غانا، نفى مبارك أن يكون مروان جاسوساً، قائلاً إن الأخير كان “رجلاً وطنياً، ولم يكن جاسوساً لأي طرف من الأطراف”، و”كان وطنياً مخلصاً لبلده ونفذ مهمات وطنية”. وأضاف أن “الوقت لم يحن بعد للكشف عن أفعاله خلال الحرب”.

يأتي ذلك إلى جانب الجنازة الرسمية المهيبة التي نظمت له عقب وفاته، المثيرة للجدل في لندن عام 2007، وما ترافق معها من تصريحات غير رسمية أطلقها عسكريون سابقون شاركوا في حرب أكتوبر، أو تقاعدوا من الخدمة. ونفى هؤلاء تجسس مروان لإسرائيل، بل وصفوا دوره في عملية الخداع الاستراتيجية للعدو قبل حرب أكتوبر بأنه كان “محورياً”.

غياب الرواية الرسمية المصرية في التعامل مع الاتهامات الإسرائيلية لمروان تعود، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري السابق حسين هريدي، إلى اعتبارات الأمن القومي المصري، معتبراً أنه “من غير المناسب الكشف عن معلومات بهذه الحساسية رداً على استفزازات لا أساس لها من الجانب الإسرائيلي”.

وأضاف أن “إسرائيل لم تنس ولن تنسى ما حدث من انتصار مصري في حرب أكتوبر، لذا تريد إهالة التراب على فشلها السياسي والعسكري والاستخباراتي بترديد مزاعم عن نجاحها في تجنيد صهر عبد الناصر وسكرتير السادات للمعلومات”.

وأرجع حالة الصمت التي تعاملت بها أسرة مروان مع القضية وعدم إقامتها دعوى ضد كتاب الموساد الذي أصدره الشهر الماضي، بعنوان “ذات يوم عندما يسمح بالحديث”، (عن دور الجهاز الاستخباري قبل حرب أكتوبر وخلالها)، أو ضد فيلم “الملاك” (2018 الذي يتبنى الرواية الإسرائيلية للحرب والمبني على رواية بعنوان “الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل” التي كتبه أوري بار يوسف)، لحساسية القضية واعتبارات الأمن القومي المصري أيضاً.

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير معصوم مرزوق، أن مصر ردت رسمياً على الاتهامات الإسرائيلية لمروان عام 2007، و”على لسان أعلى مسؤول حينها وهو الرئيس مبارك، حين برّأ ساحة مروان، وكشف عن دوره الوطني في حرب أكتوبر”.

وتساءل مرزوق: “لماذا ننشر رواية رسمية أخرى؟ ألا تكفي تصريحات القيادة السياسية حينذاك لدحض الرواية الصهيونية الكاذبة؟”، مضيفاً أن “كل الاحتمالات تشير إلى كذبها، حيث تحاول نفي فشل الدولة العبرية أمام الخداع الاستراتيجي المصري”.

وقال مرزوق، وهو أيضاً عسكري سابق وشارك في حرب أكتوبر، إنه “لو تم تصوير مروان مع مسؤولين في الموساد في أحد مقراتهم، فإن ذلك كان في إطار مخطط وطني لخداع إسرائيل، وتضليل أجهزة المعلومات لديها حول الحرب”.

وحول موقف أسرة مروان والتزامها الصمت وعدم مقاضاة ناشري الرواية المسيئة لوالدهم، استبعد مرزوق إمكانية قيام الأسرة بمقاضاة إسرائيل، لافتاً إلى أنه “في ما يتعلق بقضايا العمل الاستخباراتي لا يبدو أن القضاء مناسب لطرح مسائل تتعلق بالأمن القومي المصري، فضلاً عن وجود رواية رسمية مصرية تبرئ مروان من التجسس لإسرائيل، وتصف دوره في الحرب بالبطولي”.

ولاذت أسرة مروان بالصمت خلال السنوات الأخيرة تجاه اتهامه بالعمالة للموساد، غير أن محامي مروان أمجد سلفتي نفي في تصريحات صحافية لوسائل إعلام محلية الشهر الماضي، هذه التهمة. وقال إن إسرائيل لم تقبل حتى الآن التعايش مع هزيمتها في حرب أكتوبر، لذا تحاول التشكيك في الرموز الوطنية المصرية عبر وثائق كاذبة، بحسب تعبيره.

وأضاف سلفتي أن مروان “لم يعمل أبداً لصالح الموساد، وكل المعلومات التي ذكرت إسرائيل أنه قدمها لها حول موعد الحرب كانت مضللة، وتعكس رغبته في خداعهم، وتجنيب مصر ضربة استباقية تجهض استعدادها للحرب”. وأشار إلى أن “دواعي الأمن القومي المصري هي التي تبرر الطابع المحافظ للرواية المصرية حول مروان”.

رواية الوثائق الإسرائيلية الأخيرة

وتضمنت الوثائق المفرج عنها من قبل الجانب الإسرائيلي صوراً وأدلة، نقلها لهم مروان، حيث أشارت الرواية الإسرائيلية إلى انخراط مروان في التعاون مع الموساد بدءاً من عام 1970، وظهرت أهميته في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973، وتحديداً عشية اندلاع الحرب، إذ وجه التحذير الأخير لإسرائيل بشأن الحرب التي نشبت في اليوم التالي (6 أكتوبر).

وأفادت الوثائق في تقرير قدمه ضابط الموساد الإسرائيلي، ويدعى “دوبي”، والذي كان يدير العلاقة مع مروان ويتلقى منه المعلومات بدءاً من يناير/ كانون الثاني 1970 بُعيد “تجنيده للجهاز”، بأن “مروان هو الذي توجه للموساد وعرض خدماته على الجهاز”.

وأوضح “دوبي” في تقريره، أن مروان كان حاضراً في جميع مؤتمرات القمم العربية التي عقدت في القاهرة وغيرها من العواصم العربية قبل الحرب، بل شارك بقوة في أغلب الاجتماعات التي عقدها رئيس الوزراء المصري في الأشهر السابقة للحرب (جمع السادات منصب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء في مارس/آذار 1973)، وأنه “يحتفظ بعلاقات شخصية مع جهات من أبرز الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة المصرية”.

وركزت التقارير في الوثائق على قدرات مروان العالية في الوصول إلى القيادة المصرية، والاطلاع على قراراتها واستعداداتها “لإرسال رسائل تحذير حول نوايا مصر لبدء حرب ضدنا”.

وذكرت أن البريد الرسمي “الموجه للسادات” كان يمرّ كله عبر مكتب مروان “قبل أن يصل إلى للرئيس المصري الأسبق، وأن مروان كان مسؤولاً عن نقل تعليمات رئيس الجمهورية إلى جميع الأجهزة الحكومية”، وتوصيل جميع المعلومات وتقديرات الموقف، التي تجمعها كافة الأجهزة الاستخبارية إلى رئيس الجمهورية.

وتضمنت وثائق الموساد جزءاً أطلق عليه “عناوين مختارة”، تضمنت صوراً من الوثائق الأصلية التي قدمها مروان للموساد في مسعى لاستعراض درجة وصوله إلى المواد “ذات الأهمية الاستخباراتية العالية”، بما يشمل محاضر اجتماعات السادات مع القادة السوفييت، وتقريراً عن زيارة وزير الحربية المصري حينها، الفريق أول أحمد إسماعيل إلى دمشق، وتوثيق للقاء السادات بـ”اللجنة العليا للإعداد للمعركة” التي كان قد شكلها في ديسمبر/كانون الأول 1972.

كما كشف الموساد عبر وثيقتين استخباريتين مركزيتين عن معلومات وصفها بأنها “عالية الجودة”، الأولى هي وثيقة داخلية للموساد، كتبت في 5 أكتوبر 1973، وتوثق طلب مروان مقابلة رئيس الموساد تسفي زامير، بشكل عاجل، عشية الحرب.

ووفقاً للوثيقة، فقد اتصل مروان “مساء 4 أكتوبر هاتفياً… في المحادثة قال… سيصل غداً الجمعة، مساء 5 أكتوبر، لعقد لقاء سيقدم خلاله معلومات… ذات أهمية كبيرة… وسأل عما إذا كان من الممكن أن يشارك رامساد (اختصار لرئيس الموساد) في اللقاء، لأهمية الموضوع… ولمّح إلى أن المعلومات سيقدمها تخص… (هذا الجزء من الوثيقة لا يزال محظوراً) وهي بحوزته حول الإنذار الأخير بقيام الحرب”.

وذكرت الوثيقة الثانية، والتي كانت عبارة عن بروتوكول والنص الكامل لمحضر الاجتماع بلندن في 5 أكتوبر 1973 بين زامير ومروان، والذي تم فيه التحذير من اندلاع الحرب قبل 16 ساعة من نشوبها، أن مروان أكد في البداية أن الحرب ستبدأ “في المساء”، لكنه عاد لاحقاً ليشير إلى الساعة 16:00 موعداً لاندلاع الحرب.

وتبين لاحقاً بحسب الوثيقة أن هذا التوقيت كان أكثر دقة، إذ إن الحرب اندلعت في حوالي الساعة الثانية من بعد الظهر، لكن الموساد لم ينقل هذه المعلومات إلى الجيش الإسرائيلي، بل تمسك بمقولة مروان الأولى، “قبيل المساء”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here