رسائل زيارة السيسي إلى جيبوتي

2
رسائل زيارة السيسي إلى جيبوتي
رسائل زيارة السيسي إلى جيبوتي

أفريقيا برس – مصر. في ظل تصاعد التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ في البحر الأحمر، جاءت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لجيبوتي، الأربعاء الماضي، لتجدد تأكيد أهمية تنسيق الجهود بين الدول المشاطئة لحماية أمن هذا الممر المائي الاستراتيجي، ومنع انزلاقه إلى ساحة صراع تتنازعها أطراف خارجية. وبحسب ما كشفه دبلوماسيون مصريون، فإن الزيارة جاءت في سياق دعم الجهود المشتركة بين القاهرة وجيبوتي للحفاظ على الاستقرار الإقليمي في البحر الأحمر، ومنع التدخلات الخارجية في شؤونه، ولا سيما من قبل قوى إقليمية ودولية تسعى لبسط نفوذها على المنطقة الحيوية. وفي ظل ما وصفه الدبلوماسيون بـ”الاستقطاب الحاد”، الذي تشهده سواحل البحر الأحمر، لم يعد بمقدور أي دولة مشاطئة، بما فيها جيبوتي أو مصر، أن تتحمل منفردة أعباء حماية المجال الحيوي للممر، خصوصاً مع تصاعد تحركات دول كالإمارات وتركيا والولايات المتحدة، فضلاً عن قوى آسيوية وإقليمية أخرى تبحث عن موطئ قدم على ضفاف الممر المائي.

بيان لقاء السيسي وعمر جيله

وأكد البيان الختامي الصادر عقب اللقاء بين السيسي ونظيره الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، رفضهما “لأي ممارسات تؤدي إلى زعزعة الاستقرار وأمن الملاحة وحريتها في البحر الأحمر، بوصفه ممراً ملاحياً حيوياً لحركة التجارة الدولية”. كذلك شدد الرئيسان على “أهمية تفعيل مجلس الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن”، ليضطلع بدوره في تعزيز التنسيق بين الدول المطلة على البحر، وتوحيد الرؤى بشأن التحديات الأمنية والاقتصادية المشتركة. ويأتي هذا التأكيد على المجلس، الذي أنشئ قبل أعوام، لكنه لم يحقق بعد حضوراً مؤثراً، في وقت تسابق فيه القوى الكبرى الزمن لترسيخ وجودها في موانئ وسواحل المنطقة. ولم تخلُ الزيارة التي استغرقت يوماً واحداً، من أبعاد اقتصادية وتنموية، لكنها في جوهرها، بحسب الدبلوماسيين، كانت رسالة سياسية صريحة بأن القاهرة تسعى لإرساء توازن جديد في البحر الأحمر، عبر تحالفات إقليمية تضع مصالح الدول المشاطئة في مقدمة الأولويات، وتتصدى لأي مشاريع قد تهدد أمنها الجماعي.

وقالت الخبيرة نجلاء مرعي، إن زيارة السيسي لجيبوتي لا يمكن اعتبارها مجرد تحرك روتيني، بل تمثل خطوة ذات دلالات عميقة على مستوى العلاقات الإقليمية والدولية لمصر، في ظل التطورات المتسارعة في المحيط الأفريقي. وأضافت أن جيبوتي، التي تقع في موقع بالغ الأهمية على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، تُعد شريكاً استراتيجياً لمصر، نظراً لدورها في حركة الملاحة الدولية، وما تمثله من صلة حيوية بقناة السويس. واعتبرت أن التوقيت الحالي بالغ الحساسية، خصوصاً مع ما تشهده المنطقة من تحديات، سواء في الصومال أو السودان، بالإضافة إلى التحركات الإثيوبية الأحادية في الإقليم. وأشارت مرعي إلى أن جيبوتي تمثل نقطة محورية في محاولات القوى الدولية لترسيخ حضورها في القارة الأفريقية، كذلك فإنها ضمن الكتلة التصويتية المؤثرة داخل الأمم المتحدة. وبالتالي، فإن زيارة الرئيس المصري لها تعكس حرص القاهرة على تعزيز حضورها السياسي والاقتصادي في منطقة القرن الأفريقي، مع اشتداد التنافس الدولي على النفوذ هناك.

وأضافت أن المنطقة تشهد حالة من “العسكرة المتزايدة” في ضوء تداعيات الحرب في غزة، وهجمات الحوثيين، والوجود العسكري المتنامي لقوى كبرى على ضفاف البحر الأحمر، وعلى رأسها الولايات المتحدة. ولفتت إلى أن دخول إثيوبيا في محادثات مع جيبوتي لإنشاء منشآت وميناء وربما قاعدة عسكرية على أراضيها، أثار قلقاً لدى دول أخرى، مثل إريتريا، التي عبّرت عن رفضها لهذه الخطوات، وهو ما يضع جيبوتي في دائرة توتر إقليمي متزايد. وتابعت أن مصر تراقب بقلق المحاولات الإثيوبية للحصول على منفذ بحري عبر جيبوتي، وتسعى للتصدي لأي ترتيبات قد تؤثر بتوازنات الأمن في البحر الأحمر، مشيرة إلى أن التحركات المصرية لا تقتصر على جيبوتي، بل شملت أيضاً الصومال، التي افتُتح فيها خط طيران مباشر مع القاهرة في يوليو/تموز 2024، ما عزز العلاقات التجارية وحركة رجال الأعمال بين البلدين. وختمت مرعي بالقول إن القاهرة تسعى، من خلال تحركاتها الإقليمية، لتشكيل موازين قوى جديدة تدفع إثيوبيا نحو مراجعة سياساتها الأحادية، والعودة إلى طاولة الحوار بما يراعي مصالح مصر والسودان.

الممر الاستراتيجي

من جهته، قال السفير السوداني السابق لدى واشنطن، الخضر هارون، إن البحر الأحمر يمثل ممراً مائياً استراتيجياً تمر عبره قرابة 13% من حركة التجارة العالمية، مما يجعله عرضة لصراعات متزايدة. وأضاف هارون أن بعض الأطراف الفاعلة في الإقليم تسعى لتعزيز نفوذها في هذا الممر الحيوي، مشيراً إلى أن هذا التوجه لا يخلو من ارتباطات بتوجهات أوسع لقوى خارجية. ولفت إلى أن جيبوتي، رغم موقعها الجغرافي المهم وتوليها حالياً رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، قد لا تكون قادرة وحدها على احتواء التحديات المتنامية في المنطقة، وهو ما يبرز الحاجة إلى دور مصري أكثر فاعلية، بالنظر إلى ثقل القاهرة الإقليمي ومكانتها في معادلات الأمن البحري. وأوضح أن الصراع في السودان ليس بعيداً عن هذا السياق، معتبراً أن ما يحدث في بلاده يتقاطع مع مصالح جيوسياسية أوسع، تمس الأمن القومي المصري مباشرة. وأكد أن “أمن السودان ووحدته هما امتداد طبيعي لاستقرار مصر”، وأن أي تهديد للنسيج السوداني يجب أن يُنظر إليه على أنه جزء من منظومة التهديدات الإقليمية التي تتطلب تنسيقاً مصرياً سودانياً متقدماً.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here