ما سر تفوق الأهلي المصري واختلافه عن الجميع؟

8
ما سر تفوق الأهلي المصري واختلافه عن الجميع؟
ما سر تفوق الأهلي المصري واختلافه عن الجميع؟

أفريقيا برس – مصر. تبدلت أوضاع مصر في القرن الماضي، وتحولت من مملكة إلى جمهورية، واستقلت عن الاحتلال البريطاني، وتعاقب على حكمها أنظمة وحكومات مختلفة، حتى موازين القوى في كرة القدم تغيرت، باختفاء جُل عظماء فترة الستينات والسبعينات، وعلى رأسهم بعبع الزمن الجميل الترسانة وقاهر العمالقة غزل المحلة وبدرجة أقل المقاولون العرب ودراويش الإسماعيلي. وفي المقابل، صعدت أسهم أندية الشركات ورجال الأعمال، آخرها بيراميدز وفيوتشر، إلا أمر واحد لم يتغير أبدا في مصر منذ 1907، وهي استمرار معجزات النادي الأهلي وبقاؤه في القمة منفردا وبمسافات ضوئية عن أقرب مطارديه سواء المحليين أو المغلوبين على أمرهم داخل القارة الأفريقية.

دستور الأهلي

البعض يسخر من العبارات التي يرددها الملايين في المقاهي من الإسكندرية إلى بلاد النوبة في أقصى الجنوب، بأن «الأهلي فوق الجميع» و«الأهلي بمن حضر»، ضمن قاموس ما يُعرف بدستور الآباء والمؤسسين للكيان، بداية من صاحب الفكرة المحامي عمر بيك لطفي، مرورا بالأب الروحي ومؤسس أهلي البطولات الحقيقي، أحمد باشا عبود، الذي كان يُصنف ضمن أغنى رجال الأعمال على هذا الكوكب في الأربعينات والخمسينات، بل إن بعض المصادر، تجمع على أنه كان إيلون ماسك العصر الحالي، أو بالعبارة التقليدية «أغنى رجل في زمنه»، ، نهاية بصاحب مقولة «الأهلي فوق الجميع»، الكابتن صالح سليم، الذي وضع حجر أساس تلك المؤسسة، التي تحكم مصر والقارة والسمراء على مدار عقود، تأكيدا لصحة ما قاله في بداية الألفية وهو يتسلم جائزة «نادي القرن» هناك في جوهانسبيرغ إنه «بعد 100 عام سيأتي ممثل آخر من النادي الأهلي لتسلم جائزة نادي القرن»، وسار على نهجه تلميذه النجيب الكابتن حسن حمدي والآن تلميذ الاثنين الأسطورة محمود الخطيب.

وجاء اختبار مشاركة المارد الأحمر في كأس العالم للأندية الأخيرة، ليثبت أن ما يردده الجمهور من جيل إلى جيل، ليس مجرد شعارات، بعد حفاظه على إنجاز الموسم الماضي، بالعودة إلى العاصمة بالميدالية البرونزية في مونديال الأندية، لكن هذه المرة، في ظروف لا يتحملها إلا أندية تعد على أصابع اليد الواحدة في هذا العالم، ومنها الأهلي، الذي عرف كيف يتجاوز محنة غياب نصف قوامه الرئيسي، لارتباطهم بالدفاع عن ألوان المنتخب في بطولة أمم أفريقيا، بخلاف صداع الإصابات التي ضربت ما تبقى من الأساسيين، وعلى رأسهم الجنوب أفريقي بيرسي تاو، واليافع عمار حمدي، وغيرها من الغيابات، التي أجبرت المدرب بيتسو موسيماني، على الدفع بأسماء لم يسمع بها أغلب جمهور النادي من قبل، خاصة في الاختبار المعقد الأول أمام مونتيري المكسيكي، مثل محمد مغربي وكريم فؤاد. ومع ذلك، بدا الفريق وكأنه مكتمل الصفوف، بتفوق واضح على عقدة العرب في كأس العالم للأندية، ولولا غياب التوفيق عن أفشة وطاهر محمد، لانتهى الشوط الأول بثنائية نظيفة، لكن في الأخير، حقق الهدف المنشود، ونجح في رد الدين القديم لمونتيري، الذي هزم جيل أبوتريكة مرتين عامي 2012 و2013، والثانية كانت بخماسية نكراء مقابل هدف، غير أنه كان أول فوز عربي على مونتيري، الذي هزم بالتخصص الترجي والسد والهلال في مواجهاته الأخيرة مع العرب.

تأثير الجمهور

يبقى اللاعب رقم 1 والمحرك الرئيسي لعجلة النادي الأهلي على مر العصور، هو جمهوره العريض سواء داخل الوطن أو في الشرق الأوسط، الذي ترتكز عليه مجالس الإدارة، للحصول على أرقام فلكية في عقود الرعاية من جانب، ولا يتوقف عن تحفيز اللاعبين ودفعهم لمواصلة الانتصارات من جانب آخر، والدور الأكثر أهمية، يظهر عادة في الظروف الصعبة والمحن، وكان في السابق، بعد كل انتكاسة أو هزيمة خارج التوقعات، يتضاعف الآلاف في ملعب «القاهرة الدولي»، وحتى بعد تجميد الحضور الجماهيري في سنوات ما بعد مذبحة بورسعيد وما حدث في ملعب «الدفاع الجوي» لجماهير الزمالك، كانوا يدعمون الفريق بطريقة كانت تتصدر عناوين وكالات الأنباء العالمية، بحضور أعداد في تدريبات ملعب «مختار التتش»، تفوق ضعفي حضور أعتى الفرق العالمية في مبارياتها الرسمية. والآن ومع تغير الآلية في عصر «السوشيال ميديا»، تحول الدعم عبر صفحات النادي في مختلف المنصات، والصفحات الكبرى غير الرسمية الداعمة للنادي، وما أكثرها في «فيسبوك» بالأخص، وهذا وضح بعد الهزيمة أمام بالميراس بهدفين نظيفين، بتكاتف الجميع حول اللاعبين والمدرب الجنوب أفريقي، وليس كما يحدث مع أغلب الأندية، حيث تنقلب الجماهير سريعا على فرقها بعد أول تعثر في تحقيق الأهداف الرئيسية. وهذا واحد من أهم أسرار عودة الفريق سريعا بعد كل انتكاسة، والدليل على ذلك، ما فعله في مباراة تحديد هوية صاحب المركز الثالث والميدالية البرونزية أمام منافسه على لقب الأفضل والأقوى عربيا الهلال السعودي، في مباراة كانت جُل التوقعات والترشيحات تميل فيها للموج الأزرق السعودي، حتى أن أكثر المتشائمين كان يعتقد أن الهلال سيكتفي بثنائية نظيفة في شباك الحارس البديل علي لطفي، لكن ما حدث على أرض الواقع، أدهش كل من شاهد المباراة، باكتساح وهيجان كروي منذ إطلاق صافرة البداية وحتى صافرة النهاية، ولولا ألطاف الله، لانتهى الكلاسيكو العربي بضعفي الرباعية التي انتهى بها اللقاء، كدليل جديد، أن صمود هذا الفريق واستمراره في القمة، لم يأت من فراغ، من فريق ينتظر عودة في أقرب طائرة عائدة من أبوظبي للقاهرة، إلى ثالث البطولة للمرة الثانية على التوالي والثالثة في تاريخه.

عقلية البايرن وروح الملكي

ينظر البعض لهذه المؤسسة على أنها أقرب نموذج خارج القارة العجوز لمؤسسة بايرن ميونيخ، للتلاقي الكبير في أسلوب الإدارة، باعتماد كلا الناديين على أساطيره ورموزه في كل المناصب الإدارية، بما في ذلك رئيس النادي ونسبة معينة في مجلس الإدارة، كما قاد فرانز بيكنباور النادي في التسعينات وأولي هونيس في العقد الماضي، ونفس الأمر للعملاق الأهلاوي، باستثناء الملياردير محمود طاهر في فترة ما بعد العصر الذهبي مع حسن حمدي عام 2014، وهذا التشابه يبدو صائبا إلى حد كبير، لأن وجود هؤلاء الأساطير والقادة العظماء السابقين في مجالس الإدارة وقطاعات الشباب، يضمن الحفاظ على تقاليد وشخصية النادي ونقلها إلى الأجيال القادمة، والأهم يجنب النادي الدخول في مشاكل ونزاعات على المقاعد في الانتخابات، آخرها مشهد فوز قائمة محمود الخطيب المريح في الانتخاب على ولاية ثانية، وسبقها ما فعله محمود طاهر، بالعودة إلى صفوف المشجعين، والقيام بدور الداعم للرئيس الجديد الذي هزمه في انتخابات 2017، رغم أن طاهر كان يقود الكيان بطريقة جيدة، ومعه لامس كأس أفريقيا، لكن الفريق خسر أمام الترجي في النهائي، الشاهد أنهم يضعون مصلحة النادي فوق مصالحهم الشخصية، على عكس كثير من الأندية المنافسة، التي تتغير مجالسها كل ستة شهور، بما فيها العدو الأزلي الزمالك، الذي يعيش في صراعات ومشاكل على المقاعد منذ بداية الألفية وحتى حرب الشوارع التي أفسدت انتخابات بداية الشهر. ويضاف إلى العقلية المؤسسية والانضباط المشترك في أسلوب إدارة الأهلي والبايرن، الشعور السائد لدى أصغر مشجع قبل رئيس النادي، بأن فريقه الأفضل والأعظم في هذا الكون، أو على الأقل في وطنه ودائرته في القارة، كما الحال للمشجع المدريدي في أوروبا، بأن فريقه الأكثر شهرة وتحقيقا للألقاب القارية على مستوى العالم، لذا يوصف الأهلي من الصحف الأوروبية بـ«ريال مدريد أفريقيا»، كإشارة إلى تقارب الشخصية والهيبة لكل في محيطه، مع اللقب المشترك بينهما، حيث يُعرف الملكي بنادي القرن في أوروبا والعالم، ونظيره المصري بنادي القرن الأفريقي، ومن غرائب القدر، أنهما يتنافسان على اللقب الشرفي «الأكثر تتويجا بالألقاب» القارية، مع تقلص الفارق بينهما إلى لقبين، بوصول الأهلي للقب رقم 24 خارج وطنه، مقابل 26 لقبا قاريا للكيان الأبيض، بعد رباعية موسيماني، بحصد التاسعة والعاشرة ومعهما السوبر الأفريقي مرتين على التوالي، مثل الطفرة التي حدثت مع الريال في حقبة زين الدين زيدان، التي كانت سببا في صعود الريال إلى صدارة الأندية الأكثر تتويجا للبطولات القارية على حساب الأهلي نفسه عام 2018.

القوة المالية

واحدة من أهم مصادر القوة التي يرتكز عليها الأهلي للحفاظ على إمبراطوريته وتوسيعه على مدار عقود، هي اقتصاده القوي وقدرته على جذب صفوة النجوم والحفاظ عليهم من إغراءات الأثرياء، بداية من عصر أحمد عبود باشا، التي قدم فيه نادي المصري شكوى رسمية للملك فاروق، حتى يتوقف عن دعمه السخي لفريق الأهلي، ذاك العصر الذي سيطر فيه الفريق على لقب الدوري في أول 9 نسخ، ولم تتأثر نجاحات النادي إلا بخروج الرئيس الملياردير بسبب ما يُعرف حتى الآن «بتأميم الشركات» في عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مرورا بعصر رجال الأعمال المحبين، الذين كانوا يتسابقون على دفع رواتب المدربين الأجانب وأفضل اللاعبين، بعيدا عن الشو الإعلامي، نهاية بما وصل إليه النادي في الوقت الراهن، كأكثر مؤسسة إبراما لعقود الرعاية الضخمة من الخليج إلى المحيط، بفضل الشعبية الجارفة للنادي وشمس البطولات التي لا تتوقف منذ أكثر من قرن من الزمن. وبفضل القوة الشرائية المهولة واستقراره الإداري والفني، أصبح قادرا على الاحتفاظ بأفضل نجومه إلى يومنا هذا. بجانب ذلك، تحسنت اختياراته للاعبين الأجانب، بجلب لاعبين بجودة تتناسب مع حجم وطموح النادي، من نوعية الأسطورة علي معلول، والدبابة المالية أليو ديانغ، وسبقهما وليد أزارو وأغلى صفقة في تاريخ الدوري المصري مالك إيفونا، الذي جاء بمليوني ونصف مليون يورو، وباعه الأهلي لأحد أندية الصين بأكثر من ثلاثة أضعاف ثمنه، فضلا عن الإدارة الحكيمة، التي أبرمت اتفاقات مع أندية مثل سموحة والجونة، وكانت سببا في اكتشاف مواهب الأكاديمية التي تحتاج نصف فرصها للانفجار، آخرهم أيمن أشرف والحاوي أحمد عبدالقادر والعالمي محمد عبدالمنعم، وكل ما سبق، يعطي لمحة ولو بسيطة عن أسباب عظمة هذا النادي وحفاظه على مكانه في هرم القمة بطريقة مغايرة تماما لكل الفرق العربية والأفريقية بدون استثناء.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن مصر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here