أفريقيا برس – مصر. في يوم واحد، وأمام دوائر الإرهاب الاستثنائية، مثل ثلاثة من الوجوه المرتبطة بالتيارات الإسلامية المختلفة، أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ في مصر، في ثلاث محاكمات سياسية منفصلة اتفقت في التوقيت وتكاد تتطابق في الاتهامات، واختلفت فقط في خلفيات المتهمين. ونُظرَت الجلسات الثلاث، الثلاثاء، في مقر محكمة طوارئ أمن الدولة في معهد أمناء الشرطة بطره، وشملت، محاكمة أحمد عبد المنعم أبو الفتوح، نجل السياسي المعروف ورئيس حزب مصر القوية المعتقل منذ سنوات، ومحاكمة أنس ومصطفى الهضيبي، حفيدي المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين حسن الهضيبي، وكذلك تحديد جلسة محاكمة الداعية السلفي محمود شعبان، مع عدد من قيادات الجبهة السلفية.
ورغم اختلاف خلفيات المتهمين بين الدعوي والسياسي، فإن القضايا الثلاث توحدت في نمط الاتهام، إذ يواجه الجميع تُهماً تقليدية متكررة، أبرزها: “الانضمام إلى جماعة إرهابية”، و”نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن والسلم العام”، و”التحريض على مؤسسات الدولة”، وهي التهم التي كثيرًا ما وُجّهت في قضايا ذات طابع سياسي منذ 2013.
وعقدت الدائرة الثالثة إرهاب بمحكمة جنايات أمن الدولة طوارئ في مجمع محاكم بدر، الثلاثاء، جلسة إعادة محاكمة أحمد عبد المنعم أبو الفتوح، نجل المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب “مصر القوية”، في القضية التي سبق أن صدر فيها حكم غيابي ضده بالسجن عشر سنوات على خلفية اتهامه بـ”الانضمام إلى جماعة إرهابية”. وفي ختام جلسة اليوم، قررت المحكمة حجز القضية للحكم في جلسة 28 يوليو/تموز المقبل، وذلك بعد الاستماع إلى مرافعات هيئة الدفاع عن المتهم.
وخلال الجلسة، التي شهدت حضوراً قانونياً لافتاً، قدّم فريق الدفاع، المكوّن من محمد سليم العوا والمحامي أحمد أبو العلا ماضي، مرافعة مطولة أمام هيئة المحكمة، استعرض فيها جملة من الدفوع القانونية التي تفند الاتهامات المسندة إلى نجل أبو الفتوح، مشددَين على افتقار القضية إلى الأسانيد المادية التي يمكن الركون إليها باعتبارها دليل إدانة.
وأكد الدفاع أن التهمة المنسوبة إلى موكله، وهي “الانضمام إلى جماعة إرهابية”، تفتقر إلى وقائع واضحة وأدلة ملموسة تربط أحمد عبد المنعم بأي سلوك إجرامي أو نشاط تنظيمي، مشيرين إلى أن أوراق القضية تخلو من دلائل قاطعة أو إجراءات رصد أو مراقبة يمكن البناء عليها قانوناً.
وخلال مرافعته أمام المحكمة، أشار العوا إلى أن القضية في جوهرها تندرج ضمن نمط من القضايا ذات الطابع السياسي التي افتقرت، بحسب وصفه، إلى شروط العدالة الجنائية المتعارف عليها في النظام القانوني المصري والدولي، مضيفاً أن الاتهام المسند إلى المتهم لا يقوم إلا على تحريات أمنية “مكتبية” لا ترقى إلى مرتبة الدليل القضائي، ولا تكفي وحدها لتأسيس حكم بالإدانة.
فيما دفع المحامي أحمد أبو العلا ماضي ببطلان الحكم الغيابي السابق، مستنداً إلى الإجراءات القانونية التي بادر بها المتهم فور اعتقاله، إذ تقدم بطلب رسمي لإعادة إجراءات المحاكمة بمجرد عرضه على نيابة التجمع الخامس، وهو ما يجعل من حقه الحصول على محاكمة جديدة تراعى فيها كافة الضمانات القانونية والدستورية.
وكان أحمد عبد المنعم أبو الفتوح قد اعتقل قبل أسابيع أثناء وجوده في وحدة مرور القطامية بالقاهرة الجديدة، إذ كان يباشر إجراءات تجديد رخصة سيارته. وأُودع لاحقاً في سجن العاشر من رمضان – تأهيل 2، تنفيذاً للحكم الغيابي الصادر بحقه بالسجن عشر سنوات. ورغم التماس الدفاع في الجلسة السابقة إخلاء سبيل موكله بأي ضمان تراه المحكمة مناسباً، فإن الدائرة الثالثة إرهاب رفضت هذا الطلب، واستمرت في نظر القضية مع استمرار حبس المتهم احتياطياً.
وكانت الجلسة الإجرائية الأولى التي عُقدت أواخر إبريل/نيسان الماضي قد شهدت نفي المتهم للتهمة المنسوبة إليه، فيما قامت النيابة العامة بتلاوة أمر الإحالة الذي اقتصر مضمونه على اتهامه بالانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، دون ذكر وقائع تفصيلية أو أدلة نوعية.
وأثارت القضية منذ بدايتها ردات فعل حقوقية واسعة، إذ اعتبرت منظمات محلية ودولية أن الحكم الغيابي الصادر ضد نجل أبو الفتوح يأتي في سياق سلسلة من المحاكمات السياسية التي تستند إلى تشريعات استثنائية، وعلى رأسها قانون مكافحة الإرهاب، الذي يُستخدم، بحسب بيانات تلك المنظمات، لتضييق الخناق على المعارضين والنشطاء السياسيين.
وكان والد المتهم، عبد المنعم أبو الفتوح، قد صدر بحقه في مايو/أيار 2022 حكم بالسجن المشدد لمدة 15 عاماً، في القضية ذاتها التي تضم عدداً من الشخصيات العامة، وذلك بتهم شملت “نشر أخبار كاذبة” و”الانضمام إلى جماعة إرهابية”. وتواصل منظمات حقوقية مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” المطالبة بالإفراج عن أبو الفتوح، مؤكدة أن محاكمته تفتقر إلى شروط المحاكمة العادلة، وأن حبسه يمثل اضطهاداً سياسياً مقنّعاً بغلاف قانوني.
ويُشار إلى أن أحمد عبد المنعم أبو الفتوح تمكّن منذ اعتقاله من التواصل مع أسرته، التي أدخلت له زيارة طلبية داخل محبسه، كما سُمح لها بزيارته لأول مرة مباشرة يوم 28 إبريل الماضي، بعد يوم كامل من الغموض بشأن مكان احتجازه، وهو ما أثار وقتها مخاوف حقوقية بشأن ظروف احتجازه وضمان تمتعه بحقوقه القانونية.
وتظل الأنظار موجهة إلى جلسة 28 يوليو/تموز المقبل، والتي ستُصدر فيها محكمة أمن الدولة طوارئ حكمها في القضية، وسط توقعات بأن تمثل هذه الجلسة لحظة فارقة في مسار ملف قانوني وسياسي شائك لطالما أثار جدلاً في الأوساط الحقوقية داخل مصر وخارجها.
التدوير يعود مجدداً
في الجلسة الثانية من اليوم نفسه، عقدت المحكمة أولى جلسات محاكمة نجلي حسن الهضيبي، المرشد العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب عدد من المتهمين الآخرين، في القضية الجديدة التي أعيد تدويرهم فيها، والتي حملت الرقم 482 لسنة 2021 حصر أمن دولة عليا.
وعلى الرغم من الأهمية السياسية والقانونية للقضية، فإن جلسة اليوم اتخذت الطابع الإجرائي الروتيني؛ حيث اكتفت المحكمة بتلاوة أمر الإحالة وإثبات حضور المتهمين ومواجهتهم بالاتهامات المنسوبة إليهم، وهي الاتهامات التي أنكرها جميع المتهمين، مؤكدين أنها اتهامات “سياسية وغير منطقية”، صادرة في توقيت كانوا فيه أساسًا رهن الاعتقال الاحتياطي على ذمة قضية أخرى، في إشارة إلى ما يُعرف بإعادة التدوير أو “إعادة الاتهام داخل الحبس”. وفي ختام الجلسة، قررت المحكمة تأجيل نظر القضية إلى جلسة 13 سبتمبر/ أيلول المقبل للاطلاع وتحضير الدفاع.
المتهمان الرئيسيان في القضية هما، أحمد إسماعيل حسن الهضيبي، حاصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من الجامعة الأميركية بمصر، ومحمد إسماعيل حسن الهضيبي، حاصل على بكالوريوس طب وجراحة الفم والأسنان من كلية القصر العيني بجامعة القاهرة. وهما اثنان من أبناء حسن الهضيبي، الذي تولى منصب المرشد العام الثاني لجماعة الإخوان المسلمين بعد اغتيال مؤسسها حسن البنا، ما يضفي على القضية أبعادًا تاريخية وسياسية إضافية، ويعيد إلى الواجهة صراعًا طال أمده بين الدولة والجماعة التي صُنّفت رسميًا كـ”إرهابية” منذ عام 2013.
وجهت نيابة أمن الدولة العليا إلى المتهمين مجموعة من الاتهامات ذات الطابع السياسي والأمني، جاء في مقدمتها الانضمام إلى جماعة إرهابية أُسست على خلاف أحكام القانون والدستور، والمشاركة في تحقيق أهداف الجماعة الإرهابية، وتلقي تمويلات بغرض تنفيذ أهداف إرهابية.
وفي سياق متصل، حددت محكمة استئناف القاهرة، الثلاثاء، جلسة الثالث والعشرين من يونيو/ حزيران الجاري، موعدًا لنظر أولى جلسات المحاكمة الجنائية للداعية الإسلامي محمود شعبان، الأستاذ بجامعة الأزهر، و36 مصرياً آخرين من بينهم عدد من أعضاء وقيادات الجبهة السلفية، وذلك في القضية رقم 595 لسنة 2021 تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا، والمعروفة إعلامياً بقضية تنظيم “الجبهة السلفية” وإحياء ما سمته السلطات “الجهاز السري للتنظيم” تحت مسمى “لجان العمليات النوعية”.
تتضمن لائحة الاتهام الرسمية في القضية، اتهامات عدة وجهتها السلطات المصرية إلى المتهمين، أبرزها: الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون والدستور، بغرض تعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة من أداء أعمالها، إلى جانب الإضرار بالسلم الاجتماعي والاعتداء على الحقوق والحريات العامة للمواطنين، واستهداف عناصر من الجيش والشرطة.
ووفقًا لتحريات الأجهزة الأمنية، فإن قياديي الجبهة السلفية المعنيين في القضية، وعلى رأسهم الدكتور إسلام الصياد، والدكتور هشام مشالي، والدكتور أشرف عبد المنعم، متهمون بإعادة إحياء هيكل التنظيم السري للجبهة، عبر تأسيس ما يعرف بـ”لجان العمليات النوعية”، وتكليف عناصر تابعة لهم بتنفيذ عمليات نوعية تستهدف تقويض الاستقرار، ونشر الشائعات بغرض إحداث حالة من الفوضى والاحتقان المجتمعي، والتحريض على النزول إلى الشارع وتصعيد التحركات المناهضة لمؤسسات الدولة.
أما الاتهام الأكثر إثارة للجدل في القضية، فيخص الداعية محمود شعبان، الذي تشير أوراق الاتهام إلى أنه “تواجد في منطقة كرداسة بمحافظة الجيزة بين عامي 2019 و2021″، حيث يُزعم أنه أسس مجموعة متطرفة باسم “المقنعين” تعمل على نشر أفكار تكفيرية وتحرض على استهداف رجال الجيش والشرطة بالتصفية الجسدية.
لكن المفارقة التي فجّرتها هيئة الدفاع عنه، أنّ شعبان، حسب سجلات السجون، كان محتجزًا خلال الفترة المشار إليها بسجن طرة الاستقبال، قيد الحبس الاحتياطي على ذمة قضايا أخرى، ما يطرح تساؤلات قانونية حول كيفية قيامه بتلك الأفعال في ظل احتجازه المؤسسي الرسمي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس