ماذا يريد ساويرس من اقتصاد الجيش المصري؟

0
ماذا يريد ساويرس من اقتصاد الجيش المصري؟
ماذا يريد ساويرس من اقتصاد الجيش المصري؟

علاء البحار

أفريقيا برس – مصر. بكلّ جراءة وبشكل مفاجئ، وجه الملياردير المصري نجيب ساويرس انتقادات حادة لاشتغال الجيش المصري ببعض القطاعات الاقتصادية، ومنها صناعة البسكويت والجمبري. وقال إن دخول الجيش المصري إلى الاقتصاد يخيف المستثمرين والقطاع الخاص، وذلك لأنه معفىً من الضرائب والجمارك وأجور العمالة، ولم يكتف بذلك، بل عقد مقارنة للجيش المصري مع تسليح الجيش التركي.

وسارع ساويرس بتوضيح تصريحاته بعد موجة عارمة من انتقادات ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي وإعلاميين مؤيدين للنظام المصري لهذه التصريحات حيث نشر تغريدة على حسابه بمنصة “إكس” قال فيها: “إلى هواة الصيد في المياه العكرة من تنظيم الإخوان البغيض، وإلى الأستاذ الذي أمضي حياته بامتياز في التطبيل والتعريض وما زال مستمرا رغم أن الشعب قرف منه وعرف حقيقته… أعلمكم أن حديثي الأخير جاء لمحبتي وتقديري وحرصي على جيش مصر العظيم ورغبتي أن يكون في صدارة جيوش العالم”.

وكان ساويرس قال، في مقابلة خلال زيارته إلى جامعة هارفارد الأميركية، إن أنشطة الجيش الاقتصادية تزاحم وتنافس القطاع الخاص، معتبرا أن الجيش مطالب بتطوير الصناعات الدفاعية، وأوضح أنه “من العيب” أن تكون تركيا من أكبر مصدري السلاح بخاصة المسيّرات. وقال: “تركيا بتصنع سلاحها وإحنا الجيش بيبيع بسكويت وجمبري”.

ولا يحدث كثيراً أن تطرح مسألة اقتصاد الجيش في النقاش الإعلامي الداخلي، رغم أن صندوق النقد الدولي طالب من قبل بضرورة تقليص دور الجيش في أنشطة الاقتصاد. بل تناول ساويرس الموضوع نفسه في تصريحات سابقة طالب فيها بضرورة إبعاد الجيش عن الاقتصاد لأن ذلك يؤثر سلبا على القطاع الخاص، إذ إن شركات الجيش لا تدفع ضرائب كما أن لديها عمالة رخيصة عبر المجندين.

واللافت للانتباه أن ساويرس أثار هذا الموضوع في الخارج وتحديدا في أميركا، ولم يثره في مصر كما كان يفعل سابقاً. ويبدو أن رد الفعل الحاد للمؤيدين للنظام المصري ضد تصريحاته كان أحد أسبابها أن خطاب الملياردير المصري كان في فعالية خارجية (مقابلة خلال زيارته إلى جامعة هارفارد الأميركية).

وهو ما اتضح من خلال رد الإعلامي المؤيد للنظام مصطفى بكري الذي قال: “نجيب ساويرس رجل الأعمال الشهير ينصح الجيش المصري بأن يركز على الدفاع بدلا من بيع الجمبري والبسكويت.. قال ذلك في حديث بالصوت والصورة، ولي على ذلك تعليق أولاً: من العيب أن تتحدث عن جيش بلدك بهذه الطريقة، وأنت تعرف أن هذا الجيش العظيم هو الذي أنقذ البلاد، وهو الذي يحمي الأمن القومي المصري. ثانياً: هذ الجيش يرفع دوماً شعار يد تبني، ويد تحمل السلاح، ولولا الجيش ودوره في التنمية والبناء في هذه الفترة، لكانت البلاد عاشت في حالة انهيار وتراجع كبير”.

وبعيداً عن هذا التراشق بين الطرفين، إذا أردنا أن نفهم قصة اقتصاد الجيش بشكل واضح، يمكن أن نبدأها من زاوية مطالب صندوق النقد الدولي في هذا الصدد منذ سنوات. وكانت صحيفة فاينانشال تايمز أعدت تقريرا عن الوضع الاقتصادي في مصر والاتفاق مع صندوق النقد في يناير/ كانون الثاني عام 2023 بعنوان “مصر تتعهد بتقليص دور الجيش الكبير في الاقتصاد بموجب خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي”، للكاتب أندرو إنغلاند.

وقالت الصحيفة إن مصر التزمت بتقليص دور الجيش في الاقتصاد بوصفه جزءا من حزمة الإنقاذ التي قدمها صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار، في الوقت الذي تكافح فيه الدولة لمواجهة أزمة نقص العملة الأجنبية، وضعف الجنيه، وارتفاع معدلات التضخم.

وقال الصندوق في بيان إن الإصلاحات الهيكلية “الحاسمة” التي وافقت عليها القاهرة تشمل “تسوية الموقف بين القطاعين العام والخاص” باعتبارها جزءا من سياسة ملكية الدولة التي أقرها الرئيس عبد الفتاح السيسي. وأوضح أن السياسة ستغطي جميع الشركات المملوكة للدولة بما في ذلك “الشركات المملوكة للجيش”.

يذكر أن التزامات الحكومة المصرية جرى التعهد بها لصندوق النقد الدولي على سياسة ملكية الدولة الجديدة التي وضعتها الحكومة عام 2022. وتتعهد الوثيقة بأن تخرج الدولة بالكامل من 79 قطاعاً اقتصادياً وتخرج جزئياً من 45 قطاعاً آخر في غضون ثلاث سنوات، في مقابل زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات العامة من 30% إلى 65%.

ولم يعد الحديث عن تقليص دور الجيش في أنشطة الاقتصاد خطاً أحمر بعد أن تدخلت المؤسسة الدولية في هذا الملف باعتباره مؤثراً سلباً على مناخ المنافسة مع القطاع الخاص. وللعلم، فإنّ قيام الجيش بالدخول في أنشطة اقتصادية مدنية بدأ قبل تولي عبد الفتاح السياسي منصب الرئاسة في عام 2014، إلا أن الدور الاقتصادي للجيش اتسع بشكل كبير لدرجة أن بعض المراقبين أكدوا أن نسبة مشاركة الجيش في الاقتصاد تتعدى 50%، في حين أكدت الرواية الرسمية أنه لا يتعدى اثنين في المائة.

وقال السيسي، يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول 2016، إن حجم مشاركة القوات المسلحة في الاقتصاد الوطني يتراوح بين 1.5% و2%، موضحا أن حجم الاقتصاد المصري يتراوح بين 3 تريليونات جنيه و4 تريليونات جنيه (آنذاك في عام 2016). وأضاف: “كان ذُكر حجم الاقتصاد الخاص بالقوات المسلحة واللي اتقال إنه 20% و50%.. القوات المسلحة واحد ونص لاثنين في المائة من الاقتصاد”.

وحديث ساويرس المتكرر بشأن اقتصاد الجيش يسلط الضوء على تساؤلات مهمة يجب أن يسعى الجميع للإجابة عنها، ومنها: هل الحكومة المصرية جادة في تقليص دور الجيش في الاقتصاد؟ وماذا عن تداعيات مواصلة المؤسسة العسكرية العمل في عدد من القطاعات الإنتاجية والخدمية على المناخ الاستثماري؟ وهل القطاع الخاص المصري مؤهل لأن يحل محل القوات المسلحة في القطاعات التي يمكن أن ينسحب منها؟ وماذا يريد ساويرس من انتقاداته المتكررة لاقتصاد الجيش، بخاصة مع توجيه الاتهامات له بأنه من أكبر المستفيدين من المشروعات التي يطرحها الجيش؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here