سجون مصر بين “انفراج شكلي” واستمرار “الموت البطيء”

0
سجون مصر بين
سجون مصر بين "انفراج شكلي" واستمرار "الموت البطيء"

أفريقيا برس – مصر. أعلنت نيابة أمن الدولة العليا في مصر أخيراً إخلاء سبيل عشرات المتهمين بقضايا سياسية، في خطوة اعتبرها البعض محاولة لتخفيف حدة الانتقادات الحقوقية المتصاعدة للسلطات، لكن الوقائع المروعة للإهمال الطبي والتنكيل البطيء تتواصل في سجون مصر في حق معتقلين سياسيين يعانون من أمراض مزمنة من دون الحصول على أي رعاية صحية.

وتكشف المفارقة الصارخة بين ما يبدو أنه “انفراج شكلي” من جهة، ومن جهة اخرى استمرار “الموت البطيء” خلف الأسوار، عمق الأزمة في منظومة العدالة الجنائية المصرية التي تتعامل مع ملف الحريات والحقوق بمنطق انتقائي وأدوات سياسية أكثر منها قانونية. وفي أحدث الجلسات التي عقدت عبر تقنية فيديو كونفرانس لتجديد حبس معتقلين، تحدث الناشط السياسي القيادي في حركة 6 إبريل، شريف الروبي، عن معاناته الصحية المتفاقمة من إصابته بالتهاب حاد في العصب السابع، ووجود ورم في وجهه يمنعه من الحديث، لكن ذلك لم يمنع محكمة جنايات القاهرة (دائرة الإرهاب) من رفض طلب إخلاء سبيله، وتمديد حبسه 45 يوماً على ذمة القضية رقم 1634 لعام 2022 أمن دولة عليا، التي يتهم فيها بـ”الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة”.

وسبق أن خرج الروبي بعفو رئاسي في يونيو/ حزيران 2022، لكنه أُعيد اعتقاله في سبتمبر/ أيلول من العام ذاته في قضية جديدة من دون تقديم أي أدلة جديدة، ما يعزز الاتهامات بشأن “إعادة تدوير” القضايا في حق المعارضين.

وداخل سجن “العاشر 6″ الذي تكررت فيه الانتهاكات بحق المعتقلين السياسيين، يقبع الأخوان يوسف ومحمد علام، المعروفان بـ”ريعو” و”ريفالدو”، في ظروف صحية ونفسية متدهورة. ويعاني يوسف، وهو طالب جامعي، من مشاكل في العظام والجهاز الهضمي وأعراض نفسية حادة، بينما يحتاج شقيقه محمد، صانع المحتوى المعروف بـ”ريفالدو”، إلى رعاية صحية عاجلة بسبب الصعوبة في التنفس. وقد أصدرت النيابة العامة قرار عرضه على طبيب مختص، لكن إدارة السجن ترفض التنفيذ من دون أي سند قانوني.

إلى ذلك، يعاني الصحافي محمد سعد خطاب، المحبوس احتياطياً على ذمة القضية رقم 2063 لعام 2023، من مرض مناعي يسبب له قروحاً فموية مؤلمة، إضافة إلى قصور في الشريان التاجي، وضغط دم مرتفع، ومرض السكري. ورغم هذه القائمة المعقدة من الأمراض، لم يُعرض على أي طبيب، ولم يحصل على علاجات مناسبة، بل جُدِّد حبسه 45 يوماً، ما يعكس تجاهل حالته الصحية بالكامل.

وفي 6 مايو/ أيار الجاري، وثّقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان وفاة المعتقل السياسي بلال رأفت محمد علي (55 عاماً)، أحد سكان قرية بني قريش بمحافظة الشرقية، بعد إصابته بنزف حاد في المخ داخل مركز شرطة منيا القمح. وقد تعرض بلال، وهو من ذوي الإعاقة نتيجة إصابته بشلل الأطفال في صغره، للاعتقال خمس مرات، وكان يحتاج إلى معاملة صحية خاصة لم تتوفر له. وهو دخل في غيبوبة في 1 مايو، ونُقل إلى مستشفى منيا القمح حيث فارق الحياة من دون أن يتلقى العلاج المناسب. وهذه الوفاة هي الـ 14 لمعتقلين سياسيين هذا العام الحالي، وفقاً لما رصدته منظمات حقوقية.

في المقابل، قررت نيابة أمن الدولة العليا، في جلسة واحدة، إخلاء سبيل ما لا يقل عن 55 متهماً بـ15 قضية سياسية تعود إلى فترات بين عامي 2022 و2024. ووصفت منظمات مثل “مركز الشهاب” و”مؤسسة عدالة” القرار بأنه “إيجابي”، لكنه “لا يلغي واقع التجديد اليومي لعشرات القضايا الأخرى”، ومواصلة ما تسميه منظمات مثل “بلادي جزيرة الإنسانية” و”الجبهة المصرية لحقوق الإنسان” سياسة الباب الدوار، أي الإفراج عن البعض بالتوازي مع تدوير آخرين واحتجازهم.

ووثق تقرير “بلادي” إحالة 132 قضية سياسية على المحاكمة الجنائية منذ بداية عام 2024، تضم أكثر من 6000 شخص، بينهم أطفال، وأكثر من نصفهم محبوس احتياطياً. بينما أكدت “الجبهة المصرية” في تقريرها “صفر الإخلاءات مستمر”، أن دوائر الإرهاب لم تصدر أي قرار بإخلاء سبيل منذ نهاية عام 2023، رغم انعقاد أكثر من 100 جلسة للنظر في نحو 46 ألف قرار بتجديد الحبس.

إلى ذلك، نشرت الجريدة الرسمية قراراً أصدرته محكمة جنايات القاهرة بمد إدراج 11 مواطناً على قوائم الكيانات الإرهابية لمدة خمس سنوات إضافية في القضية رقم 571 لعام 2020. ويخضع هؤلاء لعقوبات المنع من السفر، وسحب جوازات السفر، والتحفظ على الأموال، ومنع ممارسة العمل السياسي أو المدني، ما يطرح تساؤلات عن استمرار معاقبة المعارضين حتى بعد الإفراج أو انتهاء فترات الحبس، بما يخالف أبسط معايير العدالة.

يرى حقوقيون أنّ بين قرارات الإفراج الواسعة ووقائع الإهمال الطبي المؤدي إلى الوفاة، واستمرار الإدراج على قوائم الإرهاب وتدوير القضايا، هناك أزمة أعمق تتمثل بغياب الإرادة السياسية في التعاطي مع ملف المعتقلين السياسيين في مصر.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here