الدبيبة يعيد رسم خريطة النفوذ الأمني بطرابلس على حساب الردع

3
الدبيبة يعيد رسم خريطة النفوذ الأمني بطرابلس على حساب الردع
الدبيبة يعيد رسم خريطة النفوذ الأمني بطرابلس على حساب الردع

خالد محمود

أفريقيا برس – ليبيا. في خطوة عكست تصاعد الصراع على إدارة الملفات السيادية في ليبيا، أصدر، الأربعاء، رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة»، عبد الحميد الدبيبة، سلسلة قرارات استهدفت تقليص نفوذ جهاز «الردع» المناوئ له على مرافق حيوية في العاصمة طرابلس، بدءاً من «مطار معيتيقة»، وصولاً إلى ملف السجون، بالتزامن مع تسلّم رئيس جهاز الشرطة القضائية الجديد مهامه للمرة الأولى.

وتعبيراً عن الدخول في مرحلة جديدة من الترتيبات الأمنية المدعومة بوساطة تركية، أصدر الدبيبة قراراً بتشكيل لجنة خاصة لإتمام إجراءات الفصل بين «مطار معيتيقة» المدني وقاعدته العسكرية، بعدما اتخذها «جهاز الردع» لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، مقراً رئيسياً له خلال السنوات الماضية.

ونص القرار على أن يترأس اللجنة، وكيل وزارة المواصلات لشؤون النقل الجوي، خالد نصر سويسي، وتضم في عضويتها ممثلين عن القوات الجوية، و«جهاز الردع»، ومصلحة الأملاك العامة، على أن يتم ترشيح المندوبين من قبل الجهات المختصة.

وحدد القرار مهام «اللجنة» في إنشاء حاجز مادي يفصل بين المطار المدني والقاعدة العسكرية، إلى جانب وضع وتحديد الحدود الإدارية بين الجهتين، مع إلزامها بإنجاز أعمالها خلال مدة أقصاها أسبوع من تاريخه، وإحالة تقريرها النهائي إلى الدبيبة لاعتماده، كما أكد على الجهات ذات العلاقة ضرورة الالتزام بتنفيذه.

ولم يكتف الدبيبة بهذا الإجراء، بل اتخذ خطوة أكثر حساسية بإصدار قرار إضافي بتشكيل لجنة برئاسة رئيس قسم التفتيش عن الهيئات القضائية ومؤسسات الإصلاح والتأهيل بمكتب النائب العام ومندوبين عن وزارة العدل وجهاز الشرطة القضائية، لتسلم السجون «مؤسسات الإصلاح والتأهيل» الموجودة بـ«قاعدة معيتيقة» ومنطقة عين زارة، وحصر أعداد النزلاء وتصنيفهم وفق القضايا المقيدة ضدهم، ومتابعة الالتزام بإنفاذ القانون تجاه المطلوبين من مكتب النائب العام.

ويرى مراقبون أن نقل ملف السجون إلى هذه اللجنة، يعني أن «حكومة الوحدة تسحب من يد جهاز الردع واحدة من أهم أدوات قوته (ملف الاحتجاز والاعتقال)، الذي لطالما وُجهت له انتقادات دولية وحقوقية».

وكان «جهاز الردع» يسيطر فعلياً على جزء من «قاعدة معيتيقة»، بما فيها السجون ومرافق أمنية مرتبطة به، ما منحه نفوذاً أمنياً واسعاً وهيبة سياسية داخل العاصمة.

ويعكس قرار الدبيبة بالفصل بين المطار والقاعدة، في رأي مراقبين، «محاولة لتقليص هذا التداخل، وإعادة ضبط التوازن بين مؤسسات الدولة الرسمية (وزارة المواصلات وهيئات الطيران المدني) والأجهزة الأمنية ذات النفوذ الميداني». كما يمثل القرار «اتجاه الدبيبة لتعزيز نفوذه وترسيخ حضوره في الملفات الأمنية الحساسة بالعاصمة، وتوجيه رسالة إلى خصومه السياسيين مفادها أن حكومته تمسك بزمام القرارات السيادية، وقادرة على فرض قرارات عملية، ما يمنحه مساحة إضافية لتقوية شرعيته داخلياً ودولياً».

وأعلنت «حكومة الوحدة» وجهاز الشرطة القضائية، في بيانين منفصلين ومقتضبين، تسلّم اللواء عبد الفتاح دبوب مهامه رسمياً، تنفيذاً لقرار الدبيبة بالخصوص، حيث اجتمع مع مديري الإدارات والفروع للنظر في سير العمل.

وأكد مصدر في «جهاز الشرطة القضائية»، لـ«الشرق الأوسط»، الأربعاء، التوصل إلى توافق أفضى إلى «مباشرة دبوب مهامه رسمياً».

وأوضح المصدر، الذي طلب عدم تعريفه، أن «الحديث عن صدور قرار آخر من رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، مجرد تسريبات»، نافياً أن يكون المنفي قد أصدر أي إجراء رسمي بالخصوص، مؤكداً أن تعيين رئيس «الجهاز» من اختصاصات رئيس الحكومة.

وبشأن التزام الرئيس الحالي للجهاز صبري هدية بقرار الإعفاء، أكد المصدر أن القرار «سليم من الناحية القانونية» وبالتالي ملزم، مشيراً إلى أن «دبوب من ضباط الشرطة القضائية المخضرمين، ولديه خبرة تمتد لـ26 عاماً في إدارة السجون».

ولم يكن الخلاف بين الدبيبة والمنفي محصوراً في التعيينات الإدارية، بل ارتبط بصراع أوسع على الصلاحيات في الملف الأمني، فبينما يرى المنفي أن «موقع رئيس جهاز الشرطة القضائية يندرج تحت صلاحياته باعتباره القائد الأعلى للجيش»، تمسك الدبيبة بحقه بوصفه رئيساً للحكومة في إدارة الملف.

وكان الدبيبة، قد عين اللواء دبوب رئيساً للجهاز، بينما سرب مكتب المنفي قراراً موازياً بتعيين اللواء عطية الفاخري لنفس المنصب، وتوقع التزام الحكومة به خلافاً لما حدث، وهدد بانهيار الترتيبات الأمنية التي تم التوصل إليها بوساطة تركيا لمنع اندلاع مواجهات عسكرية بين قوات حكومة «الوحدة» و«جهاز الردع» المناوئ لها.

ويأتي تعيين رئيس الجهاز الجديد ضمن حزمة قرارات ستطال مسؤولين أمنيين آخرين، في إطار التفاهمات الجديدة التي استهدفت خفض التصعيد، عقب تحشيدات عسكرية متبادلة بين ميليشيات تابعة لحكومة «الوحدة» و«جهاز الردع» وحلفائه، ما عكس خطراً حقيقياً بانزلاق الوضع نحو حرب جديدة في المدينة.

وفى هذا الإطار، بحث المنفي بوصفه نظرياً القائد الأعلى للجيش الليبي، مع لجنة الترتيبات الأمنية والعسكرية، مستجدات العمل على تثبيت وقف إطلاق النار في العاصمة، وخطوات تنفيذ الاتفاقات الأمنية بما يُعزز الاستقرار في البلاد.

فيما قالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة، هانا تيتيه، إنها أجرت في موسكو «محادثات بناءة» مع نائب وزير الخارجية الروسي، فيرشينين سيرغي، حول خريطة الطريق الليبية التي أعلنت عنها «بهدف توحيد المؤسسات ووضع البلاد على طريق الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بالإضافة إلى سبل انخراط الدول الأعضاء بشكل شامل وفعال، من خلال عملية برلين، في دعم عملية سياسية يقودها الليبيون وتحظى بدعم دولي منسق».

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here