مصر تترقب تصاعد الصراع غربي السودان وتداعياته على أمنها القومي

2
مصر تترقب تصاعد الصراع غربي السودان وتداعياته على أمنها القومي
مصر تترقب تصاعد الصراع غربي السودان وتداعياته على أمنها القومي

أفريقيا برس – مصر. قالت مصادر مصرية ذات صلة بملف السودان إن القاهرة تنظر بقلق إلى ما تشهده الساحة السودانية من تطورات في إقليم دارفور وفي غرب البلاد من تصعيد غير مسبوق في حدة القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط حصار خانق يطاول مدينة الفاشر، عاصمة إقليم شمال السودان وآخر حواضر الإقليم التي ما زالت تقاوم السقوط. وأضافت المصادر أن ما يزيد من قتامة المشهد إعلان “الدعم السريع” قبل أيام تشكيل حكومة موازية في نيالا، وهو ما تعتبره مصر والإقليم مؤشراً خطيراً على مخاطر تقسيم البلاد.

وتحولت مدينة الفاشر، شمال دارفور، إلى بؤرة مأساة إنسانية بعد أكثر من 500 يوم من الحصار، حيث قُطع الطريق أمام وصول المساعدات، وسط اتهامات للأطراف المتصارعة باستخدام التجويع سلاح حرب. وحذرت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة من أن أكثر من ربع مليون مدني محاصرون داخل المدينة، بينهم آلاف الأطفال المهددين بالمجاعة والأوبئة.

وفي موازاة الحرب، ضرب انهيار أرضي قرى في جبال مرة (ولاية وسط دارفور) أواخر أغسطس/آب الماضي، وأدى إلى مقتل المئات وتشريد الآلاف، ما كشف هشاشة الأوضاع الإنسانية وغياب أي قدرة محلية على التعامل مع الكوارث الطبيعية في مناطق النزاع.

وفتح إعلان قوات الدعم السريع تشكيل إدارة سياسية من نيالا الباب واسعاً أمام تكريس سلطتها على أجزاء واسعة من دارفور وكردفان. واعتبر مراقبون الخطوة محاولة لفرض أمر واقع سياسي، بينما أكدت مصر رفضها “أي ترتيبات موازية خارج إطار الدولة السودانية”. ويرى دبلوماسيون أن هذه التطورات تضع القاهرة أمام معادلة صعبة، وهي دعم وحدة السودان من ناحية، ومواجهة تمدد “الدعم السريع” إلى تخوم حدودها الغربية من ناحية أخرى.

سيطرة “الدعم” على مثلث السودان ومصر وليبيا

وجاء أخطر التطورات على الأمن القومي المصري مع إعلان “الدعم السريع” السيطرة على المثلث الحدودي الذي يربط السودان بمصر وليبيا. هذه المنطقة الوعرة تعد شرياناً قديماً لطرق التهريب وتجارة السلاح والذهب والبشر، وتحوّلها إلى ساحة نفوذ لفصيل مسلح يضع مصر أمام تحديات متزايدة على حدودها الغربية والجنوبية. وربطت مصادر أمنية مصرية بين ما يجري في المثلث الحدودي وما يحدث في جنوب ليبيا، مشيرة إلى أن تمدد شبكات تهريب السلاح والمرتزقة عبر هذه المسالك يفرض على القاهرة رفع مستوى التنسيق الاستخباري وتعزيز الرقابة الجوية والبرّية.

وفي الجانب الإنساني، تستضيف مصر اليوم أكبر عدد من اللاجئين السودانيين منذ اندلاع الحرب، إذ تؤكد بيانات الأمم المتحدة أن السودانيين يمثلون ثلاثة أرباع مجمل اللاجئين المسجلين في البلاد، بما يفوق 900 ألف شخص. ويرى خبراء أن استمرار النزاع في دارفور وكردفان سيؤدي إلى موجات لجوء جديدة.

مصر مع وحدة السودان

على الصعيد السياسي، تحاول مصر التمسك بدورها وسيطاً داعماً وحدةَ السودان، لكنها تواجه تحديات معقدة في ظلّ تعدد الأجندات الإقليمية والدولية. فبينما تُتهم أطراف إقليمية بتسليح “الدعم السريع” وتمويلها، تزداد المخاوف من أن يتحول الصراع إلى حرب وكالة طويلة الأمد، ما يصعّب على القاهرة فرض تسوية أو ضمان حدود آمنة.

وأكد السفير حسام عيسى، مساعد وزير الخارجية المصري ومدير إدارة السودان وجنوب السودان السابق، أن إعلان ما يسمى بـ”الحكومة الموازية” في دارفور “لن يؤثر على الموقف المصري على الإطلاق”، موضحاً أن القاهرة رفضت هذه الخطوة بشكل قاطع، وأنها تعتبرها “غير شرعية”. وأضاف عيسى أن “هناك حكومة شرعية واحدة فقط هي حكومة الدكتور كامل إدريس، ورئيس مجلس السيادة الشرعي هو الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وهو الجهة الوحيدة التي تتعامل معها مصر”. وأوضح أن “الأوراق المصرية واضحة، فالقاهرة تقدّم الدعم الكامل للحكومة الشرعية، سواء سياسياً أو تنموياً أو عبر التنسيق المباشر”، لافتاً إلى أن مصر على وشك الانتهاء من إعادة بناء اثنين من الكباري (الجسور) الحيوية التي دُمّرت خلال الحرب، هما كوبري شنباط وكوبري حلفاية، إلى جانب مشاريع أخرى يجرى استئنافها حالياً في مجالات النقل والزراعة والصناعة.

وحول فرص الوساطة، اعتبر عيسى أن “التوقيت الحالي غير مناسب على الإطلاق للحديث عن أي دور وساطة في ظلّ التصعيد المستمر من جانب قوات الدعم السريع وخطواتها الأخيرة التي تسعى لتقسيم السودان والاحتفاظ بالسلطة”. وأشار إلى أن جميع جهود الوساطة توقفت منذ مؤتمر جنيف في أغسطس 2024 الذي شاركت فيه القوى الدولية المؤثرة ولم يحقق أي استجابة. كما أن “الاجتماعات الرباعية التي كان من المقرر عقدها في واشنطن لم تنعقد، ما يعكس أن الظروف غير مؤاتية حالياً لأي تحرك وسطي”، وفق رأيه.

في المقابل، قالت الدكتورة نجلاء مرعي الخبيرة في الشؤون الأفريقية، إن خطوة محمد حمدان دقلو (حميدتي – قائد الدعم السريع) بإعلان حكومة موازية في دارفور وأداء أعضاء مجلسها اليمين الدستورية قوبلت برفض واسع من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومصر، مؤكدة أنه “لا توجد أي دولة حتى الآن اعترفت بهذه الإدارة”. وأضافت أن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي وصف الخطوة بأنها محاولة لتقسيم السودان، ودعا المجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بالحكومة الموازية، بينما لم يصدر أي موقف داعم لها حتى من الولايات المتحدة، التي كانت قد أجّلت اجتماعاً رباعياً مع وسطاء إقليميين ودوليين، وهو ما استغله حميدتي لتثبيت سلطته على الأرض. واعتبرت مرعي أن هذه الخطوة تمثل “ضربة لمفاصل الدولة السودانية”، وتكشف أن حميدتي “لا يريد التوصل إلى حلّ للأزمة”، خصوصاً في ظلّ ما وصفته بـ”الدعم الذي يتلقاه من بعض الدول”، بينما فشلت واشنطن في فرض عقوبات فعّالة عليه. وأشارت إلى أن الخرطوم بادرت أخيراً إلى قطع بعض العلاقات، ومنها مع الإمارات، في محاولة لعزل الدعم السريع.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here