حكم أوروبي لصالح أسرة مبارك: ضربة لمحاولات استرداد الأموال

9
حكم أوروبي لصالح أسرة مبارك: ضربة لمحاولات استرداد الأموال
حكم أوروبي لصالح أسرة مبارك: ضربة لمحاولات استرداد الأموال

افريقيا برسمصر. يمكن اعتبار حكم محكمة العدل الأوروبية الصادر يوم الخميس الماضي، بالسماح لأسرة الرئيس المصري المخلوع الراحل حسني مبارك بالتصرف في أمواله، رصاصة رحمة أطلقتها أعلى سلطة قضائية في الاتحاد الأوروبي للمحاولات المصرية الروتينية والبيروقراطية وغير الجادة والبعيدة عن الكفاءة لاسترداد أملاك مبارك وأسرته، من أموال سائلة ومنقولة وعقارية، بدول أوروبية مختلفة. إذ يسمح الحكم الجديد لقرينة مبارك، سوزان ثابت، ونجليه علاء وجمال وزوجتيهما بالتصرف في أموالهم كما يرغبون، ومن دون قيود للمرة الأولى منذ عام 2011، مما يتيح لهم نقلها لمأوى آخر أو التصرف فيها بطريقة أكثر أمناً من الاتحاد الأوروبي، الذي تتعدد فيه مخاطر فرض القيود على حركة الأموال لأسباب سياسية.

ويُعتبر الحكم نهائياً ولا يُسمح بالطعن عليه إلا من خلال تقديم طلب جديد لفرض قيود جديدة على الأموال. وأًوضحت حيثياته أن أسرة مبارك شككت بشكل أساسي في سلامة وقانونية الإجراءات القضائية التي اتُخذت ضدهم في مصر، وأن تسليم المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي بصحة تلك الإجراءات واعتبارها سليمة، لمجرد صدور بعض الأحكام النهائية في مصر ضد مبارك ونجليه، هي مخالفة لقواعد القانون الأوروبي.

دعت محكمة العدل الأوروبية إلى التأكد من حصول أسرة مبارك على فرصة الدفاع كاملة وأجابت محكمة العدل الأوروبية أسرة مبارك إلى طلباتها، وقالت إنه كان يتوجب على المحكمة العامة في أول درجة، وكذلك على المجلس الأوروبي صاحب قرار تجميد الأموال، أن يأخذا بعين الاعتبار طلب التقييد صادر من دولة غير عضوة في الاتحاد (مصر)، وأن عليهما التأكد بشكل موضوعي وإجرائي دقيق، من أن السلطات القضائية المصرية قد منحت أسرة مبارك فرصة الدفاع كاملة.

ويتضح من العودة لملف القضية الأساسي والحكم الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2018 بتأييد قرار التجميد، أن السلطات المصرية أوردت في معرض أسبابها لطلب التحفظ على الأموال، عدداً من القضايا التي لم يصدر فيها بالفعل أحكام ولم تصل حتى للمحاكمة. ومن هذه القضايا، تلقي مبارك وقرينته هدايا من بعض المؤسسات الصحافية (القضيتان المعروفتان إعلامياً بهدايا الأهرام وهدايا الجمهورية)، وكذلك قضية الكسب غير المشروع التي لا تتحرك على الإطلاق لأهداف سياسية بحتة.

وذكرت محكمة العدل الأوروبية أن محكمة أول درجة أخطأت، عندما قالت إن أسرة مبارك لم تتقدم بأي دليل على أنهم تضرروا من بعض المشاكل المزعومة للنظام القضائي المصري، لأن القرار في الحالة الراهنة صادر أساساً من المجلس الأوروبي. وكان يتوجب عليه وعلى محكمة أول درجة أن يثبتا بنفسهما، أن قرار التجميد يستند إلى أسس سليمة، ومنها استيفاء التأكد من دستورية الإجراءات المتخذة في مصر ضد مبارك ونجليه، وليس أن ينتظرا أدلة من الطاعنين على ما تعرضوا له من ظلم.

وأظهرت تفاصيل الحكم أن الدولة المصرية لم تتخذ أي إجراءات من شأنها التسريع باسترداد أموال مبارك وأسرته منذ فبراير/شباط 2018. فكل حكم أوروبي صدر في السنوات السابقة باستمرار تجميد الأموال هو من الناحية النظرية لصالح مصر، ويفسح المجال أمامها لاتخاذ إجراءات جديدة لاسترداد هذه الأموال، التي لا يعرف أحد قيمتها على وجه التحديد. لكن العقبات القانونية والسياسية، القائمة منذ عام 2011، تمنع استفادة مصر من تلك الأموال، التي لا تقتصر فقط على الأموال السائلة، بل تشمل ثروات عقارية مجمّدة في بعض الدول الأوروبية، وحصصاً في شركات في أوروبا والدول المعروفة بكونها ملاذات ضريبية. فالدول الأوروبية التي تجمّد فيها هذه الأموال لا تستطيع، وفق قوانينها، منح الأموال المجمدة للدولة المصرية، إلا إذا صدر حكم من جهة قضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية، يثبت أن تلك الأموال تحديداً كانت حصيلة أنشطة غير قانونية وممارسات فساد غير مشروعة.

وتم التجميد كقرار منفصل بناء على التحقيقات الأولية التي أجرتها النيابة العامة المصرية عن ثروة مبارك في عام 2011، مدعومة بمعلومات من شهود وأوراق حصلت عليها الشرطة من أفراد أسرة مبارك، فضلاً عن التحقيق مع نجليه علاء وجمال، اللذين كشفا تفاصيل ممتلكاتهم. لكن مبارك نفسه نفى امتلاكه أي أموال خارج مصر. ويعتبر هذا الأمر من الألغاز، لأن البيانات المصرفية في سويسرا تنفي بالفعل أن تكون له أموال باسمه، لكن هناك معلومات مؤكدة أنه منح أمواله في حياته لنجليه. بالتالي فثمة ممارسات قد تدل على تلاعبٍ ما لإخفاء كسب غير مشروع، في غياب أي أدلة كافية للسلطات المصرية أو الأوروبية لإثبات ذلك.

وشهدت الفترة بين ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وحتى الآن تشكيل أكثر من 6 لجان عليا بمصر لاسترداد الأموال، أحدثها منذ عامين ونصف برئاسة النائب العام، لكن أقربها للإنجاز كانت التي رأسها مساعد وزير العدل للكسب غير المشروع، عاصم الجوهري، عقب الثورة مباشرة، وهي التي نجحت في استصدار قرارات التجميد التي ألغت محكمة العدل الأوروبية أهمها يوم الخميس الماضي.

وبحسب مصادر قضائية سبق وتحدثت لـ”العربي الجديد”، فإن هناك مشكلتين أساسيتين تمنعان استعادة الأموال المهربة المجمدة، تحديداً من مبارك وأسرته بغض النظر عن حالات باقي رموز نظامه؛ أولاهما أن تقارير رصد الثروات الخاصة بمبارك ونجليه صدرت من جهة لا تعتبرها أوروبا مستقلة أو محايدة، وهي لجان مشكلة من إدارة الخبراء في وزارة العدل. وهؤلاء الخبراء ليسوا مستقلين، فهم جزء من السلطة التنفيذية، ورئيسهم الأعلى هو وزير العدل، ورئيسهم المباشر هو أحد مساعدي الوزير. بالتالي فإن وضعهم القانوني يشكك في حتمية النتائج التي توصلت لجان الفحص إليها. وهذا نموذج للفجوات القانونية بين النظام القضائي المصري والنظم الأوروبية المتعاملة حول ملف الأموال، فلا يوجد أي قانون مصري يسمح لأي جهة مستقلة بإجراء تحقيقات فحص على أموال وثروات أي مواطن. وحتى القضاء نفسه لا يستطيع إجراء هذا الفحص إلا من خلال الخبراء، وهو ما يعني أن هذه العقدة قائمة لحين إجراء تعديل على صفة الخبراء ووضعهم الهيكلي أولاً.

وقد حاول الخبراء استغلال هذه الثغرة الواضحة للمطالبة باستقلاليتهم، لكن الدولة تتمسك بإبقائهم تحت سيطرتها لأسباب أخرى، تعزوها المصادر لضرورة السيطرة عليهم تحت إدارة الوزارة للتوجيه وتلافي صدور تقارير غير مرغوب فيها من جهة، والتحكم في علاقتهم بالمتقاضين وإخضاعهم لقواعد التأديب الخاصة بموظفي الدولة من جهة أخرى.

وأوضحت المصادر أن البيانات الوحيدة المتوفرة عن ثروة مبارك، هي التي جمعها خبراء وزراء العدل المحاسبيون عن طريق فحص بيانات ومستندات تابعة لمبارك وقرينته سوزان ونجليه علاء وجمال، والأموال التي آلت إليهم بالميراث والبيع والشراء والتنازل بعد تولي مبارك الرئاسة. ومن ذلك الفحص تبين وجود فوارق “هائلة”، بدأ ضخها لحساباتهم الشخصية في البنوك المصرية، أولاً منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وليس من وقت عمل جمال مبارك في “بنك أوف أميركا” كما يدعي الأخير.

الدولة المصرية لم تتخذ أي إجراءات من شأنها التسريع باسترداد أموال مبارك وأسرته أما المشكلة الثانية فهي أن القوانين والسوابق القضائية الأوروبية تمنع تسليم الأموال المجمدة للدولة المطالبة بالتجميد إلا بعد إثبات صحة اتهاماتها بواسطة حكم قضائي نهائي وبات غير قابل للطعن، يثبت أن الأموال المجمدة، ولا شيء غيرها، قد تم تحصيلها بالفساد أو التدليس أو السرقة، وهو أمر لم تقترب منه مصر حتى الآن.

وصدر ضد مبارك ونجليه في 10 سنوات كاملة حكم قضائي وحيد بات غير قابل للطعن، في القضية الخاصة بفساد القصور الرئاسية، وحكم على كل منهم بالسجن والغرامة، وقضى الثلاثة العقوبة. وما زالت الغرامة قيد النزاع القضائي بينهم وبين الدولة، إذ تحاول الأسرة التملص من دفع الغرامة المقدّرة بنحو 147 مليون جنيه مصري (9.4 ملايين دولار)، بدعوى رغبتهم في التصالح، رغم رفض محكمة النقض هذه المحاولات في سبتمبر/أيلول 2018. في المقابل حجزت الدولة على نسبة كبيرة من أسهم علاء وجمال في شركات مختلفة داخل مصر لحين سداد هذه الغرامة.

أما قضية الكسب غير المشروع وهي الأهم والأكثر ارتباطاً بالأموال المهرّبة، فما زال التحقيق فيها مستمراً بمعرفة جهاز الكسب غير المشروع بوزارة العدل، وما زالت أرصدة علاء وجمال بالداخل مجمدة على ذمتها، بينما تم تحرير أرصدة سوزان ومبارك نفسه بعد وفاته.

ويعود سبب تجميد التحقيقات في هذه القضية إلى الوضع السياسي في المقام الأول، إذ يستخدمها النظام الحاكم كـ”فزاعة” أو “سلاح تخويف” ضد علاء وجمال، ظناً منه بأنه طالما استمرت هذه القضية قائمة من دون تحريك، سيظل نجلا المخلوع تحت الضغط، ويخشيان إبداء أي تحدٍ علني للرئيس عبد الفتاح السيسي خوفاً من المجهول، وبالتالي فإن بقاء القضية في الأدراج يلبي الأهداف السياسية للنظام.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here