أفريقيا برس – مصر. تتعرض مصر لضغوط تهدف إلى جعلها تلعب دوراً أكثر انخراطاً في ما بات يُعرف بمشروع “التحالف الإقليمي الإبراهيمي”، في إطار رؤية أميركية أوسع تهدف إلى تأسيس نظام أمني اقتصادي موحد في الشرق الأوسط، يضم إسرائيل بوصفها شريكاً استراتيجياً في مواجهة التحديات الإقليمية، وعلى رأسها إيران.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن القاهرة تلقت رسائل مباشرة من واشنطن تربط بين استمرار المساعدات الاقتصادية والدعم المؤسسي الدولي من جهة، وبين درجة التزامها بالتحالفات الإقليمية الجديدة، بما فيها تحسين العلاقات العلنية مع إسرائيل. ولا يخفى على أحد أن اقتصاد مصر اليوم في وضع هشّ، إذ ارتفعت نسَب التضخم، وهناك شحّ دائم بالعملة الأجنبية، وتباطأت الاستثمارات الخليجية التي كانت تمثل شرياناً داعماً في أوقات الأزمات. وبينما تعوّل الحكومة على اتفاقات التمويل من صندوق النقد الدولي، فإن شروط الصندوق لم تعد مالية فقط، بل باتت مشروطة بتحسين بيئة الأعمال، و”مناخ إقليمي مستقر”، وهو توصيف دبلوماسي يتضمن -بشكل غير مباشر- الانخراط في محاور إقليمية تضمن وجود إسرائيل بوصفها طرفاً شريكاً لا كياناً معزولاً.
مصر تنتهج سياسة التوازن
وتحاول مصر انتهاج سياسة التوازن. فهي من جهة، لم تُعلن انضمامها رسمياً إلى “التحالف الإبراهيمي”، ولا تشارك في نشاطاته المعلنة بشكل واضح، لكنها من جهة أخرى لم تعارضه علناً، وشاركت في لقاءات أمنية ومؤتمرات اقتصادية ضمّت إسرائيل، مثل “منتدى النقب” و”قمة شرم الشيخ الأمنية”، لكنها أبدت تحفظاً واضحاً على الانخراط في أي أعمال عسكرية موجهة ضد أحد، وهو ما تجسد في رفض مصر التعاون في أي اعتداءات على الحوثيين في اليمن وعلى إيران.
وبحسب مراقبين، فإن هذا النمط من السياسة الرمادية يمنح الدولة المصرية هامش مناورة، لكنه في الوقت نفسه يثير قلقاً داخلياً من أن تتحول هذه المشاركة الصامتة إلى التزام معلن في لحظة مفصلية، خصوصاً إذا ترافق ذلك مع صفقة دعم اقتصادي كبيرة.
في السياق، يقول السفير المصري السابق معصوم مرزوق، إن مصر ليست طرفاً في ما يُعرف بـ”التحالف الإبراهيمي”، مشيراً إلى أنها تحتفظ أصلاً باتفاق سلام رسمي مع إسرائيل منذ عقود، ما يجعل انخراطها في هذا التحالف أمراً غير ذي مغزى من الناحية الشكلية. ويضيف مرزوق أن الاندفاع الخليجي نحو هذا التحالف لا يخدم السلام أو الأمن في المنطقة، بل على العكس، يمنح الكيان الصهيوني هدايا سياسية مجانية تشجعه على الاستمرار في سياساته العدوانية والتوسعية، وهو ما يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي، بما في ذلك الأمن القومي المصري.
وفي الذكرى الثانية عشرة لأحداث 30 يونيو/حزيران، كان لافتاً قول الرئيس عبد الفتاح السيسي، في كلمة مصوّرة، إن “مصر الداعمة دائماً للسلام، تؤمن بأن السلام لا يُولد بالقصف، ولا يُفرض بالقوة، ولا يتحقق بتطبيع ترفضه الشعوب”، مؤكداً أن السلام الحقيقي لا يقوم إلا على “العدل والإنصاف والتفاهم”، وأن استمرار الاحتلال والحرب لن يؤدي إلا إلى تغذية “دوامة الكراهية والعنف”، ويفتح أبواب “الانتقام والمقاومة التي لن تُغلق”.
تمكين إسرائيل إقليمياً
ويقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير محمد حجازي، إن الولايات المتحدة تسعى إلى تمكين إسرائيل إقليمياً من خلال توسيع نطاق ما يُعرف بـ”الاتفاقيات الإبراهيمية”، بما يسمح لها بمد جسور السيطرة عبر ترتيبات أمنية واقتصادية شاملة. لكنه يعتبر أن هذه المحاولات تُعيد إنتاج فشل سابق، لأنها لم تعالج جوهر الأزمة المتمثل في غياب حل عادل للقضية الفلسطينية.
من جهته، يقول الخبير في الشؤون الأميركية والشرق أوسطية، توفيق طعمة، إن واشنطن تستخدم عدة أدوات لتحقيق أهدافها، أبرزها التحالفات العسكرية كـ”ناتو العربي”، وتعتبر القاهرة عاصمة مركزية لا يمكن تجاوزها، لكنها في الوقت نفسه لا تمنحها دوراً حقيقياً في رسم خرائط النفوذ الجديدة. ويؤكد طعمة أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى إخراج مصر من المعادلة، بل إلى إبقائها داخلها دون أن تملك أدوات التحكم، فهي “تريدها كبيرة بالحجم، محدودة بالدور”. ويرى أن مصر لا يمكنها كسر هذا القيد إلا إذا قررت إعادة تعريف دورها الإقليمي والسيادي بعيداً عن الإملاءات الأميركية، وهو ما يتطلب قراراً سياسياً جريئاً وإرادة وطنية مستقلة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس