استطلاع البعثة الأممية بين شرعية الأرقام واتهامات التسييس

4
استطلاع البعثة الأممية بين شرعية الأرقام واتهامات التسييس
استطلاع البعثة الأممية بين شرعية الأرقام واتهامات التسييس

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أنها أنجزت استطلاعاً للرأي العام حول مستقبل العملية السياسية، شارك فيه أكثر من 26 ألف مواطن عبر استبيانات إلكترونية، مقابلات ميدانية، واستطلاع هاتفي نفذته شركة متخصصة لم يفصح عن اسمها ولمن تتبع. وقالت البعثة إن الهدف من هذا الاستطلاع هو استمزاج توجهات الليبيين حول أربعة خيارات سياسية اقترحتها اللجنة الاستشارية الليبية، على أن تُعرض نتائجه أمام مجلس الأمن الدولي يوم 21 أغسطس الجاري.

نتائج على الورق.. لكن ماذا على الأرض؟

وفق الأرقام التي نشرتها البعثة، صوّت 42 في المئة لصالح إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، معتبرين أنه الخيار الأقصر لكسر الجمود السياسي. فيما أيّد 23 في المئة حلّ المؤسسات القائمة وعقد منتدى سياسي جديد، مقابل 17 في المئة أعطوا الأولوية لإنجاز الدستور أولاً، بينما توزعت بقية الأصوات على خيارات أخرى بنسبة 18 في المئة.

لكن هذه النتائج سرعان ما أثارت شكوكا حول تمثيلها الحقيقي للرأي العام. فالعينة لم تُعلن تفاصيل توزيعها جغرافياً، أو عن الفئات العمرية أو جنس المشاركين ولم يُكشف عن مدى مشاركة الأطراف القريبة من سلطات طرابلس أو بنغازي أو القوى المسلحة، وهو ما جعل الأسئلة مفتوحة حول الشفافية.

وهنا يؤكد الخبير القانوني عبدالله الديباني في تصريح خاص لـ”أفريقيا برس”، أن الاستطلاع “يفتقد إلى أي غطاء قانوني وطني”، موضحاً أن أي عملية تُحدد خيارات الشعب في قضايا مصيرية لا بد أن تكون تحت إشراف جهات أنشأها القانون، وعلى رأسها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات. واعتبر أن تجاهل هذه الجهة يجعل العملية برمتها بلا سند شرعي.

غضب الشارع وانتقادات الساسة

في الشارع، خرج محتجون أمام مقر البعثة بطرابلس، رافعين لافتات تتهمها بأنها “عبء” على العملية السياسية، وفشلت في التوصل لحل يخرج البلد من مأزقه

سياسياً، كان الصوت أشد حدّة. رئيس حزب صوت الشعب، فتحي الشبلي عبر صفحته الشخصية على الفيس بوك، هاجم البعثة معتبراً أن الاستطلاع “مُبرر لتمرير ما تريده البعثة في برلين” وأنها باتت “تتصرف كدولة داخل الدولة” أما تجمع الأحزاب الليبية عبر بيان صحفي حذّر من أن نتائجه قد تُستخدم لإقصاء أصوات تطالب بإنجاز الدستور قبل الانتخابات

وهنا يوضح الديباني أن المشكلة لا تقف عند غياب الغطاء القانوني، بل تمتد إلى الحيادية نفسها، فـ“الخيارات التي طُرحت صاغتها لجنة استشارية مرتبطة بالبعثة، أي أن العملية موجهة مسبقاً وليست استطلاعاً حراً لإرادة الليبيين”. ويضيف أن إعلان النتائج في مجلس الأمن، لا أمام مؤسسات الدولة الليبية، “دليل واضح على أن الهدف سياسي ودولي، يفتح الباب أمام خلق شرعية بديلة خارج الأطر الوطنية”.

من الحياد إلى الانحياز

ويعزز الديباني هذا التوصيف قائلاً إن غياب الإشراف الوطني هو الثغرة الأخطر، إذ لم تشارك المفوضية العليا للانتخابات، وهي الجهة الشرعية الوحيدة، ما جعل البعثة تنفرد بالعملية دون رقابة محلية. ويرى أن ذلك “يمثل تجاوزاً لدور المؤسسات الوطنية، خاصة مجلس النواب باعتباره السلطة التشريعية المنتخبة”.

كما حذّر من أن هذه الخطوة تمثل “أداة ضغط سياسي” هدفها فرض مسارات معدة مسبقاً وإحراج المؤسسات الشرعية أمام المجتمع الدولي. بل ذهب أبعد من ذلك حين أكد أن مجلس النواب يمكن أن يعدّ هذه الخطوة “محاولة للانتقاص من السيادة الوطنية وإضعاف سلطة مؤسسات الدولة المنتخبة لصالح حلول مفروضة من الخارج”.

دفاع البعثة الإرادة لا تُقدر بثمن

في مواجهة هذه الانتقادات، شددت الممثلة الخاصة للأمين العام، هانا تيتيه، على أن العملية “ليبية القيادة والملكية”، معتبرة أن إشراك أكثر من 26 ألف مواطن دليل على رغبة حقيقية في الاستماع لتطلعات الشعب نحو انتقال سياسي سلمي يأخذ في الاعتبار الواقع الأمني والمؤسسي

البعثة بين الاتهام والواقع

ما بين متظاهرين يصفون البعثة بالعبء، وسياسيين يشككون في نواياها، وباحثين يعتبرونها جزءاً من الأزمة، وخبراء قانونيين يؤكدون أن الاستطلاع بلا شرعية ويفتقد للحياد، تترسخ صورة أن البعثة الأممية تجاوزت دورها كوسيط محايد لتصبح فاعلاً سياسياً ينازع المؤسسات الوطنية في اختصاصاتها.

بين التطلعات والاتهامات

ما بين رواية البعثة التي تؤكد أن الاستطلاع جسّد إرادة آلاف الليبيين الباحثين عن مخرج سلمي، وبين انتقادات خبراء وقوى سياسية ترى فيه خطوة تفتقد الشرعية وتفتح الباب أمام تدخلات خارجية، تبقى الحقيقة رهينة التوازن بين طموحات الداخل وضغوط الخارج.

فالليبيون، وفق ما أظهرته الأرقام، يتطلعون إلى انتخابات تنهي المرحلة الانتقالية، لكن الطريق إلى صناديق الاقتراع ما زال محفوفاً بالخلافات حول المرجعية الدستورية ودور المؤسسات الوطنية وحدود التدخل الدولي.

وبين هذا وذاك، يظل السؤال الأهم: كيف يمكن ترجمة أصوات المواطنين إلى عملية سياسية واقعية تحظى بشرعية داخلية وتحظى أيضاً بدعم المجتمع الدولي؟

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here