مجلس محاكم الاستئناف: كيان مصري “وهمي” يزيد رسوم التقاضي

0
مجلس محاكم الاستئناف: كيان مصري
مجلس محاكم الاستئناف: كيان مصري "وهمي" يزيد رسوم التقاضي

أفريقيا برس – مصر. أثار إصدار مجلس رؤساء محاكم الاستئناف على مستوى الجمهورية المصرية قراراً بزيادة رسوم التقاضي بداية من أول مارس/آذار الماضي جدلاً واسعاً داخل الأوساط القانونية والشعبية، وتأزم الموقف بإعلان نقابة المحامين التصعيد والبدء في الإضراب الشامل أمام محاكم الاستئناف احتجاجاً على هذه الزيادات، لكنّ المفاجأة التي تكشف عنها “العربي الجديد” في تحقيق خاص، هي أنّ مجلس رؤساء محاكم الاستئناف الذي أصدر هذا القرار، لا يملك كياناً اعتبارياً قانونياً من الأساس.

الأكثر من ذلك، يكشف التحقيق عن وجود حكم قضائي، قبل 17 عاماً، حصلت عليه “العربي الجديد”، يقضي بوقف قرار إنشاء هذا المجلس وعدم وجوده القانوني، وهو الحكم الصادر في دعوى مقامة من القضاة أنفسهم آنذاك، وحصلوا على الحكم الذي اعتبر قراراته منعدمة كونها صادرة من مجلس لا شرعية قانونية أو دستورية له.

طالب رافضو قرارات “الكيان الوهمي” بوقف تغوّل الجهات الحكومية في إصدار قرارات إدارية لتحصيل رسوم مالية من المواطنين والشركات، بدون سند قانوني أو اعتماد من رئيس الدولة ومجلس الوزراء، ومن دون أن تدخل الرسوم المحصّلة في الموازنة العامة للدولة.

وفي انفراد حصري، حصلت “العربي الجديد” على نص أول حكم قضائي صادر منذ 17 عاماً ينسف شرعية ما يُعرف بـ”مجلس إدارة رؤساء محاكم الاستئناف”، مؤكداً بوضوح أن هذا المجلس كيان لا وجود له في القانون أو الدستور، وأن قراراته، وعلى رأسها قرارات زيادة الرسوم القضائية، تُعد غير سارية؛ لصدورها عن جهة لا تتمتع بأيّ سند قانوني أو شخصية اعتبارية.

تفاصيل الحكم

الحكم الذي أصدرته الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري، في الثاني من ديسمبر/كانون الأول عام 2008، برئاسة المستشار الدكتور محمد أحمد عطية، نائب رئيس مجلس الدولة آنذاك، وعضوية المستشارَين مكي توفيق ومحمد خليل حماد، اعتبر أن “مجلس رؤساء محاكم الاستئناف” كيان لا سند له في قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ولا في تعديلاته، ولا يتمتع بالشخصية الاعتبارية، وبالتالي لا يملك حق إصدار قرارات أو لوائح.

وأكدت المحكمة، في الشق المستعجل من الدعوى، أن قرارات هذا المجلس، ومنها تلك المتعلقة بشؤون التأديب وزيادة الرسوم القضائية، تُعد منعدمة؛ لصدورها من جهة غير قائمة قانوناً، وأن استمرار تنفيذها يمثّل مساساً بمراكز قانونية مشروعة، وإخلالاً بمبدأ المشروعية الدستورية.

الحكم جاء في سياق دعوى قضائية أقامها خمسة من قضاة محاكم الاستئناف، أبرزهم المستشار هشام جنينة نائب رئيس محكمة النقض الأسبق ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الأسبق، والمستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي القضاة الأسبق، ضد قرار وزير العدل آنذاك بتشكيل هذا المجلس، مؤكدين أن إنشاءه يمثل تغولاً سافراً من السلطة التنفيذية على القضاء، ويخالف مبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في دستور مصر 1971.

واستند القضاة إلى مواد الدستور آنذاك التي تنظم استقلال القضاء، مشدّدين على أن تشكيل الهيئات القضائية لا يجوز إلّا بقانون يصدر عن البرلمان، وليس بقرار إداري من وزير العدل، ما يجعل الكيان ذاته، بكل ما يصدر عنه، في حكم العدم، وانتهى الحكم بالفعل إلى وقف قرار إنشاء مجلس رؤساء محاكم الاستئناف لعدم وجود سند قانوني أو دستوري له.

وأكدت مصادر قضائية أنّ الحكم أصبح نهائياً وباتاً منذ سنوات، لكن جرى تجاهله، ربما تحت ضغط سياسي أو لاعتبارات تتعلق بتمركز سلطة اتخاذ القرار القضائي خارج الأطر الدستورية.

خلفيات إنشاء المجلس

في شهادة موثقة، أدلى قاضٍ بارز سابق، شغل منصب نائب رئيس محكمة النقض، أكّد أن الحكم الصادر كان قاطعاً وواضحاً في ترسيخ مبدأ سيادة القانون، إذ نص صراحة على وقف تنفيذ قرار وزير العدل المتعلق بإنشاء هذا المجلس، وأوضح أن حيثيات الحكم استندت إلى أسس قانونية ودستورية راسخة، مشيراً إلى أن القانون لم ينصّ إلّا على وجود مجلسَين قضائيَين لا ثالث لهما، وهما مجلس تأديب القضاة والمجلس الأعلى للقضاء، وأن أي كيانات أخرى تدخل في نطاق “المجالس المنتحلة” التي لا تستند إلى أي أساس قانوني أو دستوري.

وفي سياق استعراضه لتاريخ نشأة هذا المجلس المثير للجدل، أوضح القاضي البارز أن بذوره الأولى نبتت خلال العام القضائي 2005/2006، تحديداً في فترة تولي المستشار ممدوح مرعي رئاسة محكمة استئناف القاهرة، وذلك قبيل توليه حقيبة وزارة العدل في السابع عشر من أغسطس/آب عام 2006.

وبيّن أن الشرارة الأولى لإنشاء هذا المجلس كانت الخلافات الحادة التي نشبت آنذاك بين المستشار ممدوح مرعي، بصفته رئيساً لمحكمة استئناف القاهرة، والمستشار فتحي خليفة، الذي كان يشغل منصب رئيس محكمة النقض، الذي تولى تبعاً لذلك رئاسة مجلس القضاء الأعلى وفقاً لما ينص عليه قانون السلطة القضائية، وأوضح أنّ القانون يربط مباشرةً بين رئاسة محكمة النقض وتولي رئاسة المجلس الأعلى للقضاء.

وكشف القاضي السابق عن تفاصيل الأزمة التي أدت إلى هذا الخلاف، موضحاً أن المستشار ممدوح مرعي، بصفته رئيساً لمحكمة الاستئناف، كان أقدم في درجة القضاء من المستشار فتحي خليفة، رئيس محكمة النقض آنذاك. وقد اعترض بشدة على عدم تعيينه رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، انطلاقاً من حقه باعتباره الأقدم والأكبر سناً بين رؤساء المحاكم، ونتيجة لهذا الاعتراض، اتخذ المستشار مرعي موقفاً تصعيدياً تمثل في اعتزاله حضور جلسات مجلس القضاء الأعلى، احتجاجاً على ترؤس من هو أحدث منه له.

توسّع الاختصاصات

وأضاف القاضي في شهادته أنّ هذه الأجواء المشحونة بالخلافات دفعت المستشار ممدوح مرعي إلى التفكير في إنشاء كيان موازٍ لمجلس القضاء الأعلى، وهو ما تجسد في فكرة “مجلس رؤساء محاكم الاستئناف”، ووفقاً لتصريحاته، كان الهدف الأولي من إنشاء هذا المجلس هو تجميع رؤساء محاكم الاستئناف الثمانية المنتشرين على مستوى الجمهورية، على أن يتولى رئاستهم رئيس محكمة استئناف القاهرة باعتباره الأقدم بينهم، وكان من المفترض أن يختصّ هذا المجلس الجديد ببعض الأمور المحدّدة. إلّا أنّ القاضي البارز لفت إلى أنه بمرور الوقت، حدث توسّع تدريجي في اختصاصات هذا المجلس “المنتحل”، على حدّ وصفه.

وأشار إلى أنه جرى استخدامه لاحقاً لاتخاذ مواقف سياسية وقضائية قد تتعارض أحياناً مع مواقف نادي القضاة أو القرارات الصادرة عن الجمعيات العمومية للقضاة، بالإضافة إلى التدخل في مسائل إدارية وتعيينات وغيرها، وختم حديثه بالإشارة إلى أن إصدار قرارات رفع الرسوم القضائية الأخيرة، التي أثارت جدلاً واسعاً، كانت من بين القرارات التي اتخذها هذا المجلس والتي تعد باطلة.

أزمة رسوم التقاضي

أكد المستشار محمد ناجي دربالة، نائب رئيس محكمة النقض الأسبق وأحد أبرز رموز تيار استقلال القضاء، أنّ مجلس رؤساء محاكم الاستئناف سبق وأن صدر حكمٌ نهائي فيه من دائرة طلبات القضاء بمحكمة النقض، يقضي ببطلانه وانعدامه أيضاً.

وأوضح المستشار دربالة أن هذا الحكم جاء بناءً على دعوى قضائية قادها المستشار زكريا عبد العزيز ورفعها تيار استقلال القضاء خلال فترة عضويته بمجلس إدارة نادي القضاة، وقد نص الحكم صراحةً على عدم وجود ما يسمى بالشخصية الاعتبارية “مجلس رؤساء محاكم الاستئناف”، مؤكداً أنه لا يوجد سند قانونيّ لوجوده من الأساس.

وبناءً على هذا الحكم القضائي النهائي، شدّد المستشار دربالة على أن جميع القرارات الصادرة عن هذا المجلس تعتبر منعدمة الأثر القانوني، سواء كانت تتعلق بزيادة الرسوم القضائية أو أيّ شأن آخر، كما استند المستشار دربالة إلى مبدأ دستوري راسخ يقضي بعدم جواز فرض أي رسوم إلّا بقانون، وخلص إلى أن أي قرار بفرض رسوم صادر من أي جهة أخرى غير القانون يعتبر باطلاً، وأشار إلى وجود العديد من الأحكام القضائية الصادرة من مجلس الدولة والقضاء العادي والمحكمة الدستورية العليا التي تؤكد بطلان أي فرض مالي يجري بغير سند قانوني، مؤكداً أنّ الرسوم المفروضة بغير قانون تعتبر باطلة دستورياً ومنعدمة، بغض النظر عن قيمتها.

وأكد المستشار عصام رفعت، القاضي السابق بمجلس الدولة، أنه طوال فترة عمله قاضياً بالمجلس، لم تتوفر لديه معلومات تفيد بغير صدور حكم نهائي يقضي بوقف قرار إنشاء مجلس رؤساء محاكم الاستئناف، وذلك استناداً إلى عدم دستوريته ومخالفته للقانون، مشدداً على أن هذا المجلس “ليس له وجود قانوني أو دستوري أو في قانون السلطة القضائية”.

وأضاف القاضي السابق، أنّ أي شخص منصف، وأي قاضٍ أو قانوني عادل وملم بالقانون، يعلم تمام العلم أن موقف وقرارات ما يسمّى بمجلس رؤساء محاكم الاستئناف هي قرارات باطلة جملة وتفصيلاً، لا سند لها ولا يوجد أساس قانوني تستند إليه، وأنّها مجرد قرارات إدارية صادرة من كيان ليس له أي شخصية اعتبارية تخوله إصدار مثل هذه القرارات المؤثرة على سير العدالة وحقوق المتقاضين، التي كان آخرها زيادة رسوم التقاضي.

وكشف المستشار رفعت عن قيامه، بالاشتراك مع فريق قانوني يضمّ قضاة وخبراء في القانون والدستور، بإعداد مذكرة قانونية مفصلة تتناول الموقف الراهن للأزمة، وتتناول شرعية مجلس رؤساء محاكم الاستئناف، وما يترتب على ذلك من بطلان للقرارات الصادرة عنه، وفي مقدمتها قرار زيادة رسوم التقاضي الذي أثار الأزمة الأخيرة.

وأوضح المستشار رفعت أن هذه المذكرة سيجري تقديمها إلى الجهات المعنية، وعلى رأسها رئيس الجمهورية بصفته رئيس المجلس الأعلى للهيئات والجهات القضائية، وذلك “للتدخل وحل الأزمة والفصل بين طرفَي النزاع”، كما سيجري إرسال نسخة من المذكرة إلى مجلس القضاء الأعلى ورئيس محكمة النقض ورئيس محكمة استئناف القاهرة، “لإطلاعهم على تأزم الموقف القانوني للقرارات الصادرة، وتأزم الموقف بين القضاة والمحامين، ما قد يؤثر على تعطيل مرفق العدالة والتأثير على حقوق المتقاضين”.

وأكد المحامي الحقوقي ناصر أمين، رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، على أن تشكيل مجلس رؤساء محاكم الاستئناف يمثل تنظيماً قضائياً داخلياً يقتصر على الأعمال الإدارية البحتة بين محاكم الاستئناف المختلفة، وشدّد على أن القرارات الصادرة عن هذا المجلس في هذا الإطار الإداري لا تتمتع بأي صفة قضائية، بل هي مجرد قرارات تنظيمية داخلية.

وحذر المحامي الحقوقي بشدة من تجاوز هذا الإطار الإداري الضيق، مؤكداً أنّ أيّ قرارات صادرة عن مجلس رؤساء محاكم الاستئناف تتجاوز هذا النطاق الإداري المحصور عليهم، لا تعتبر ملزمة، بل وترتقي إلى مرتبة “الجرائم” في حالة التوسع في الاختصاصات، كما حدث مؤخراً في واقعة الزيادة وفرض الرسوم القضائية الأخيرة التي أشعلت الأزمة، وأوضح أنّ مثل هذه القرارات، التي تتجاوز حدود العمل الإداري الداخلي، تمثل “جريمة الاستيلاء على أموال المواطنين دون وجه حق”.

وأضاف أمين أنّ قرارات مجلس رؤساء محاكم الاستئناف، إذا ما خرجت عن نطاق القرارات الإدارية الداخلية المنحصرة عليهم فقط، تصبح قرارات إدارية “منعدمة الأثر” لانعدام صفة واختصاص الجهة المصدرة لها، وفي معرض تعليقه على قرار رسوم التقاضي المثير للجدل، وصفه بأنه “قرار معيب يجعله والعدم سواء” لتجاوزه الاختصاصات القانونية للمجلس. ولم يتوقف المحامي الحقوقي عند هذا الحد، بل وصف هذه القرارات المتجاوزة بأنها تمثل “فعلاً جنائياً” يُعرف بـ جريمة الغل”، والمعروفة أيضاً باسم “جريمة الغدر” والمعاقب عليها بموجب القانون.

وأوضح أنّ هذه الجريمة توجه إلى الموظف العام الذي يتقاضى رسوماً أو مبالغ مالية مقابل خدمات إدارية دون وجود نص قانوني يجيز ذلك، مشيراً إلى أن عقوبتها تصل إلى الحبس.

وفي سياق تعليقه على الجهة المصدرة لهذه القرارات، أبدى ناصر أمين دهشته واستغرابه الشديدَين من صدور هذه القرارات عن قضاة المحاكم العليا في مصر، وهي محاكم الاستئناف، الذين من المفترض أن يكونوا في مقدمة الحريصين على احترام القانون وتطبيقه، لا أن يكونوا مصدراً لقرارات غير قانونية ومنعدمة، ووصف هذا الأمر بأنه “الخسارة الكبيرة التي خسرتها العدالة في مصر”، موضحاً أن الانتهاكات والتجاوزات التي اعتاد المواطنون على أن يكون مصدرها السلطة التنفيذية، والتي يجري اللجوء بشأنها إلى القضاء الإداري لوقفها، قد “طالت واستطالت” لتصل إلى حد أن أصبحت هذه الممارسات والقرارات التنفيذية المنعدمة تصدر عن هيئات قضائية، وهو ما اعتبره “أخطر ما أصاب العدالة في مصر”.

وعقب رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة على محاولات تبرير هذه الرسوم بأنها “مقابل خدمة” ولا تحتاج إلى قانون لإقرارها وفقاً لأحكام الدستور، بالتأكيد أنّ هذا “تدليس” و”أقوال مردود عليها”، واستشهد بالثوابت المستقرة للمحكمة الإدارية العليا ومحكمة القضاء الإداري في مصر، التي تقضي بأنه “لا رسوم إلّا بقانون”. وشدّد على أن الاحتجاج بكون المبالغ المحصلة هي مقابل خدمة لا يغير من حقيقتها القانونية كرسوم، حتّى في غياب النص القانوني، وبالتالي فإن فرضها يمثل “مخالفة دستورية واضحة”.

وقال الخبير القانوني والدستوري البارز، صالح حسب الله الجبالي، إنّ ما يسمى بـ “مجلس رؤساء محاكم الاستئناف” لا يمتلك أي سند قانوني أو دستوري في المنظومة التشريعية المصرية، مشدداً على أن هذا الكيان الاعتباري منعدم الوجود قانوناً، وبالتالي فإنّ القرارات الصادرة عنه كافّة، وعلى رأسها قرارات فرض رسوم جديدة على الخدمات القضائية، تعتبر باطلة ومنعدمة الأثر. وأوضح الجبالي، المحامي بالنقض والدستورية العليا، أن القانون والدستور المصريَين خاليان تماماً من أيّ نص يشير إلى وجود كيان تحت مسمى “مجلس رؤساء محاكم الاستئناف”، وتابع قائلاً: “بما أن هذا المجلس لا أساس له في القانون، فإنّ أي قرار يصدر عنه يعتبر صادراً من شخصية اعتبارية منعدمة، وهو ما يترتب عليه انعدام القرار ذاته من الأساس”.

وانتقد الجبالي بشدّة القرار الصادر عن كيان غير قانوني لعدم تحديده الجهة التي ستؤول إليها حصيلة هذه الرسوم، وكيفية التصرف فيها، معتبراً ذلك مدعاة للريبة والشك. وفي معرض تحليله لسلطة فرض الرسوم، أكد الخبير القانوني أن هذه السلطة حصرية لوزير العدل، وذلك بناءً على تفويض صريح من السلطة التشريعية، وعلل ذلك بأن وزير العدل يمثل جزءاً من السلطة التنفيذية، بينما يندرج رئيس محكمة الاستئناف ضمن هيكل السلطة القضائية، مؤكداً أن التفويض التشريعي لا يمكن أن يمتد مباشرةً من السلطة التشريعية إلى السلطة القضائية لتمكينها من فرض رسوم.

واستند الجبالي في حديثه إلى القانون رقم 90 لسنة 1944 وتعديلاته، الذي لا يزال يمثل الإطار القانوني لفرض الرسوم القضائية، ولم يشهد أي تعديلات تجيز فرض رسوم جديدة، مشيراً إلى أن المادة الأولى من هذا القانون تحدد بوضوح نسبة 6% رسماً نسبياً على المبالغ المطالب بها في القضايا محدّدة القيمة، بالإضافة إلى رسم ثابت على الدعاوى مجهولة القيمة. وانتقد بشدة استناد القرارات الصادرة بزيادة الرسوم إلى قانون السلطة القضائية، مؤكداً أن هذا القانون لا يمنح أي صلاحية لفرض رسوم جديدة أو زيادتها دون وجود سند قانوني تشريعي واضح، واعتبر أن الرسوم المفروضة بقرارات صادرة عمّا يسمى بـ”مجلس رؤساء محاكم الاستئناف” تجاوزت على نحوٍ صارخ نطاق التفويض التشريعي. وجاءت هذه التصريحات تعقيباً على قرار صدر مؤخراً بزيادة قيمة المقابل المادي لـ 33 خدمة قضائية تقدمها محكمة استئناف القاهرة.

واعتبر الجبالي هذه الزيادات رسوماً جديدة وإضافية وإجبارية يجري استحداثها على مختلف صحف الدعاوى القضائية عند القيد، وعرائض التجديد من الشطب والتعجيل من الوقف والتجديد من النقض، وتصحيح شكل الاستئناف وإدخال الخصوم ومراجعة حوافظ المستندات، وجميع الإعلانات وإعادة الإعلان واستخراج صور طبق الأصل من الأحكام وتقارير الخبراء وغيرها من الإجراءات القضائية.

وأكد أن هذا القرار بفرضه مقابلاً مالياً إجبارياً نظير هذه الخدمات، يجعل قيد وإيداع صحف الاستئنافات والسير في إجراءاتها واستخراج صور الأحكام واستلام الصور التنفيذية مشروطاً بسداد هذه الرسوم المستحدثة، واعتبر الجبالي أنّ هذا الإجراء يشكل قيداً على حقّ التقاضي المكفول دستورياً بموجب المادة 68 من الدستور، بالإضافة إلى عدم وجود أي نص في قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 يخول رئيس المحكمة أو أي مجلس تابع لها هذا الحق.

وفي تحليله الدستوري، أوضح الخبير القانوني أن الدستور قد فرق بوضوح بين الضريبة العامة وغيرها من الفرائض المالية، فنصَّ على أن الضريبة لا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها إلا بقانون، بينما أجاز إنشاء الفرائض المالية الأخرى في الحدود التي بينها القانون، وأشار إلى أنّ هذا التمييز الدستوري يجعل القانون الوسيلة الوحيدة والمصدر المباشر لفرض الضرائب العامة، بينما يسمح بتفويض السلطة التنفيذية في تنظيم الرسوم ضمن أطر قانونية واضحة تحدّد نوع الخدمة وحدود الرسم الأقصى. وختم الخبير القانوني بالتأكيد أنّ سلطة فرض الرسوم منوطة بالسلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل بناءً على تفويض تشريعي، وليس للسلطة القضائية أو أيّ من مجالسها غير المنصوص عليها قانوناً.

واعتبر أن ما قام به رؤساء محاكم الاستئناف هو تجاوز لسلطاتهم واختصاصاتهم القانونية. واكتفى مصدر قضائي بارز بمحكمة استئناف القاهرة بالتعليق على التساؤلات المثارة حول قانونية مجلس رؤساء محاكم الاستئناف ومصير الأموال المحصلة بالقول: “لن ندلي بتصريحات رسمية في هذا التوقيت. نؤكد فقط أن محكمة استئناف القاهرة في حالة انعقاد دائم لمتابعة المستجدات كافّة”.

المصدر: العربي الجديد

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here