أسعد زهيو: لا استقرار في ليبيا دون توحيد المؤسسات

8
أسعد زهيو: لا استقرار في ليبيا دون توحيد المؤسسات
أسعد زهيو: لا استقرار في ليبيا دون توحيد المؤسسات

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. أوضح أسعد زهيو المرشح للانتخابات الرئاسية ورئيس حزب التجمع الوطني الليبي، في حوار خاص مع “أفريقيا برس”، أن الأزمة الليبية الراهنة تعود في جوهرها إلى الانقسام السياسي والصراع على السلطة والثروة، مشددًا على أن توحيد المؤسسات السيادية والأمنية يمثل المدخل الحقيقي لإعادة الاستقرار.

وأشار زهيو إلى أن سنوات ما بعد 2011 كشفت عن خطورة تفكيك مؤسسات الدولة، إذ أتاح ذلك المجال لانتشار الميليشيات المسلحة وتعاظم التدخلات الخارجية التي أطالت أمد الصراع.

وأضاف أن الشعب الليبي يتطلع اليوم إلى دولة حديثة تعيد توزيع الثروة بعدالة وتضمن الأمن والخدمات، لافتًا إلى أن تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية جادة، ومشاركة فاعلة من المجتمع المدني، ودعمًا دوليًا محايدًا لا يخدم مصالح ضيقة.

أسعد زهيو هو أستاذ القانون الدولي العام ورئيس حزب التجمع الوطني الليبي ومرشح رئاسي للانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2021.

بدايةً، كيف تصف الوضع السياسي والأمني الراهن في ليبيا، وما أبرز تأثيراته على حياة المواطن اليومية؟

يُمكن وصف الوضع في ليبيا بأنه حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني المستمر، نتيجة لانقسام مؤسسات الدولة بين فصائل متنافسة. هذا الانقسام أدى إلى تشكيل حكومتين رئيسيتين، واحدة في العاصمة طرابلس وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى في شرق البلاد وهي الحكومة المكلفة من البرلمان. وقد أدى هذا الوضع إلى تراجع كبير في جهود المصالحة الوطنية وأبقى على حالة من التوتر والترقب، لا سيما في طرابلس التي شهدت في فترات مختلفة حشودًا عسكرية ما ينذر دائمًا باحتمال اندلاع اشتباكات مسلحة قد تؤدي إلى تدهور الوضع بشكل أكبر.

وفي هذا السياق، تنعكس حالة الانقسام والصراع بشكل مباشر وسلبي على الحياة اليومية للمواطنين الليبيين، وتظهر هذه التأثيرات في عدة جوانب، منها تدهور الخدمات الأساسية، فبرغم أن ليبيا دولة نفطية، إلا أن عدم الاستقرار أدى إلى ضعف في كفاءة المؤسسات الخدمية، حيث يواجه المواطنون انقطاعات متكررة في الكهرباء ونقصًا في إمدادات المياه، فضلًا عن تدهور في الرعاية الصحية والتعليم. كذلك المعاناة الاقتصادية، فالصراع يؤثر على الاقتصاد بشكل كبير، حيث يواجه المواطنون تضخمًا كبيرًا في أسعار السلع، وانخفاضًا في قيمة الدينار الليبي، وتأخرًا في صرف الرواتب، ما يزيد من معاناتهم المعيشية.

أما من الناحية الأمنية، فالاشتباكات المتقطعة بين الميليشيات المسلحة تهدد سلامة المدنيين وتجعل حياتهم معرضة للخطر، خصوصًا في المدن الكبرى مثل طرابلس. كما أن انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة يساهم في ارتفاع معدلات الجريمة، ما يؤدي إلى شعور المواطنين بانعدام الأمان. وأخيرًا، أدى الانقسام الحكومي إلى ضعف سلطة القانون وتعدد مراكز اتخاذ القرار، ما يفتح الباب أمام الفساد والانتهاكات وغياب المحاسبة، الأمر الذي يؤثر على ثقة المواطنين في النظام السياسي والقضائي.

من وجهة نظرك، ما هي أهم التحديات التي يواجهها الليبيون اليوم، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو الخدمات العامة؟

في الواقع، يواجه الليبيون تحديات هيكلية عميقة على صعد مختلفة. فمن الناحية الاقتصادية ورغم امتلاك البلاد لأكبر احتياطي نفطي في أفريقيا، يتمثل أبرز هذه التحديات في الاعتماد الكلي على النفط، حيث يشكل ما يزيد عن 95% من إيرادات الدولة. هذا الاعتماد يجعل الاقتصاد الليبي هشًا للغاية ويتأثر بشكل مباشر بتقلبات أسعار النفط العالمية، مما يؤدي إلى عدم استقرار في الميزانية العامة والإنفاق الحكومي.

أضف إلى ذلك انعدام الاستقرار المالي نتيجة الأزمة السياسية التي أدت إلى انقسام المؤسسات المالية لا سيما مصرف ليبيا المركزي، مما يعيق صياغة سياسة نقدية موحدة وفعالة. هذا الانقسام أدى إلى تدهور قيمة العملة المحلية (الدينار) وارتفاع معدلات التضخم، مما يقلل من القوة الشرائية للمواطنين. كما يُعتبر الفساد من أخطر التحديات، فهو ينهب الموارد العامة ويُعيق تنفيذ المشاريع التنموية ويُفاقم من أزمة توزيع الثروة بشكل عادل بين مختلف المناطق.

أما على الصعيد الاجتماعي، فقد أدت سنوات الصراع إلى تداعيات خطيرة على النسيج الاجتماعي الليبي. من أبرز هذه التحديات تفكك النسيج الاجتماعي الذي أدّى لاشتباكات مسلحة وانقسامات سياسية عمقت الانقسامات القبلية والمحلية، مما يضعف مفهوم الهوية الوطنية المشتركة. هذه الانقسامات تؤدي إلى صراعات على النفوذ والموارد وتُعيق جهود المصالحة الوطنية. ولا يزال الآلاف من الليبيين نازحين داخل بلادهم بسبب الصراع، مما يؤثر على حياتهم ويزيد من الضغط على المجتمعات المضيفة.

كما أن تزايد الهجرة غير الشرعية عبر الأراضي الليبية أدى إلى تحديات إنسانية وأمنية إضافية. بالإضافة إلى أن انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة وتعدد الميليشيات المسلحة أدى إلى شعور عام بانعدام الأمن وتزايد معدلات الجريمة المنظمة، مما يؤثر سلبًا على الاستقرار الاجتماعي.

وفيما يتعلق بالخدمات العامة، ورغم الثروة النفطية، يعاني قطاع الخدمات العامة في ليبيا من تدهور كبير نتيجة للإهمال والفساد وعدم الاستقرار. حيث تعتبر انقطاعات التيار الكهربائي المتكررة والطويلة من أكبر التحديات التي يواجهها الليبيون يوميًا، وتؤثر على جميع مناحي الحياة من الصحة والتعليم إلى الأنشطة التجارية. كذلك تعاني المستشفيات والمدارس من نقص حاد في المعدات والأطقم الطبية والمعلمين، مما يقلل من جودة الخدمات المقدمة. وأخيرًا فإن الطرق والمرافق العامة تعاني من الإهمال وتفتقر إلى الصيانة الدورية، مما يعيق الحركة ويؤثر على الأنشطة الاقتصادية.

بالنظر إلى الأحداث الأخيرة، كيف ساهمت التوترات الأخيرة في تعقيد الوضع، وهل هناك عوامل خارجية لعبت دورًا في ذلك؟

شهدت الساحة الليبية، خاصة في العاصمة طرابلس، تزايدًا في حدة التوترات التي كادت أن تفضي إلى مواجهة مسلحة شاملة. وقد ساهمت هذه التحشيدات العسكرية في تعقيد المشهد السياسي الهش، وكادت أن تؤدي إلى تجميد جهود التسوية السياسية التي ترعاها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

وتُعزى هذه التوترات في جوهرها إلى الصراع على السلطة والنفوذ بين الفصائل المسلحة والجهات السياسية المختلفة، والتي تتخذ من طرابلس مركزًا لها. فاستمرار الانقسام بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس والحكومة الموازية المُكلفة من البرلمان في الشرق، أدى إلى حالة من الانسداد السياسي. كذلك فشل جهود الأمم المتحدة والوسطاء المحليين في التوصل إلى اتفاق حول القاعدة الدستورية والانتخابات، مما غذّى حالة عدم اليقين وأتاح الفرصة للقوى التي تفضل الحلول العسكرية.

كما كانت التغيرات في التحالفات بين المجموعات المسلحة في طرابلس، سعيًا للسيطرة على مناطق النفوذ والموارد، محفزًا رئيسيًا للتوترات الأخيرة. وفي هذا الصدد، لا يمكن فهم الوضع في ليبيا بمعزل عن الدور الذي تلعبه الأطراف الخارجية، حيث كانت تدخلاتها عاملًا مزدوجًا. فهي من جهة ساهمت في تثبيت التهدئة الهشة، ومن جهة أخرى عززت الانقسام.

ويُعتقد أن التهدئة التي أعقبت التصعيد الأخير كانت نتيجة لضغوط دولية وإقليمية، مارستها بعض الدول الفاعلة التي تخشى من تداعيات اندلاع صراع جديد على مصالحها الأمنية والاقتصادية. وفي المقابل، لعبت بعض القوى الخارجية دورًا سلبيًا عبر دعمها لأطراف معينة بالمال والسلاح، ما يُعقد من جهود المصالحة ويُطيل أمد الصراع. هذه التدخلات تُرسخ حالة الانقسام وتُضعف من سيادة الدولة الليبية.

وبشكل عام، فإن التوترات الأخيرة كشفت عن هشاشة الوضع الأمني في ليبيا، وأظهرت أن الحل السياسي لا يزال بعيد المنال ما لم يتم التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع، داخليًا وخارجيًا.

إذا عدنا إلى التاريخ منذ 2011، كيف ترى تأثير هذه المرحلة على الواقع الحالي في ليبيا؟ وما الدروس التي يمكن أن يتعلمها الليبيون من تلك التجارب؟

يُمكن وصف الفترة التي بدأت في عام 2011 بأنها نقطة تحول جذرية في التاريخ الليبي، حيث أدت إلى انهيار النظام السياسي السابق ودخول البلاد في دوامة من الفوضى والصراعات. هذا الواقع الحالي في ليبيا هو نتاج مباشر لتلك المرحلة. فمنذ اليوم الأول، تم تدويل الأزمة الليبية بصدور قرارات من مجلس الأمن الدولي، والتي فتحت الباب للتدخل العسكري الخارجي.

هذا التدخل، رغم أنه كان يهدف إلى حماية المدنيين، إلا أنه أدى إلى فراغ سياسي وأمني كبير بعد إسقاط النظام، وترك البلاد لمصيرها دون خارطة طريق واضحة لإعادة البناء. وقد كان من أخطر تداعيات تلك المرحلة حل المؤسسات الأمنية والعسكرية، وعلى رأسها الجيش والشرطة. هذا العمل أوجد فراغًا أمنيًا هائلاً، وسمح بظهور وانتشار الميليشيات المسلحة التي ملأت هذا الفراغ، وأصبحت فيما بعد قوى فاعلة في المشهد السياسي، ما أدى إلى فوضى شاملة وصراعات لاحقة.

وأصبح المشهد الليبي مزيجًا معقدًا من صراعات داخلية على السلطة والثروة، وتدخلات خارجية من قوى إقليمية ودولية تسعى لتحقيق مصالحها. هذا التداخل السلبي عرقل أي جهود لإعادة بناء الدولة على أسس سليمة، وقوّض من فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة. ومن هنا، كان يجب أن تكون الأولوية في أي عملية تغيير سياسي هي الحفاظ على مؤسسات الدولة لا سيما الأمنية والعسكرية، وإصلاحها لا هدمها.

حيث لا يمكن لأي تدخل خارجي أن يحل المشاكل الداخلية، فالحل يكمن في الحوار الشامل بين الأطراف المحلية للوصول إلى تسوية وطنية. وعلى الليبيين أن يدركوا أن قرارهم هو أساس سيادة دولتهم، وأن أي تدخل خارجي، مهما كانت مبرراته، لن يخدم مصالحهم الوطنية في النهاية.

كيف يمكن للشعب الليبي أن يستفيد من هذه التجارب لتجاوز الأزمة الحالية؟

إن الدروس المستفادة من تجارب الماضي يمكن أن تكون هي حجر الزاوية لتجاوز الأزمة الراهنة. فالشعب الليبي يمكن أن يستفيد من هذه التجارب من خلال إدراك أهمية الوحدة الوطنية كقيمة عليا تتجاوز الولاءات القبلية والإقليمية.

وعليهم أن يدركوا أيضًا أن الصراع على السلطة والثروة هو السبب الجذري لتدمير بلادهم، وبالتالي يجب عليهم أن يضغطوا على القوى السياسية من أجل إيجاد حل توافقي مبني على المصالحة والقبول بالآخر. كما يجب عليهم أن يكونوا أكثر وعيًا بالتدخلات الخارجية السلبية التي تسعى لزعزعة استقرار البلاد، وأن يدعموا أي جهود محلية جادة تهدف إلى إنهاء الفوضى وبناء دولة مدنية حديثة.

كما عليهم أن يرفضوا أي محاولة لشرعنة الميليشيات المسلحة، لأن هذه الكيانات هي التي عرقلت عملية بناء المؤسسات الأمنية والسياسية على مدار السنوات الماضية.

من وجهة نظرك، ما الذي يتطلع إليه الليبيون للمستقبل؟ وما هي أهم أمنياتهم لبلدهم؟

إن تطلعات الليبيين للمستقبل لا تختلف كثيرًا عن تطلعات أي شعب يتوق للسلام والكرامة والازدهار. فأهم أمنياتهم تتمثل في بناء دولة مستقرة ذات سيادة كاملة، تُحقق لهم الأمن والأمان، وتوفر لهم الخدمات الأساسية بجودة عالية، وتتيح لهم الفرصة لتحقيق طموحاتهم في التعليم والعمل والصحة.

فهم يتطلعون إلى مستقبل لا تُسيطر فيه الميليشيات على شوارعهم، ولا يُفرض فيه الفساد على مؤسساتهم. مستقبل تُدار فيه ثرواتهم النفطية بشفافية وعدالة، ويُعاد توزيعها على جميع أبناء الوطن دون تمييز. كما يتطلعون إلى أن تكون ليبيا دولة ذات علاقات متوازنة مع محيطها الإقليمي والدولي، تُساهم في استقرار المنطقة، وتُعيد مكانتها على الساحة الدولية، بعيدًا عن لغة السلاح والصراع.

ما الخطوات العملية التي تعتقد أنه يجب على الحكومة والمجتمع المدني اتخاذها لتحسين الوضع في ليبيا؟

تحسين الوضع في ليبيا يتطلب عملًا جادًا ومتكاملًا من كل الأطراف. فعلى الصعيد الحكومي، يجب أن تكون الأولوية لتوحيد المؤسسات السيادية والمالية والأمنية، وتشكيل حكومة موحدة قادرة على إدارة شؤون البلاد، والتحضير لانتخابات حرة ونزيهة. كما يجب على الحكومة أن تُفعّل قانون العدالة الانتقالية، وتُحاسب المسؤولين عن الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.

كما يجب عليها أن تضع خطة شاملة لإصلاح القطاعات الحيوية مثل الكهرباء والصحة والتعليم، وإعادة تأهيل البنية التحتية. أما على صعيد المجتمع المدني، فيجب أن يكون له دور فاعل في الضغط على الأطراف السياسية لتقديم التنازلات الضرورية من أجل مصلحة الوطن.

كما يجب أن يعمل على نشر ثقافة الحوار والمصالحة والقبول بالآخر، وأن يُنظم حملات توعية حول أهمية المشاركة السياسية ورفض العنف، وأن يعمل على تعزيز دور المرأة والشباب في عملية بناء الدولة، وأن تكون له مبادرات ملموسة لمساعدة النازحين والضحايا وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم.

. وأخيرًا، كيف ترى دور المجتمع الدولي في دعم ليبيا، وما نوع الدعم الذي يحتاجه الليبيون لتحقيق الاستقرار والتنمية؟

إن دور المجتمع الدولي في دعم ليبيا يجب أن يكون مُحايدًا ومُنسقًا، بحيث يهدف إلى دعم الشعب الليبي في تحقيق سيادته الكاملة، وليس خدمة مصالح القوى الخارجية. فالمجتمع الدولي مطالب بأن يُوقف التدخلات السلبية ويدعم جهود توحيد المؤسسات، وأن يفرض عقوبات حقيقية على كل من يُعيق العملية السياسية أو يُساهم في إشعال الصراعات المسلحة.

كما يجب عليه أن يُقدم دعمًا حقيقيًا لإعادة بناء الجيش والشرطة الليبية تحت قيادة موحدة، ويُساهم في برامج نزع السلاح وتسريح المقاتلين. كما يجب أن يكون الدعم الاقتصادي والمالي مُوجهًا بشكل مباشر لمشاريع تنمية محلية تُحسّن من مستوى معيشة المواطن، وتُساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية، لا أن يكون مجرد استثمار لصالح قوى بعينها.

فالدعم الحقيقي يكمن في مساعدة الليبيين على بناء دولة مستقرة وقادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها، لا أن يكون مجرد أداة لإطالة أمد الصراع.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here