أفريقيا برس – مصر. تتحسب السلطات المصرية لاحتلال الجيش الإسرائيلي المناطق التي لا تزال خارجة عن سيطرته في مدينة غزة وشمالها في أي وقت، لذلك عزز الجيش المصري حضوره على الحدود الشرقية خشية من التداعيات الإنسانية والعسكرية لأي اجتياح مماثل، إذ تتوقع الأجهزة السيادية المصرية أن تؤدي العمليات الحربية إلى دفع نحو مليون مواطن غزي إلى النزوح من مدينة غزة نحو جنوب القطاع، ما يفتح الباب أمام محاولات إسرائيلية متعمدة لدفع هؤلاء المدنيين إلى الحدود المصرية.
وكشف مصدر مصري مطلع، أن هذا السيناريو يُنظر إليه في مصر باعتباره تهديداً مباشراً للأمن القومي، إذ يعني نقل عبء إنساني وأمني ضخم إلى سيناء، وتحويل الأزمة إلى داخل الأراضي المصرية. وتخشى القاهرة من أن تستغل إسرائيل حالة الفوضى الناجمة عن الحرب لترسيخ سياسة “الترانسفير” (التهجير القسري)، بحيث يتحول جنوب غزة إلى محطة مؤقتة قبل محاولة دفع المدنيين باتجاه معبر رفح. وهذا ما دفع الجيش المصري إلى تعزيز وجوده على الحدود بشكل لافت خلال الأيام الماضية، في رسالة مزدوجة: أولاً منع أي اختراق أمني أو عبور جماعي، وثانياً توجيه رسالة سياسية بأن مصر ترفض بشكل قاطع أي حلول على حساب أراضيها أو سيادتها.
إعادة إحياء مشاريع الاستيطان
وفي السياق، قال السفير محمد حجازي، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، إن ضغوط الأطياف اليمينية في إسرائيل لا تقتصر على التمهيد للغزو، بل تمتد إلى إعادة إحياء مشاريع الاستيطان المتوقفة، وهو ما يعمّق حالة التوتر الإقليمي. وأكد أن الوقت قد حان لتحرك دولي أكثر صرامة، سواء عبر مجلس الأمن أو بفرض عقوبات اقتصادية على الاحتلال، على غرار ما حدث مع نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، خاصة بعد أن أكدت محكمة العدل الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة أن سياسات الاستيطان والاحتلال الإسرائيلي تمثل شكلاً من أشكال التمييز العنصري.
واعتبر حجازي أن الجهود المصرية لا تزال متواصلة على جميع المستويات، إذ يواصل الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالاته الدولية، من بينها مشاركته في “تيكاد 9” في اليابان (مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا)، بينما يكثّف وزير الخارجية بدر عبد العاطي اتصالاته مع نظرائه، كان آخرها مع وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي. وأكد أن مصر ستظل “حائط الصد” أمام أي مخططات لتهجير الفلسطينيين قسراً إلى سيناء، مشدداً على أن القاهرة لم تقصّر يوماً في ملف المساعدات الإنسانية، وأنها تفتح معبر رفح من جانبها فيما تغلق إسرائيل المعابر الأخرى أمام القطاع.
مصر طرحت نشر قوات دولية في غزة
من ناحيته، قال السفير عبد الله الأشعل، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، إن مصر طرحت منذ سنوات فكرة نشر قوات دولية في قطاع غزة، لكن هذا الطرح لم يكن مدركاً لحساسية الموقف، لأن وجود مثل هذه القوات سيُنظر إليه من جانب المقاومة الفلسطينية باعتباره “قوة احتلال”، ومن ثم ستتعامل معه كما تتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف الأشعل أن هذا الطرح تكرر في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وما زال يُعاد اليوم رغم أنه يتجاهل حقيقة بالغة الأهمية، وهي أن غزة بالنسبة لمصر قضية أمن قومي من الدرجة الأولى، وأن فلسطين تمثل عمقاً استراتيجياً لمصر، في مقابل ما تمثله إسرائيل من تهديد خطير. وأكد أن مثل هذه الطروحات تكشف عن غياب رؤية متماسكة لدى الحكومات المصرية المتعاقبة في التعامل مع الملف الفلسطيني، قائلاً: “غزة لا تريد عودة السلطة الفلسطينية إليها، ولا تستطيع أن تستغني عن المقاومة، وفي الوقت نفسه الولايات المتحدة وإسرائيل لا ترغبان في عودة السلطة. حتى لو قدمت السلطة نفسها بأبهى صورة، فلن تكون مقبولة بالنسبة لهما لأنها تُعتبر سلطة ضعيفة ومرتبطة بالاحتلال”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس