أفريقيا برس – ليبيا. في ظل تزايد الانقسامات السياسية والمؤسساتية التي تعصف بالمشهد الليبي، أعاد قرار محمد تكالة، المتنازع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، بتكليف أحمد عون ضو برئاسة ديوان المحاسبة مؤقتًا، الجدل مجددًا إلى ملف المناصب السيادية، وفتح باب التساؤلات حول مشروعية القرار وتداعياته على عمل المؤسسة الرقابية ودورها في ضمان الشفافية ومكافحة الفساد. القرار لم يمر مرور الكرام، بل أثار موجة من الانتقادات وردود الأفعال، كشفت عمق الأزمة الدستورية والانقسام القائم بين الأطراف السياسية في البلاد.
فتنة قانونية وخطر الانقسام
القرار، الذي أتى في ظل خلافات حادة داخل ديوان المحاسبة وصمت من رئيسه الحالي خالد شكشك، دفع عضو مجلس النواب عز الدين قويرب إلى التحذير من تداعياته، واصفًا إياه بـ”الفتنة الجديدة” و”العبث القانوني الخطير”، الذي من شأنه أن يعمّق الانقسام بين الشرق والغرب. وفي منشور على صفحته الشخصية على “فيسبوك”، أشار قويرب إلى أن القرار يمثل “محاولة خسيسة لخلط الأوراق” ويمس النسيج الاجتماعي والسياسي في البلاد، داعيًا أحمد عون إلى عدم الانجرار إلى “دور توظيفي” يضر بالتوازن الاجتماعي.
مخالفة دستورية واضحة
من جانبه، أوضح هشام الحاراتي، المستشار القانوني والناشط الحقوقي، في تصريح خاص لـ “أفريقيا برس”، أن تعيين رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا يجب أن يتم بالتوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وفقًا للمادة (15) من الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات 2015.
وأشار الحاراتي إلى أن تعيين عون من طرف محمد تكالة “يُعد من الناحية القانونية فاقدًا للشرعية، كونه يتجاهل المسار التوافقي المطلوب، مما قد يعرض القرار للطعن القضائي بسبب عيب الجهة وعدم الاختصاص”. وأكد أن احترام الآليات القانونية المنصوص عليها في الاتفاق السياسي “هو الضامن الوحيد لمشروعية المؤسسات السيادية في ظل غياب دستور دائم”.
قرار غير توافقي ويزيد من التوتر
بدوره، صرّح عضو مجلس الدولة أبو القاسم قزيط لـ بوابة الوسط، مؤكدًا أن: “تكليف رئيس لديوان المحاسبة لا يمكن أن يتم إلا بتوافق واضح بين مجلسي الدولة والنواب، وهو ما لم يحدث، لا تصويتًا ولا تمريرًا”. وصف قزيط القرار بأنه بعثرة جديدة لأوراق مبعثرة أصلًا”، في إشارة إلى حالة الانقسام المؤسساتي المتفاقمة في ليبيا.
انقسام داخل المجلس الأعلى للدولة
أما الناشط والمحلل السياسي وعضو الحزب الديموقراطي علي البوتيلي، فقد قال في تصريح خاص لـ “أفريقيا برس”، أنه “من خلال اتفاق جنيف، متى ما كان مجلس الدولة موحدًا، كان شريكًا حقيقيًا مع مجلس النواب”. “لكن محمد تكالة، بتوجيه ظاهر وخفي، استطاع أن يقسم المجلس إلى جناحين، مما جعل أي قرار يصدر عن أحد الطرفين كالحبر على الورق”.
وتساءل البوتيلي “ما هي الأسباب التي يتم بها إقالة السيد خالد شكشك؟ وما المقومات التي يُكلف بها السيد أحمد عون؟” مؤكداً أنه”لا توجد أسباب جوهرية ولا مقومات وطنية لهذا القرار. الموضوع لا يتعدى محاولة لبعثرة الأوراق وإطالة عمر دولة عدم الاستقرار، مع تأثير غير مباشر على دور الأمم المتحدة ولجنتها الخاصة بالخبراء”.
ويعكس الجدل حول تعيين رئيس مؤقت لديوان المحاسبة هشاشة البنية السياسية والمؤسساتية في ليبيا، في ظل انقسامات لا تقتصر على السلطات التشريعية والتنفيذية فحسب، بل تمتد إلى مؤسسات الرقابة والمحاسبة.
وبينما تتوالى ردود الأفعال المنتقدة للقرار، يبرز غياب التوافق كأحد أبرز ملامح الأزمة الليبية، مما يستدعي إعادة إحياء المسارات القانونية والدستورية المعطلة، لضمان استقرار حقيقي وبناء مؤسسات فاعلة وشرعية تُعنى بمراقبة المال العام، وتستعيد ثقة المواطن في الدولة.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس