ريتا الجمّال
أفريقيا برس – مصر. يواصل لبنان تكثيف اتصالاته الدولية من أجل لجم التصعيد الإسرائيلي وقطع الطريق أمام انزلاق الوضع الميداني، بيد أنه لم يحصل بعد على ضماناتٍ بذلك، بل على العكس يتعرّض لمنسوب مرتفع من الضغوط والتهديدات العلنية والمبطنة، خصوصاً من الجانب الأميركي، للإسراع بنزع سلاح حزب الله، رغم ما يقدّمه من طروحات وتنازلات عن بعض الثوابت، أبرزها قبوله بإشراك مدنيين في لجنة التفاوض مع إسرائيل.
وعلى وقع تصعيد الاحتلال عملياته العسكرية جنوباً وبقاعاً، ورفع سقف تهديداته تجاه بيروت بذريعة إعادة حزب الله بناء قوته، في مزاعم تحوز على دعم أميركي، سجّل في الأيام الماضية حراك للدفع نحو الحل الدبلوماسي، أبرزه أميركي ومصري وألماني، لكنّ لبنان لم يتلقَّ حتى الساعة أي جواب إسرائيلي، غير مباشر، أي عبر الوسطاء، بشأن التفاوض، مع تمسّك إسرائيل بضرورة أن تجرد الحكومة اللبنانية حزب الله من سلاحه وعدم السماح بتحويل لبنان مجدداً لجبهة ضدها.
وبحسب معلومات، فإنّه رغم أهمية اللقاءات التي أجرتها الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، إلا أن الحراك الأبرز كان ذلك الذي قام به مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد، الثلاثاء الماضي، بمقابلة المسؤولين اللبنانيين، إذ حمل إليهم مجموعة من المقترحات والأفكار التي يقوم الجانب اللبناني السياسي والأمني بدراستها، ومن المرتقب أن تتوسع المباحثات في الفترة المقبلة، في ظلّ سعي مصر للعب دور في حلّ الأزمة، مع الإشارة إلى أنّ هناك سرية محيطة بتفاصيل هذه الأفكار رغم ما يجري تسريبه إعلامياً، ولا سيما إسرائيلياً.
وتبعاً لمعلومات، فإن “رشاد أكد للمسؤولين اللبنانيين استعداد مصر للتوسّط بين لبنان وإسرائيل، وأن الحل يبقى وارداً على غرار ما حصل في غزة، كما رحّب بالخطوات التي تقوم بها الحكومة اللبنانية في إطار حصرية السلاح بيد الدولة، إلى جانب مواقف الرئيس جوزاف عون، مؤكداً ضرورة أن توقف إسرائيل اعتداءاتها على الأراضي اللبنانية وتنسحب من النقاط التي تحتلها جنوباً، خصوصاً في ظلّ انفتاح لبنان على التفاوض”. كذلك، وبحسب المعلومات، فإن “الجانب المصري أعرب عن قلقه إزاء التصعيد العسكري الإسرائيلي، مشدداً على ضرورة عدم إضاعة الوقت، وإيجاد مخرج لتجنّب أي انزلاق أكثر للوضع، وضرورة العمل على تثبيت وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي”.
وفي هذا الإطار، قالت مصادر رسمية لبنانية، إن “هناك تفاؤلاً بالدور الذي يمكن لمصر أن تلعبه، خصوصاً أنها تتفهم أكثر طبيعة لبنان السياسية، وتدعم الخطوات التي قامت بها الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني، كما تؤكد ضرورة أن توقف إسرائيل اعتداءاتها على لبنان”. وأشارت المصادر إلى أن “لبنان منفتح على الأفكار التي تُطرح، ولم يقف يوماً معرقلاً لها، وهو أيّد مبدئياً إدخال مدنيين إلى لجنة التفاوض، ومتمسّك بالتفاوض لتحرير الأسرى واسترجاع الأراضي المحتلة، بينما لا تجاوب بعد من الجانب الإسرائيلي المصمّم حتى اللحظة على مواصلة عدوانه، كما لا يمكن تصويب المطالب فقط على لبنان، فيما لا يُطلب أي شيء من إسرائيل، وهذه كانت رسالة المسؤولين اللبنانيين سواء إلى الأميركيين أو الألمان أو المصريين، بضرورة الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها، خصوصاً أن لبنان يقوم بكل ما يلزم، ويلتزم بالاتفاق، ومهام الجيش اللبناني دليل على ذلك، وهي حازت ترحيب هؤلاء، وكذلك تنويه رئيس لجنة الإشراف على وقف العمليات العدائية (ميكانيزم)، الأميركي جوزيف كليرفيلد”.
ولفتت المصادر إلى أن “وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول نوّه أيضاً بدور الجيش اللبناني، وأكد دعمه، وكذلك دعم قوات الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل)، كما الاستعداد للمساعدة أيضاً في حلّ الأزمة، وهو لم ينقل تحذيرات أو رسائل تهديد، لكنه تحدث عن ضرورة الإسراع في تطبيق حصرية السلاح، وقد تلقى من الجانب اللبناني تأكيداً على المضي بذلك، وأن عديد الجيش سيرتفع في الجنوب إلى عشرة آلاف جندي قبل نهاية العام الحالي، لكن هناك عراقيل تحول دون إتمام العملية في جنوب الليطاني بحلول نهاية العام، أبرزها استمرار إسرائيل باحتلالها نقاطاً في الجنوب، فكيف للجيش أن يستكمل انتشاره بينما هناك نقاط محتلة؟”.
وحول طلب الرئيس عون من قائد الجيش العماد رودولف هيكل تصدّي الجيش اللبناني لأي توغل إسرائيلي في الأراضي الجنوبية المحررة، وتداعيات خطوة كهذه، خصوصاً أنها لاقت اعتراض أطراف سياسية لبنانية، قالت المصادر إن “هذا القرار هو للدفاع عن لبنان وسلامة المواطنين، وهو ما أكد عليه عون، وهذا أقلّ واجب وطني، والجيش اللبناني استقدم تعزيزات وكثف تبعاً لذلك انتشاره في بعض المواقع الحدودية، وهو بحالة استنفار لأي عملية توغل”، مؤكدة أن “لبنان لا يسعى إلى مواجهة بين الجيش وإسرائيل، لكن ما حصل في بليدا من توغل لاغتيال موظف بلدي مدني، هو انتهاك خطير للسيادة ولا يمكن السكوت عنه”.
وأكد عون في مواقف له أن لبنان مستعد للمفاوضات من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لكن أي تفاوض لا يكون من جانب واحد، بل يحتاج إلى إرادة متبادلة، وهذا الأمر غير متوافر بعد، أما شكل التفاوض وزمانه ومكانه فيحدّد لاحقاً. ولا يزال لبنان الرسمي حتى الساعة متمسّكاً برفض أي مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، أو بضمّ دبلوماسيين وسياسيين إلى لجنة التفاوض، وذلك بعكس رغبة إسرائيل، ومن خلفها أميركا، التي يحضّ موفدها توماس برّاك على إجراء مفاوضات مباشرة، وذلك بينما يستمرّ برفع سقف مواقفه ضد حزب الله، واستخدامه لغة استعلائية تجاه لبنان، وقد وصف أخيراً لبنان بأنه دولة فاشلة.
وقال رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، أمس الأحد، ضمن كلمته في جامعة الدول العربية إن “رهاننا اليوم هو على إنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان، وحماية المدنيين، ودعم مسار الاعتراف بدولة فلسطين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية التي تبنيناها في قمة بيروت عام 2002، وإعلان نيويورك لحل الدولتين الذي رعته كل من المملكة العربية السعودية وفرنسا”. وأكد سلام أن “الدولة اللبنانية تعمل اليوم على الالتزام الحقيقي باتفاق الطائف الذي يشكل أساس دستورنا، وعلى تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 تنفيذاً كاملاً، انطلاقاً من إيمانها بالشرعية الدولية، وتمسّكها باستعادة سيادتها وبسط سلطتها على كامل أراضيها، وحرصها على استعادة الحياة في القرى الجنوبية وإعادة الإعمار”.
وتابع “لقد شهد العالم على التزام لبنان بوقف الأعمال العدائية، لكن الخروقات الإسرائيلية ما زالت مستمرة واحتلال أجزاء من أرضنا قائم، وملف الأسرى والمفقودين لم يُقفل بعد، من هنا ندعو أشقاءنا العرب إلى الضغط على المجتمع الدولي لإلزام إسرائيل بالانسحاب الكامل من أراضينا ووقف اعتداءاتها المتكررة وإطلاق سراح أسرانا”. ويوم الأحد، وقع لبنان ومصر خمس عشرة اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامجاً تنفيذياً في مجالاتٍ متعددة شملت الاقتصاد والتجارة، النقل، التعليم العالي، الزراعة، الطاقة، المالية، الإدارة العامة، البيئة، التنمية الإدارية، التعاون الصناعي، حماية المستهلك، وتنظيم العمل المشترك بين الأجهزة الرقابية في البلدين. وجاء ذلك في ختام أعمال الدورة العاشرة للجنة العليا اللبنانية – المصرية المشتركة، في القاهرة، برئاسة سلام ورئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وحضور عددٍ من الوزراء وكبار المسؤولين من الجانبين.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس
            




