افريقيا برس – مصر. تواجه جريدة “المصري اليوم” الخاصة في مصر أزمة مالية، نتيجة اتساع فجوة العجز بين إيراداتها ومصروفاتها، على وقع ممارسات التضييق من جانب السلطة الحاكمة حيال مالكها رجل الأعمال صلاح دياب. وهو التضييق الذي اضطره إلى بيع أسهمه في الجريدة لصالح جهات “سيادية” في الدولة، باعتبارها إحدى وسائل الإعلام “النادرة” التي لم يضع نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي يده عليها بشكل كامل حتى الآن.
وعقد رئيس تحرير الجريدة، الكاتب عبد اللطيف المناوي، اجتماعاً موسعاً مع العاملين فيها أخيراً، لإبلاغهم بقرار مجلس الإدارة الاستغناء عن 40 موظفاً من الصحافيين، والمراسلين، والمصورين، والإداريين، في إطار إجراءات ترشيد الإنفاق. كما وعد المصروفين بتسويات مالية، مع العلم أن الجريدة استغنت عن العشرات من زملائهم في أوقات سابقة، من دون منحهم حقوقهم.
وبحسب مصدر مطلع في “المصري اليوم”، فإن إدارة الجريدة خيّرت الصحافيين والإداريين المستغنى عنهم بين تقديم الاستقالة وتسوية مستحقاتهم المالية، أو تقديم إجازة من العمل من دون راتب، مع سداد العاملين تأميناتهم الاجتماعية كاملة عوضاً عن الجريدة، بدعوى “ما تواجهه من أزمة مالية طاحنة بسبب تراجع توزيع إصدارها اليومي، وما صاحب ذلك من انخفاض في المساحة الإعلانية”. الصحافيون في “المصري اليوم” يواجهون تضييقاً غير مسبوق
وقال المصدر لـ”العربي الجديد”، إن الصحافيين في الجريدة يواجهون تضييقاً غير مسبوق، يتمثل في عدم زيادة رواتبهم منذ قرابة سبع سنوات، في مخالفة لأحكام قانون العمل بشأن الزيادة السنوية على الراتب، على الرغم من تداعيات قرار تحرير سعر صرف العملة المحلية عام 2016، وانخفاض قيمة الجنيه بنحو 70 في المائة. إضافة إلى اقتصار عملهم على نشر البيانات الرسمية من دون غيرها، وحظر نشر أي مواد صحافية تنتقد أداء الوزارات أو الجهات الحكومية المختلفة.
وأضاف أن إدارة التحرير في الجريدة كشفت أنها ستجري مراجعة أخرى لأداء العاملين بعد مرور ستة أشهر، وهو ما يعني الاستغناء عن المزيد من الصحافيين والإداريين مستقبلاً. وفي حال حصل ذلك، فإنه ينطوي على تهديد حقيقي بعدم استمرار الجريدة، لا سيما مع وقف التعيينات فيها، أو على الأقل وقف طباعة إصدارها الورقي، والاكتفاء ببث المواد الإخبارية على موقعها الإلكتروني، على غرار عدد كبير من الصحف المصرية.
وتعاني الصحف الحكومية والخاصة والحزبية في مصر أزمات متلاحقة، بسبب ممارسات التضييق المستمرة من السلطة الحاكمة، التي لا تريد أن تسمع صوتاً مغايراً لتوجهاتها. وهو ما أدى إلى تسريح المئات من الصحافيين بذريعة تردّي الأوضاع الاقتصادية، وغالبيتهم من العاملين في صحف رئيسية مثل الشروق، والتحرير، والدستور، والفجر، والعالم اليوم، والصباح، والخميس، والوفد، والأهالي.
ولا يحظى الصحافي المسرّح من عمله في مصر بأي دعم من الدولة، سوى ما يتقاضاه من بدل شهري عن طريق نقابته بقيمة 2100 جنيه تقريباً (133 دولارا)، وهي الأزمة التي استفحلت بشدة خلال عام 2020 الذي شهد تسريح أعداد كبيرة من الصحافيين، جراء الأزمة المالية التي عانت منها الجرائد والمواقع الإلكترونية على اختلاف مصادر تمويلها، على خلفية أزمة تفشي فيروس كورونا في البلاد.
يأتي هذا وسط غياب تام للدور النقابي، ممثلاً في نقيب الصحافيين الحالي ضياء رشوان، ومجلس النقابة الذي اعتاد الصمت إزاء ممارسات تسريح الصحافيين، وتوقف الجرائد الخاصة والحزبية، بسبب التناحر المستمر بين فريقين داخل المجلس. فالنقيب يؤيد كل القرارات التعسفية ضد الصحافيين، حفاظاً على مصالحه الشخصية مع السلطة ورجال الأعمال، ومجلس النقابة يعارض تلك الإجراءات، ويكتفي بانتقادها على استحياء عبر منصات التواصل الاجتماعي. النقيب يؤيد كل القرارات التعسفية ضد الصحافيين
في سياق متصل، تشهد المؤسسات الصحافية القومية (الحكومية) حالة من الغضب المكتوم، بسبب الحديث المتواتر من رئيس وأعضاء الهيئة الوطنية للصحافة، المنوط بها الإشراف على أداء هذه المؤسسات بحكم الدستور، إزاء إعادة هيكلة مختلف الإصدارات اليومية والأسبوعية والشهرية، تمهيداً لخفض عدد الإصدارات داخل كل مؤسسة، والتحول تدريجياً نحو الصحافة الرقمية، بما يعني الاستغناء عن المزيد من الصحافيين أو إحالتهم إلى مهام وأعمال إدارية.
وأفاد أحد الصحافيين في مؤسسة “أخبار اليوم”، في حديث خاص، بأن الاجتماع الأخير لرئيس الهيئة الوطنية للصحافة عبد الصادق الشوربجي، مع رؤساء مجالس إدارات وتحرير المؤسسات الصحافية القومية، بحث سبل زيادة حصيلة الإعلانات داخلها، واستثمار أصولها سواء بالبيع أو التأجير، فضلاً عن استعراض مشروع “رقمنة” المؤسسات الصحافية الذي يعد باباً خلفياً لتسريح الصحافيين، على حد قوله.
وتشهد موجة استهداف الصحافيين المعارضين للنظام في مصر تصاعداً منذ انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، وحصد هذا الاستهداف حياة الكثيرين منهم، إما بقتلهم أثناء ممارسة عملهم في تغطية الأحداث والفعاليات المعارضة، أو اعتقالهم تعسفياً من دون أسباب ظاهرة، أو فصلهم من العمل، لا لشيء إلا كونهم معارضين للسيسي، أو ينتقدون سياساته في الغرف المغلقة، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وعقب الانقلاب العسكري في مصر، أغلقت العديد من المؤسسات الصحافية نتيجة تزايد الضغوط على المواقع المستقلة، فاضطر موقع “البديل” الإخباري إلى الإغلاق نهائياً في إبريل/نيسان 2018. واستدعيت رئيسة تحرير موقع “مدى مصر” لينا عطالله مرات عدة أمام جهات أمنية. علاوة على اقتحام السلطات مكتب وكالة “الأناضول” التركية للأنباء في القاهرة، وموقع “مصر العربية” مرتين، الأولى مطلع عام 2016، والثانية عقب الانتخابات الرئاسية في 2018.
وكان اعتقال مالك جريدة “المصري اليوم”، صلاح دياب، مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، وإخلاء سبيله بعد نحو 40 يوماً، قد جدد رسائل التهديد والقمع التي يتعمد السيسي، وأجهزته الأمنية والسيادية، توجيهها على فترات إلى رجال الأعمال والسياسيين الرافضين الانخراط في منظومة التأييد المطلق لسياسات النظام، والمصنفين منذ سنوات على أنها شخصيات معارضة أو “غير مأمونة الجانب”.
ومنذ عام 2015، لا يمر عام واحد من دون اتخاذ خطوات تصعيدية جديدة ضد دياب، بوصفه أحد رجال الأعمال القلائل الذين ما زالوا يحافظون على مصالحهم الاقتصادية في مجالات يتوسع فيها الجيش، وأجهزة النظام، كامتلاكه محطات الوقود “موبيل”، والمحاصيل الزراعية “بيكو”، وسلسلة محال الحلويات الشهيرة “لابوار”، ومتاجر “أون ذا رن”.
منذ عام 2015، لا يمر عام واحد من دون اتخاذ خطوات تصعيدية جديدة ضد صلاح دياب فيما تعرّض العشرات من الصحافيين المصريين للبطالة، إثر قرار غلق جريدة “التحرير” المملوكة لنجل شقيقة دياب، رجل الأعمال المعروف أكمل قرطام، بعد قرار السلطات حجب موقعها الإلكتروني للجريدة في منتصف مايو/أيار من العام الماضي.
وكان للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية) تعليق قانوني على فصل الصحافيين والإعلاميين بسبب الرأي، في تقرير سابق لها بعنوان “التجويع بسبب الرأي”، تطرقت فيه إلى شقين قانونيين لمسألة انتهاك حق المواطن في العمل، وحمايته من الفصل التعسفي، أو منعه من العمل، وفرض سياسات التجويع. الشق الأول متمثل في انتهاك معاهدات دولية موقعة عليها مصر، والثاني هو أحكام الدستور المصري نفسه.
وتنص المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن “لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان (من ضمنها الحق في العمل) دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً، وغير سياسي”.