أفريقيا برس – مصر. ينخرط مسؤولون مصريون هذه الأيام في مباحثات متقدمة مع نظرائهم الصينيين لتطوير التعاون العسكري بين القاهرة وبكين، ليشمل مجالات متعددة من بينها صفقات تسليح وتدريبات مشتركة وتبادل الخبرات في تكنولوجيا الدفاع، في سياق استراتيجية أوسع تتبناها مصر لتنويع مصادر التسلح وتعزيز القدرة العسكرية لمصر. وقالت مصادر مصرية مطلعة، إن اللقاءات التي تجري على مستويات مختلفة بين مسؤولين عسكريين مصريين وصينيين، تبحث جملة من المشاريع المقترحة لتعزيز التعاون الفني واللوجستي، بما في ذلك احتمالية توقيع عقود لتوريد أنظمة تسليح صينية حديثة، وإجراء تدريبات مشتركة في مجالات الدفاع الجوي، والحرب السيبرانية، ومكافحة الإرهاب.
مصر لا تسعى لاستبدال أميركا
وشددت المصادر على أن مصر لا تسعى إلى استبدال الولايات المتحدة بأي طرف آخر في مجال التسلح، إنما إلى صياغة سياسة أكثر تنوعاً واستقلالية. غير أن المصادر نفسها لفتت إلى أن “التغيرات التي يشهدها العالم، وتراجع بعض التفاهمات الضمنية في السياسات الأميركية، تفرض على القاهرة البحث عن بدائل تتماشى مع مصالحها السيادية، خصوصاً في ظل تحفظ واشنطن المتكرر على تزويد مصر بطائرات مقاتلة متطورة من طراز F-15″.
كما كشفت المصادر أن التعاون العسكري المصري لا يقتصر على الصين وحدها، بل يشمل أيضاً علاقات ممتدة مع روسيا والاتحاد الأوروبي، في إطار سعي مصر إلى إقامة توازن في علاقاتها الدفاعية، يمكنها من الحفاظ على استقلالية قرارها العسكري، وتطوير منظومات تسليحها بعيداً عن الضغوط السياسية.
وفي السياق، قال المستشار بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، إن الواقع يفرض على مصر التوسع في تنويع مصادر السلاح، ليس كونه خياراً استراتيجياً فقط، بل ضرورة عملية، موضحاً أن هناك أنواعاً من العتاد العسكري لا يمكن لمصر الحصول عليها من الولايات المتحدة بسبب التزام واشنطن بما يُعرف بـ”ضمان التفوق النوعي لإسرائيل”.
وأضاف ربيع أن بعض الأسلحة الأميركية التي قد تحصل عليها مصر تأتي بتحكمات رقمية مدمجة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يسمح للجهات المورِّدة بتقييد فاعليتها في نطاقات جغرافية معينة أو تعطيل بعض مكوناتها الحيوية، وهو ما يحد من استقلالية القرار العسكري المصري. وأشار إلى أن الصين وروسيا تمثلان القاعدة الأساسية لهذا التوجه، لكن الانفتاح على دول أخرى مثل فرنسا وألمانيا وحتى بعض الدول النامية مثل الهند والبرازيل يبقى خياراً مطروحاً. وشدد على أن المسألة لا تتعلق بالتنويع فقط، بل بالبحث عن الأفضل والأكثر قدرة على تحقيق الردع، “لأن مصر في منطقة ملتهبة، ومن المرجّح أن تبقى كذلك لفترة طويلة، وبالتالي فإن بناء قوة ردع تقليدية قوية أصبح أمراً لا غنى عنه”.
من ناحيته، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد الشافي، إن الدولة المصرية، من حيث الإمكانيات والموارد، تملك ما يؤهلها لضمان تفوقها العسكري دون الاعتماد المطلق على الولايات المتحدة، موضحاً أن “مصر تمتلك قدرات بشرية واقتصادية ومادية هائلة تمكّنها من أن تكون قوة فاعلة ومؤثرة في الإقليم، بغض النظر عن طبيعة التحديات التي تمر بها في المرحلة الراهنة”. ومع ذلك، أشار عبد الشافي إلى أن الواقع السياسي الحالي يجعل من الصعب على القاهرة اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه، نظراً لما وصفه بـ”الارتهان البنيوي” للولايات المتحدة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، بالتالي لا يمكن للسلطة المصرية أن تراهن على روسيا بصورة كاملة، ولا على الصين، وخصوصاً بعد الانتكاسات التي منيت بها أنظمة حليفة لموسكو وبكين في المنطقة العربية، مثل أنظمة بشار الأسد ومعمر القذافي وعمر البشير.
بناء تحالفات استراتيجية إقليمية
وبرأي عبد الشافي، فإنّ البديل الحقيقي أمام مصر في هذه المرحلة ليس في البحث عن مظلة روسية أو صينية، بل في “بناء تحالفات استراتيجية إقليمية فعالة”، وعلى رأسها مع تركيا. وشدد على أن “تقديم الدعم الحقيقي لحركات المقاومة الفلسطينية، وفي القلب منها غزة، هو ما يمكن أن يعزز الأمن القومي المصري والعربي، وليس التوسع في صفقات السلاح مع قوى كبرى ذات حسابات خاصة، قد لا تتطابق مع المصالح المصرية في لحظة التحدي”.
بدوره، قال الخبير في الشؤون الأميركية والشرق الأوسط، توفيق طعمة، إن توجه مصر نحو تنويع مصادر تسليحها يأتي في سياق سعيها لضمان قدر من الاستقلالية الاستراتيجية والردع العسكري، في مواجهة ما وصفه بـ”العربدة الإسرائيلية” ومساعي تل أبيب الدائمة للحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة. مع ذلك، حذر طعمة من أن هذا المسار محفوف بتحديات كبيرة، أبرزها الضغوط الأميركية المحتملة، وما قد يترتب عليها من تقليص الدعم الغربي، خاصة في ظل الاعتماد الكبير للبنية العسكرية المصرية، على التسليح الأميركي في مجالات التدريب والقطع الحساسة وقطع الغيار.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس