صرخة حقوقية لإنهاء الحبس الاحتياطي السياسي

5
صرخة حقوقية لإنهاء الحبس الاحتياطي السياسي
صرخة حقوقية لإنهاء الحبس الاحتياطي السياسي

أفريقيا برس – مصر. مع تتابع قرارات نيابة أمن الدولة العليا في مصر بإخلاء سبيل العشرات من المحبوسين احتياطياً خلال الأيام القليلة الماضية، منهم نشطاء واجهوا اتهامات على خلفية التعبير عن التضامن مع فلسطين، ومشجعون رياضيون، وآخرون تجاوزوا الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي بسنوات، تجددت الدعوات الحقوقية الدولية والمحلية لإنهاء ملف السجناء السياسيين في البلاد. ورغم ترحيب المنظمات الحقوقية بهذه الخطوات الإيجابية، إلا أنها أكدت أن الحبس الاحتياطي تحول إلى عقوبة في قضايا الرأي، وبنية راسخة لقمع المعارضة السلمية، مطالبةً بمراجعة شاملة لإطلاق سراح الآلاف من المعتقلين.

ومن بين الإفراجات التي حظيت بتغطية واسعة اليوم الثلاثاء، قرار نيابة أمن الدولة بإخلاء سبيل الشاب عبد الجواد محمد عبد الجواد على ذمة القضية رقم 717 لسنة 2024. وتعود خلفية اعتقال محمد إلى مطلع مارس/ آذار الماضي عندما قُبض عليه عند وقوفه أعلى لوحة إعلانات شاهقة ممسكاً بعلم فلسطين، ويهتف تنديداً بأحداث غزة، وهو ما أدى إلى اقتياده للأمن الوطني واختفائه قسرياً قبل ظهوره لاحقاً أمام النيابة. وقد جاء الإفراج عنه وعن نحو عشرين متهماً آخرين في قضايا التضامن مع فلسطين، ليؤكد أن التعبير السلمي عن الرأي، أو التعاطف السياسي أصبح سبباً للحبس في مصر. وتطالب المنظمات بإخلاء سبيل باقي المحبوسين على خلفية هذه القضايا، بمن فيهم أطفال وآخرون، أوشكوا على قضاء الحد الأقصى القانوني لحبسهم.

في سياق متوازٍ، سلّطت “الشبكة المصرية لحقوق الإنسان” الضوء على ملف مشجعي الأندية الرياضية، حيث طالبت بالإفراج الفوري عن 27 مشجعاً من النادي الأهلي، محتجزين رهن الحبس الاحتياطي على خلفية 10 قضايا مختلفة تتعلق بتشجيعهم للنادي. وشددت الشبكة، في بيان اليوم، على أن غالبية هؤلاء هم من الشباب الذين اعتُقلوا في فترات وأماكن متفرقة، دون ارتكاب أي أعمال عنف أو مخالفة للقانون، مثمنةً في الوقت ذاته قيام النيابة أخيراً بإخلاء سبيل عدد من معتقلي نادي الزمالك في قضايا مشابهة. وطالبت الشبكة النائب العام بالتدخل العاجل لإنهاء معاناة مشجعي الأهلي، مشيرة إلى أن استمرار احتجازهم يمثل تمييزاً غير مبرر، يمسّ بحقوقهم الدستورية في التعبير والانتماء الرياضي السلمي.

في السياق، أكدت المنظمات الحقوقية أن الإفراجات الأخيرة جاءت لتصحيح مخالفات قانونية صارخة، خاصة في ما يتعلق بمدة الحبس الاحتياطي التي تجاوزت الحد الأقصى القانوني (سنتان). فمن ضمن المخلى سبيلهم، موكل “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” محمد شعلان عنتر (25 عاماً)، المتهم على ذمة “قضية صيادي برج مغيزل” (القضية 662 لسنة 2020)، والذي قضى أكثر من أربع سنوات في الحبس الاحتياطي. وتُعد هذه القضية مثالاً صارخاً، حيث ضمت 44 متهماً أغلبهم صيادون، توفي أحدهم أثناء حبسه، واستمر حبس معظمهم بمخالفة القانون، رغم إثبات محاميه أن عنتر كان مقيماً في إيطاليا قبل ظهور الاتهامات الموجهة إليه بجرائم إرهابية في ليبيا.

كما شملت الإفراجات متهمين في قضايا مثيرة للجدل مثل “ثورة الكرامة” (القضية 3434 لسنة 2024)، والتي ضمت أكثر من 120 متهماً على خلفية منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، انتقدوا فيها زيادة الأسعار، واستمرار قطع الكهرباء، حيث لم تواجه النيابة المتهمين بأي أدلة أو أحراز، سوى صور مأخوذة عن حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم إخلاء سبيل بعض المتهمين، إلا أن وزارة الداخلية لم تنفذ قرار الإفراج عن إحدى المتهمات، وهي ربة منزل قضت ما يقرب من عام ونصف العام في الحبس، وحُرمت من رعاية طفليها القاصرين، مما يسلط الضوء على تحديات تنفيذ القرارات حتى بعد صدورها.

وفي خضم الحديث عن الإفراجات، يتفاقم الوضع الصحي والقانوني للمدافعة عن حقوق الإنسان والمحامية هدى عبد المنعم، البالغة من العمر 66 عاماً، والمحتجزة احتياطياً منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. وتواجه عبد المنعم خطراً داهماً على حياتها، بسبب تدهور حالتها الصحية، والإهمال الطبي المتعمد داخل محبسها، وفقاً لالتماس الإفراج الصحي الذي قدّمته ابنتها جهاد خالد بدوي. وتُظهر تفاصيل الالتماس سجلاً طبياً مرعباً، حيث تعرضت الحقوقية هدى لأزمتين قلبيتين متتاليتين في 23 و30 أغسطس/ آب 2025، دون إبلاغ أسرتها بتدهور حالتها. كما أنها تعاني من قائمة طويلة من الأمراض المزمنة والخطيرة، أبرزها ضيق في شرايين المخ، ما ألزمها الفراش لمدة 12 يوماً، وأدى إلى عجزها التام عن الحركة في إحدى المراحل. وتعاني من جلطة مزمنة في الوريد العميق، مصحوبة بجلطات ممتدة في الرئة، وهو ما يستوجب انتظاماً دقيقاً في العلاج، إضافة إلى ارتفاع حاد في ضغط الدم، والتهابات شديدة في المفاصل. أما الوضع الأكثر حرجاً، فهو تدهور وظائف الكلى لديها بشكل خطير، حيث توقفت الكلية اليسرى تماماً عن العمل، مع وجود ارتجاع في الكلية اليمنى، فضلاً عن تعرضها سابقاً لذبحة صدرية داخل محبسها.

وفي مخالفة واضحة لأبسط ضمانات المحاكمة العادلة، تم تدوير هدى عبد المنعم على ذمة قضيتين جديدتين (800 و730 لسنة 2020) بنفس الاتهامات الواردة في القضية الأصلية (1552 لسنة 2018) التي صدر فيها حكم نهائي سابق، مما يجعل استمرار حبسها غير مبرر قانونياً ويهدد حياتها في ظل الإهمال الطبي المتراكم. ولطالما كان ملف السجناء السياسيين والحبس الاحتياطي في مصر محط انتقاد المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية، التي تشير تقاريرها إلى تحول إجراء الحبس الاحتياطي، المخصص لضمان استمرار التحقيقات، إلى عقوبة بحد ذاتها تطول لسنوات ضد آلاف النشطاء والمحامين والصحافيين الذين يتم اتهامهم بـ”الانضمام لجماعة إرهابية” أو “نشر أخبار كاذبة”، بناءً على أدلة واهية أو منشورات رأي.

وأكدت المنظمات أن إحدى أبرز الانتهاكات هو استخدام تكتيك “التدوير” لتمكين النيابة من اتهام المعتقل في قضايا جديدة بالتهم نفسها، قبل انتهاء فترة حبسه القانونية في القضية الأصلية، مما يمدد فترات الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمّى، ويتعارض مع مبادئ المحاكمة العادلة. كما أن النيابة العامة، في بيانها الأخير حول الإفراجات، أشارت إلى أن القرارات جاءت “في ضوء حرص النيابة العامة على تحقيق العدالة التي لا تقتصر على محاسبة مرتكبي الجرائم، بل تمتد لتشمل إعادة تأهيل المفرج عنهم ودمجهم في المجتمع”، وهو تعبير تراه المنظمات “مربكاً”، لأنه يتعامل مع النيابة ليس كسلطة اتهام أو تحقيق، بل كسلطة قضائية لا تفترض مبدأ البراءة للمتهمين.

ودعت المنظمات، وعلى رأسها المبادرة المصرية، إلى مراجعة شاملة وجادة لملف الحبس الاحتياطي على ذمة قضايا أمن الدولة، مطالبةً النيابة العامة بحفظ جميع القضايا المفتوحة منذ سنوات دون ظهور دليل جاد يثبت الاتهامات، وإخلاء سبيل جميع من تجاوزوا الحد الأقصى القانوني، مما يؤكد ضرورة تنفيذ التوجيهات بمراجعة موقف جميع المحبوسين بشكل دوري ومعلن.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here