الملاعب الخماسية بمصر.. حلم يراود شباب الريف هربا من البطالة ومشاق الزراعة

14

من قريته الفقيرة في محافظة المنوفية شمال القاهرة، سافر عماد إلى دولة الكويت بحثا عن لقمة عيشه، وهناك قضى سنوات شبابه يراوده الحلم المشترك بينه وبين أبناء القرى المجاورة، وهو النجاح في جمع “تحويشة العمر” ليتزوج ويؤسس مشروعا مربحا بعد عودته.

ومثل العديد من أبناء القرى في مصر حاليا، فكر عماد في استغلال قطعة من أرضه الزراعية، لتكون ملعبا لكرة القدم الخماسية التي يقبل عليها الشباب المصري بكثافة، في ظل العدد المحدود من الأندية ومراكز الشباب المتاحة لممارسة الرياضة الشعبية الأولى في مصر.

تحمس عماد للمشروع بعد أن رأى العائد المادي المجزي الذي يمكن أن يصل إلى 15 ألف جنيه شهريا، بتكلفة تبلغ نحو 250 ألف جنيه (الدولار نحو 15.5 جنيها).

يقول عماد للجزيرة نت “الأمر ليس سهلا، حيث تطلب دراسة جدوى للمنطقة ومدى احتياجها للملعب، ثم المغامرة باتخاذ الخطوة، وهو ما قمت به، حيث تعاقدت مع شركة نجيل صناعي لتنفيذ المشروع، ليكون مناسبا لعشرة لاعبين”.

ويضيف “أردت الاستثمار في مشروع صغير ومربح بعيد عن الزراعة التي هجرها الكثير بعد ارتفاع سعر إنتاج الفدان وغياب الدعم لها”.

وتابع “فعلى سبيل المثال، وصلت أسعار الكهرباء والمحروقات المستخدمة في الآلات الزراعية إلى 14 ألف جنيه ببعض المناطق، وذلك بعدما كانت أقل من 1200 جنيه، قبل تحرير سعر الصرف”.


الهروب من الزراعة
عوض شاب آخر من مركز الحسينية بمحافظة الشرقية، قرر الدخول في مشروع الملاعب الخماسية، خاصة أن المهنة الوحيدة المتاحة أمامه حاليا هي الزراعة، لكنها غير مجزية أو بتعبير عوض وأقرانه: “مبتجبش همّها”.
يلعب عنصر الوقت في تحديد تكلفة تأجير الملعب، حيث تصل إلى نحو خمسين جنيها صباحا ومئة جنيه مساء للساعة الواحدة، بسبب تشغيل أعمدة الإنارة وكثافة الإقبال ليلا، وهي الأسعار التي تتضاعف في العاصمة القاهرة، وفق ما أوضحه عوض للجزيرة نت.

بدوره يرى مدرب كرة القدم محمد إبراهيم أن الملاعب في القرى تعد فكرة إيجابية، خاصة في ظل انتشار المخدرات الرخيصة التي باتت تؤرق مضاجع الكثير من الأسر المصرية.
ولفت إبراهيم -في تصريحاته للجزيرة نت- إلى أن فكرة إنشاء المشروع تراود الكثير من الشباب في القرى، إلا أنها تحتاج إلى رأس مال كبير إذا لم تكن الأرض متوفرة.

وأوضح أنه يقيم في إحدى القرى بمحافظة القليوبية، ولا يوجد حاليا أي مشاكل يعاني منها أصحاب الملاعب الخماسية، خاصة أنه لم يجرؤ أحد على بناء ملاعب داخل أرض زراعية بعد أزمة إزالة الملاعب في 2018.

تجريف الأراضي الزراعية
ورغم جاذبية المشروع للعديد من الشباب المصري، فإنه يؤدي إلى تجريف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، في ظل معاناة مصر بالأساس من تناقص الأراضي المزروعة فيها.
ووفقا لجهاز حماية الأراضي التابع لوزارة الزراعة في يوليو/تموز من العام الماضي، فإن مشروعات الملاعب الخماسية أدت إلى تضرر نحو 765 فدانا من أجود الأراضي الزراعية، بمعدل 2496 ملعبا مبنيا على أرض زراعية، من إجمالي نحو عشرة ملايين فدان تُزرع في مصر.

واحتلت محافظة البحيرة المركز الأول بمعدل 421 ملعبا، ثم الشرقية والغربية والجيزة إلى جانب محافظات من جنوب مصر أيضا، مثل المنيا وبني سويف وسوهاج.

يأتي ذلك في ظل فقدان مصر نحو 90 ألف فدان من الأرض الطينية الصالحة للزراعة، والتي استغلت في البناء المخالف منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بحسب بيان لنقابة الفلاحين العام الماضي.

هذا التجريف دفع وزارة الزراعة المصرية عام 2018 إلى إزالة الكثير من الملاعب الخماسية في محافظات الوجه البحري، وذلك في إطار حملة كبيرة لتطهير الأراضي الزراعية من البناء المخالف، وهو ما أثار حالة من الغضب بين المتضررين ونواب في البرلمان، لتتراجع الوزارة عن حملتها.

وخرج بعدها وزير الرياضة أشرف صبحي للتأكيد على أنه جرى التوافق مع وزارة الزراعة على تقنين أوضاع الملاعب الخماسية.

أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة محمد جمال، يوضح أن البناء على الأراضي الزراعية واستغلالها كمشاريع استثمارية يأتي لضعف العائد المادي من الزراعة التي تعتبر مهنة شاقة تحتاج إلى صبر وجلد.

ويشير الخبير الزراعي في حديثه للجزيرة نت إلى أن تعقيدات الزراعة أجبرت الكثير من المصريين على بيع أراضيهم، أو تحويلها في نشاط مختلف بعيد عن تعقيدات ومشاكل العمل بالزراعة، والتي أصبحت منفرة خاصة لمن يمتلك قطعة أرض صغيرة لا تتجاوز 5-10 فدادين.

وأكد جمال أن الظاهرة خطيرة خاصة في دولة عدد سكانها أكثر من مئة مليون نسمة مثل مصر، ويتطلب الأمر وقفة قوية عبر دعم الفلاح الذي حوصر من ارتفاع أسعار الأسمدة والكهرباء والمحروقات، بالإضافة إلى ضعف أسعار توريد المحاصيل، حيث تشتري الحكومة المحاصيل بسعر لا يتناسب مع تكاليف الإنتاج.

المصدر : الجزيرة,الإعلام المصري

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here