أفريقيا برس – مصر. يغادر رئيس مجلس النواب المصري، حنفي جبالي، منصبه الذي تولاه في 12 يناير/ كانون الثاني 2021 خلفاً لرئيس المجلس السابق علي عبد العال، وذلك بعد انقضاء ولايته، التي شهدت تمرير البرلمان مئات من التشريعات المقيدة للحريات والمؤيدة لقرارات رفع الأسعار، بالإضافة إلى فرض رسوم إضافية على جميع السلع الأساسية والخدمات العامة، من دون اعتبار للفقراء الذين يئنون تحت وطأة الغلاء.
وعقب موافقة مجلس النواب النهائية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية المعترض عليه من الرئيس عبد الفتاح السيسي، الخميس، وجه جبالي كلمة إلى الأعضاء أعرب فيها عن “خالص امتنانه لفترة خدمته الطويلة في الحياة القضائية والبرلمانية، والتي تقارب نصف قرن من العمل بين جنبات القانون، حيث كان العدل بالنسبة له عبادةً وضميراً يراقب الله قبل الناس”، على حد زعمه.
وجبالي كان رئيساً للمحكمة الدستورية العليا قبل رئاسته للبرلمان، ومن أشهر أحكامه القضاء بـ”عدم الاعتداد بجميع الأحكام الصادرة عن مجلس الدولة ببطلان اتفاقية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية”. وكرمه السيسي عرفاناً بـ”دوره الهام” في حكم سعودية الجزيرتين، بتقليده وسام الجمهورية من الدرجة الأولى عقب تقاعده من القضاء في 2019. وادعى جبالي، في كلمته، أنه “لم يسع يوماً وراء المناصب أو الوجاهة، بل كان هدفه أداء رسالة ومسؤولية وطنية صادقة، مؤمناً بأن البقاء الحقيقي هو ما يُكتب في سجل العمل الصادق”. وأضاف أن مجلس النواب هو “بيت للضمير الوطني، ومحراب للعقل، وشهد خلال فترة رئاسته نقاشات ثرية، وحوارات بناءة، أثمرت عن قوانين مهمة بفضل جهود الأعضاء من الأغلبية والمعارضة والمستقلين”.
وكان “العربي الجديد” قد كشف في تقرير سابق، تعرض جبالي لموقف مهين حين أجرى الكشف الطبي اللازم لاستكمال أوراق الترشح للانتخابات، أول من أمس الثلاثاء، ثم أخطره نائب رئيس حزب مستقبل وطن حائز الأغلبية، الضابط السابق في جهاز الأمن الوطني أحمد عبد الجواد، بأنه استُبعد من قائمة قطاع القاهرة ووسط وجنوب الدلتا، واستُبدل مكانه بالمستشار محمد عيد محجوب، رئيس مجلس القضاء الأعلى ومحكمة النقض السابق، ليكون خليفة له في رئاسة المجلس.
وقال جبالي في كلمته للمجلس إنه “يترك منصبه وهو ممتن لله على ما منحه من فرصة لخدمة القانون والوطن، إذ إن المسؤولية العامة ليست رفاهية، بل عبء يجب حمله بضمير حي”. ووجه نصيحة إلى أعضاء البرلمان بـ”ضرورة مراعاة الوطن دائماً عند اتخاذ القرارات التشريعية، لأن العدالة التي لا تنبع من الضمير لا تثمر، مهما التزمت بالقوانين”. وتمنى جبالي “التوفيق لمن يخلفه في المنصب، وأن يظل العدل سراجاً مضيئاً في كل قلب يخدم الوطن”، خاتماً بأن “مجلس النواب يطوي اليوم صفحةً من صفحات العمل البرلماني الزاخر بالجهد والإخلاص. ولا يسعه إلا أن يقف موقف من يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الناس، ومن يتأمل طريقه بعد أن قارب على بلوغ آخره”.
قانون الإجراءات الجنائية
وفي موازاة ذلك، أقرت الأغلبية في البرلمان الصياغات التي وضعتها اللجنة الخاصة المكلفة بدراسة اعتراضات رئيس الجمهورية
على بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية، من دون إدخال تعديلات جوهرية عليها رغم ما تضمنته من التفاف على الدستور، والضمانات التي قررها في المادة 54 منه بشأن “حظر التحقيق مع المتهم إلا في حضور محاميه، فإن لم يكن له محام نُدب له محامياً”. وانصب اعتراض السيسي على ثماني مواد فقط من أصل 552 مادة في مشروع القانون، والتي ترتبط بإجراءات تفتيش المتهم، وإطلاع المحامي على التحقيق، ومدد الحبس الاحتياطي وبدائله، بالإضافة إلى سريان العمل بالقانون مع بداية العام القضائي المقبل في أكتوبر/ تشرين الأول 2026، بدلاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
وأجاز المشروع لعضو النيابة العامة التحقيق مع المتهم في غياب محاميه، متى كان لازماً في كشف الحقيقة الانتقال إلى استجوابه، بعد أن يطلب من نقابة المحامين الفرعية ندب أحد المحامين لحضور التحقيق على وجه السرعة بالطريقة التي يُتفق عليها بين النيابة والنقابة، فإذا لم يحضر المحامي في الموعد المحدد يُستجوب المتهم، ويحق للمحامي الموكل أو المنتدب حضور الاستجواب إذا حضر قبل انتهائها، والاطلاع على ما تم من إجراءات التحقيق في غيبته. كذلك نص المشروع على استجواب عضو النيابة العامة للمتهم المقبوض عليه فوراً، وإذا تعذر ذلك يودع أحد مراكز الإصلاح والتأهيل، أو أماكن الاحتجاز، إلى حين استجوابه. ويجب ألا تزيد مدة إيداعه على 24 ساعة، فإذا انتهت هذه المدة وجب على القائم على إدارة مركز الإصلاح أو أماكن الاحتجاز إرساله إلى النيابة العامة لاستجوابه في الحال، وإلا أمرت بإخلاء سبيله.
ويذكر أن اعتراضات السيسي على القانون لم تتطرق إلى المواد المتعلقة بـ”منح القضاة صلاحيات بمصادرة الهواتف أو الأجهزة المحمولة أو المواقع الإلكترونية، أو أي وسيلة تكنولوجية أخرى، وتسجيل المحادثات الخاصة إذا لزم الأمر لصالح التحقيقات”. وكذلك وضع الأجهزة والحسابات تحت مراقبة الدولة “إذا كانت الأفعال متعلقة بجرائم الإضرار المتعمد بالممتلكات العامة أو المصالح الموكلة إلى الموظفين العموميين، أو التشهير والسب عبر المكالمات الهاتفية”.
ويثير قانون الإجراءات الجنائية مخاوف حقيقية عن وضع الحريات والعدالة في مصر، إذ اعتُبر من قبل البعض مدخلاً خلفياً لاستمرار تمديد الحبس الاحتياطي للمعتقلين السياسيين بلا سقف زمني، بدلاً من عامين، في حد أقصى في التشريع الحالي. ويعاني كثير من الناشطين والمحامين والصحافيين والمهتمين بالشأن العام في مصر الحبسَ الاحتياطيَّ المطول، من بينهم من دُونت ضدهم منشورات معارضة للرئيس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، استناداً إلى اتهامات “مطاطة” لا ترتكز إلا على تحريات أمنية بلا أدلة.
المصدر: العربي الجديد
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس