أفريقيا برس – مصر. قررت مصر إرجاء تسمية سفير جديد في تل أبيب وعدم قبول تعيين أوري روثمان سفيراً إسرائيلياً جديداً في القاهرة خلفاً للسفيرة أميرة أورون، التي انتهت مهمتها في خريف 2024، من دون سقف زمني محدد، في خطوة تعكس عمق الجمود الذي أصاب العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ورفض القاهرة المتكرر لسياسات الاحتلال في القطاع. وأكدت مصادر دبلوماسية أن الحركة الدبلوماسية السنوية التي تعدّها وزارة الخارجية المصرية لتعيين السفراء في عدد من العواصم، صدرت من دون تعيين سفير جديد في تل أبيب، خلفاً للسفير السابق خالد عزمي، الذي أنهى مهامه منذ أشهر وعاد إلى ديوان الوزارة دون أن يُعيّن بديل له حتى الآن. وظل السفير طارق دحروج ضمن أبرز المرشحين لتولي المنصب في دورة 2025 حين كان يشغل منصب مدير إدارة ليبيا في ديوان وزارة الخارجية، والمعروف بخبرته في الملفات الإقليمية الحساسة، غير أن القرار النهائي اتجه نحو تعيينه الأسبوع الماضي سفيراً لمصر في باريس بدلاً من تل أبيب.
الخلافات بين مصر وإسرائيل
وأكدت المصادر أن قرار التجميد يرتبط مباشرة بـ”استمرار السياسات العدوانية الإسرائيلية في قطاع غزة، وتصاعد الخلافات بين مصر وتل أبيب بشأن إدارة الحرب، والتصعيد المستمر في رفح”، التي تُعد من الملفات الأكثر حساسية بالنسبة للأمن القومي المصري. وشهد قصر الاتحادية في مارس/آذار الماضي مراسم تسلُّم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أوراق اعتماد 23 سفيراً جديداً لدى القاهرة، يمثلون دولاً عربية وأجنبية مختلفة، غير أن اللافت كان خلوّ القائمة من اسم السفير الإسرائيلي الجديد أوري روثمان، رغم انتهاء مهام السفيرة السابقة أميرة أورون منذ نحو ثمانية أشهر. ووفق مصادر دبلوماسية مصرية، فإن عدم اعتماد روثمان يرتبط مباشرة باستمرار العدوان على قطاع غزة، وتراجع إسرائيل عن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم برعاية مصرية وقطرية، فضلاً عن إصرار الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ مخططات تهجير واسعة للفلسطينيين. وأكدت المصادر أن هذا “لا يعني بالضرورة تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية، لكنه يعكس موقفاً سيادياً له أبعاده السياسية والرمزية”.
في السياق، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، رخا أحمد حسن، إنه في ظل هذا السلوك العدائي الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، لا يكون من المناسب أو المقبول سياسياً أن يقدّم سفير مصري جديد أوراق اعتماده لدى الحكومة الإسرائيلية، أو أن يتحدث عن “تعزيز التعاون”، بينما تستمر الجرائم والانتهاكات بهذا التصعيد اليومي، مشيراً إلى أن قرار تأجيل تعيين السفير يعكس موقفاً مصرياً واضحاً يشترط احترام إسرائيل لعملية السلام وحقوق الشعب الفلسطيني، وتوقفها عن عدوانها على جيرانها، مدخلا لاستعادة أي شكل من أشكال العلاقة الطبيعية. وأضاف حسن أن السياسات العدوانية التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، التي تشمل حرب إبادة ممنهجة ضد سكان غزة من خلال الحصار والتجويع والغارات الجوية المتكررة، إلى جانب الاعتداءات المستمرة على الضفة الغربية، وهدم مخيمات اللاجئين وإرغام سكانها على النزوح القسري، تُظهر بوضوح أن إسرائيل ماضية نحو تصفية القضية الفلسطينية بالكامل. واعتبر أن هذه السياسات العدوانية، لا تقتصر على الأراضي الفلسطينية فقط، بل تمتد إلى الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سورية، من خلال قصف الأراضي والتدخل في شؤونها الداخلية وانتهاك سيادتها، فضلاً عن رفض تنفيذ اتفاق الانسحاب من جنوب لبنان، والاستمرار في شن الهجمات على اليمن، وتهديد دول أخرى في المنطقة.
دوافع مصر
في سياق متصل، رأى المحلل أيمن سلامة، أن تأخير مصر في اعتماد سفيرها الجديد لدى إسرائيل يمثل تطوراً لافتاً يحمل دلالات سياسية وقانونية عميقة، خصوصاً في ظل التوترات المتصاعدة بين الجانبين. واعتبر أن تبادل السفراء، رغم كونه من الركائز الأساسية للعلاقات الدبلوماسية ويجسد الإرادة في الحفاظ على قنوات الاتصال المفتوحة، فإن قرار الدولة بشأن تعيين أو تأخير تعيين سفير يُعد من صميم أعمال السيادة التي لا تُقيّدها معايير قانونية ملزمة في توقيتها، بل تُمارَس بناءً على تقدير المصلحة الوطنية. وأضاف سلامة أن وصف بعض المراقبين لهذا التأخير بأنه “تخفيض لمستوى التمثيل وليس قطعاً للعلاقات”، يعكس اعترافاً ضمنياً بالحق السيادي للدولة في اتخاذ هذه الخطوة، مع الإشارة إلى أن قنوات الاتصال لا تزال قائمة، وإن كانت بمستوى تمثيل أدنى.
وشدّد سلامة على أن هذا القرار لا يأتي في فراغ، بل في سياق تعاقدي تحكمه معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، التي وإن لم تُلزم الطرفين بتوقيت محدد لتبادل السفراء، إلا أن روح المعاهدة تفترض وجود تمثيل دبلوماسي فاعل يعكس تطبيعاً للعلاقات وسعياً إلى سلام دائم. ولفت إلى أن التوترات الحالية، وفي مقدمتها التصعيد في غزة والتصريحات الإسرائيلية التي تُفسَّر في القاهرة على أنها عدائية، إلى جانب ملف محور صلاح الدين (فيلادلفي) الذي تعتبره مصر خرقاً صريحاً لترتيبات الأمن المنصوص عليها في المعاهدة، كلها عوامل تضفي أبعاداً سياسية وقانونية على قرار التأخير. وأوضح أن القاهرة قد تلجأ إلى أدوات دبلوماسية وقانونية للضغط على الجانب الإسرائيلي من أجل احترام الالتزامات التعاهدية، ويُعد تأجيل تعيين السفير إحداها، كرسالة اعتراض واضحة. وختم سلامة بالقول إن هذا القرار، رغم كونه سيادياً، يعكس بوضوح حالة عدم الرضا والقلق المصري من السياسات الإسرائيلية، ويُعد مؤشراً دقيقاً على مسار العلاقات الثنائية في ظل التطورات الإقليمية الراهنة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس