أفريقيا برس – مصر. تنظر القاهرة بعين الحذر إلى إعلان بعثة الأمم المتحدة في ليبيا مسار “الحوار المهيكل”، وسط قلق متزايد من أن يكون محاولة لتهميش القوى الفاعلة في الشرق الليبي، الحليفة للقيادة المصرية. يأتي ذلك بينما تتابع الأجهزة المصرية عن كثب تنامي النفوذ العسكري لقوات الدعم السريع السودانية في دارفور، واتصالاتها المتزايدة مع قوى ليبية مسلحة، ما يثير مخاوف من تحول المثلث الحدودي بين مصر وليبيا والسودان إلى بؤرة تهديد للأمن القومي المصري.
وكانت البعثة الأممية أعلنت، أخيراً، فتح باب الترشح لعضوية “الحوار المهيكل”، والذي يستهدف إشراك القادة المجتمعيين في العملية السياسية الرامية للوصول إلى إجراء انتخابات عامة في البلاد. وسيضمّ هذا الحوار ممثلين عن القبائل والمجتمع المدني “لتقديم توصيات سياسية” بشأن الاقتصاد والأمن والحكومة والمصالحة الوطنية. وتعوّل المبعوثة الأممية هانا تيتيه على أن يمنح “الحوار المهيكل” زخماً مجتمعياً قد يضغط على الأجسام السياسية التقليدية المتعثرة، كمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، اللذين فشلا حتى الآن في إنجاز المرحلة الأولى من الخطة الأممية. غير أن التجارب السابقة تجعل القاهرة تشكك في قدرة هذه الآلية على إحداث اختراق حقيقي، ما لم تقرن بتفاهم سياسي إقليمي أوسع يضمن مشاركة جميع الأطراف الليبية المؤثرة.
قلق وتحفظ على التحركات الأممية في ليبيا
وتتابع القاهرة التحركات الأممية الجديدة في ليبيا بمزيج من التحفّظ والترقّب. ووفق مصادر مطلعة، فإن اتصال وزير الخارجية بدر عبد العاطي بكبير مستشاري الرئيس الأميركي مسعد بولس، في 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تطرّق بالتفصيل إلى تطورات المسار الأممي والردود الليبية عليه، مع تأكيد مشترك على أهمية توحيد المؤسسات الليبية قبل أي استحقاق انتخابي، ورفض محاولات تجاوز مجلس النواب أو فرض ترتيبات خارجية على الداخل الليبي. وتناول الاتصال بين عبد العاطي وبولس، بحسب بيان الخارجية المصرية وقتها، أهمية تنسيق الجهود الدولية والإقليمية لدعم مسار الحل الليبي، إلى جانب التشديد على ضرورة خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وهي نقطة تعتبرها القاهرة حجر الزاوية في أي تسوية. وتؤكد مصر أن الوجود العسكري الأجنبي، سواء التركي أو الروسي، لا بد أن يخضع لتفاهمات أمنية شاملة تضمن عدم تحوله إلى ورقة ضغط على حدودها الغربية.
وترى القاهرة أن أي عملية سياسية ناجحة يجب أن تراعي توازن القوى بين الشرق والغرب الليبيين، وألا تهمّش القوى الأمنية والسياسية في برقة، التي تمثل حائط صد تقليديا ضد تمدد الفوضى نحو الحدود المصرية. كما تعتبر أن تشكيل حكومة موحدة جديدة، دون توافق حقيقي، قد يعيد ليبيا إلى نقطة الصفر، خصوصاً في ظل الخلاف المستمر حول القوانين الانتخابية وآلية اختيار مجلس إدارة المفوضية العليا للانتخابات.
وترى دوائر القرار في القاهرة أن استقرار ليبيا لم يعد ملفاً سياسياً فحسب، بل بات مكوناً رئيسياً من منظومة أمنها القومي الممتدة، في ظل الأزمات المتشابكة في الجنوب (السودان) والشرق (غزة والبحر الأحمر). لذلك، فإن الموقف المصري يتجاوز الدفاع عن حليف أو معسكر داخل ليبيا إلى السعي لضبط التوازنات الإقليمية ومنع تشكّل محاور عسكرية معادية قرب حدودها.
تهديدات متشابكة لمصر
وفي السياق، يقول مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية الشريف عبد الله، إن مصر تمر حالياً بواحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخها الحديث، لا سيما خلال العشرين عاماً الأخيرة، إذ تحيط بها “دوائر من التهديدات المتشابكة” تشمل الشرق الليبي، وشرق القناة (سيناء)، والحدود الجنوبية مع السودان، وأمن البحر الأحمر، وهي جميعها ملفات مفتوحة تشكّل تحديا متزامناً لقدرة الدولة المصرية على إدارة توازنات الأمن القومي.
وفي ما يخص ليبيا، يرى الشريف عبد الله أن الملف الليبي بات “الأقل تعقيداً” بالنسبة لمصر في الوقت الراهن، خصوصاً بعد التفاهمات الأخيرة بين القاهرة وأنقرة حول ترتيبات الملف الليبي، والتي ساهمت في تخفيف حدة التنافس بين الطرفين في الشرق الليبي. وأوضح أن موقف مصر من المسار الأممي واضح في دعمه لجهود البعثة، بالتوازي مع استمرار دعمها للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر ومؤسسات شرق ليبيا.
من ناحيته، يقول الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة إسطنبول أيدن، الدكتور عمار فايد، إنّ ملف ليبيا يشهد في الوقت الراهن عملية “إعادة ضبط شاملة” للعلاقات والتحالفات، من دون أن تتضح بعد جميع تفاصيلها أو مدى توافقها مع الرؤية المصرية. ويوضح فايد أن تركيا حققت خلال الأشهر الأخيرة تقدماً لافتاً في تطوير علاقاتها مع الشرق الليبي، مشيراً إلى أن هذا التقدم لا يقتصر على التعاون العسكري أو التنسيق الأمني، بل شمل أيضاً تحرك البرلمان الموالي لحفتر نحو التصديق على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقّعة سابقاً بين أنقرة وحكومة فايز السراج في العام 2019. ويعتبر فايد أن هذه الخطوة لا تتماشى مع الموقف المصري المعروف برفضه لتلك الاتفاقية، وأن المضي في تنفيذها “سيكون بمثابة اختبار لحدود التأثير المصري على حلفائها التقليديين في شرق ليبيا”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس
            




