أفريقيا برس – ليبيا. فتح مقتل رئيس أركان الجيش الليبي الفريق أول محمد علي الحداد، في حادث تحطم طائرة عقب إقلاعها من مطار أنقرة مساء الثلاثاء، باب التساؤلات على مصراعيه، مخلفا حالة من الصدمة والحزن في الأوساط الليبية.
وتزامن الحادث مع الذكرى الـ75 لاستقلال ليبيا، مما أعاد إلى الواجهة مخاوف من تعميق حالة الانقسام السياسي والعسكري في البلاد، وطرح مجددا ملفات شائكة لم تُطوَ بعد بين شرق ليبيا وغربها، وفي مقدمتها مسار توحيد المؤسسة العسكرية.
ورغم إعلان السلطات التركية بدء التحقيق في ملابسات الحادث، والعثور على الصندوق الأسود وجهاز تسجيل قمرة القيادة في موقع تحطم الطائرة، فإن الغموض لا يزال يلف أسباب سقوطها، في انتظار ما ستكشف عنه نتائج التحقيقات الرسمية.
قائد ومسيرة
ويُعد الحداد من أبرز القادة العسكريين في ليبيا بعد ثورة 17 فبراير/شباط 2011، إذ كان من الضباط الذين تصدّوا لكتائب نظام العقيد الراحل معمر القذافي في مدينة مصراتة، كما لعب دورا بارزا في مواجهة هجوم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة طرابلس عام 2019.
وشغل الحداد، المنحدر من مدينة مصراتة (نحو 200 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس)، منصب رئيس الأركان العامة للجيش الليبي منذ عام 2020، وكان له دور محوري في جهود توحيد المؤسسة العسكرية، وشارك في اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5).
وبرز اسمه خلال التصدي للهجوم على طرابلس، إضافة إلى مشاركته في احتواء عدد من الصراعات المسلحة التي شهدتها العاصمة ومناطق في غرب ليبيا، مما جعله من الشخصيات المؤثرة في المشهدين العسكري والسياسي داخل حكومة الوحدة الوطنية.
وتعهد رئيس الأركان الراحل، منذ توليه منصبه، بالعمل على بناء جيش ليبي نظامي موحد قادر على حماية السيادة الوطنية، وإنهاء حالة الانقسام داخل المؤسسة العسكرية.
وقبل تعيينه رئيسا للأركان، شغل الحداد منصب آمر المنطقة الدفاعية الوسطى، وكان عضوا في الغرفة العسكرية المشتركة بالمنطقة الغربية.
علاقات واسعة
كما نسج علاقات عسكرية واسعة، لا سيما مع تركيا، حيث أجرى عدة زيارات رسمية، من بينها زيارة في أغسطس/آب 2021 شملت تفقد فرقاطة تركية قبالة السواحل الليبية، في إطار مهام بحرية وبروتوكولية عسكرية.
والتقى الحداد وزير الدفاع التركي آنذاك خلوصي أكار في طرابلس، في إطار التنسيق العسكري بين الجانبين، كما وقّع في مارس/آذار 2023 اتفاقا عسكريا مع إيطاليا في العاصمة روما، يهدف إلى تدريب القوات الخاصة الليبية وتعزيز قدراتها.
وشارك القائد العسكري الراحل في سلسلة لقاءات مع رئيس أركان قوات “القيادة العامة” الفريق أول عبد الرازق الناظوري، كان من أبرزها اجتماعات القاهرة وروما، حيث جرى التأكيد على وحدة الأراضي الليبية، وبحث تشكيل قوة مشتركة لحماية الحدود، بدعم أميركي وأوروبي.
وبرحيل الحداد، تفقد ليبيا أحد أبرز الوجوه التي ارتبط اسمها بمحاولات إعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية جامعة، في مرحلة دقيقة ما زالت البلاد تبحث فيها عن مخرج من دوامة الانقسام.
نعي وحزن
وفي بيان النعي، قالت حكومة الوحدة الوطنية الليبية إن “الوطن فقد نخبة من رجاله الذين خدموا ليبيا بإخلاص وتفان، وكانوا مثلا في الانضباط والمسؤولية والالتزام الوطني، وأسهموا بجهودهم في خدمة المؤسسة العسكرية والدولة الليبية”.
وفي نعيها للحداد، قالت رئاسة الأركان الليبي إن هذا المصاب الجلل خسارة وطنية جسيمة للمؤسسة العسكرية وللوطن بأسره، إذ كان الفقيد رمزا للقيادة والمسؤولية والانضباط، وكرّس حياته لخدمة ليبيا وصون أمنها وسيادتها، إلى جانب رفاقه الذين شاركوه شرف الواجب حتى اللحظات الأخيرة.
بدوره، قال اللواء المتقاعد خليفة حفتر -الذي تسيطر قواته على معظم مناطق شرق ليبيا- مساء الثلاثاء إنه “يتقدم بخالص التعازي وصادق المواساة في وفاة الفريق أول ركن محمد الحداد الذي وافته المنية إثر حادث تحطم طائرته في الجمهورية التركية”.
وأضاف بيان لحفتر “نعرب عن عميق الحزن لهذا المصاب الأليم ونتقدم بالتعزية إلى أسرة الفقيد الكريمة وإلى قبيلته وإلى مدينته ومن قبلهم الشعب الليبي كافة، كما نعزي كافة ضباط ومنتسبي القوات المسلحة في فقدان أحد رجالاتها الذين أدوا واجبهم العسكري بكل تفان ومسؤولية وتحملوا الأمانة في مراحل دقيقة من تاريخ الوطن وأعلوا مواقفهم المنحازة للقيم الوطنية على أي مصلحة أخرى”.
تقدير وتحقيق
وفي ردود الفعل الدولية، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن حزنها العميق إزاء حادث تحطم الطائرة المأساوي.
وقالت إنها “تستحضر بتقدير الخدمات المخلصة التي قدمها الفريق الركن الحداد ورفاقه. فخلال فترة توليه رئاسة الأركان العامة، كان الفريق أول ركن الحداد مدافعا قويا عن توحيد المؤسسات العسكرية والمدنية الليبية، وعن السلام والاستقرار من أجل ليبيا قوية، واضعا المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات”.
وتابعت أنه كان ضابطا مهنيا ووطنيا غيورا على بلاده، معربة عن تضامنها مع جميع المتضررين من هذه الفاجعة الكبرى في هذا الوقت العصيب.
وفيما تتواصل التحقيقات الفنية والقضائية في حادث تحطم الطائرة، تترقّب الأوساط الليبية نتائج ما ستسفر عنه أعمال لجان التحقيق، ولا سيما بعد إعلان السلطات التركية العثور الصندوق الأسود وجهاز تسجيل الصوت الخاص بالطائرة الليبية المنكوبة، وسط مخاوف من تداعيات الحادث على المشهد العسكري والأمني في البلاد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس





