علاء حموده
أفريقيا برس – ليبيا. في كل شهر، يجد لؤي محمد، الموظف في إحدى المؤسسات الحكومية الليبية، نفسه مضطراً لمواجهة معاناة متكررة لتسلم راتب «تلتهمه العمولات المصرفية المتفاوتة، تارة بين البنوك، وأخرى بين مكاتب الصرافة»، وسط نقص السيولة النقدية وارتفاع الأسعار.
ويروي لؤي (35 عاماً) تجربته، قائلاً: «يُودَع مرتبي في الحساب المصرفي بعد تأخير، لكن لا أستطيع سحبه إلا على دفعات من المصرف بعمولات متعددة، أو عن طريق مكتب صرافة بعمولة مكلفة». وأضاف: «في النهاية، أحصل على أقل من 80 في المائة من الراتب».
شهادة الموظف توجز جانباً من معاناة متصاعدة لقطاعات من الليبيين الذين يعيشون أزمة سيولة مزمنة، وما يعتبرونه «اقتطاعاً مقنناً من رواتبهم»، وهو ما تنقله أيضاً صفحات التواصل الاجتماعي.
وبحسب تعليمات رسمية صادرة عن مصرف ليبيا المركزي، تحددت العمولة على السحب النقدي عبر أجهزة الصراف الآلي في المصارف بـ0.5 دينار عن كل 100 دينار مسحوب، وهو ما تقرر تحديداً في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. (الدولار في السوق الرسمية يساوي 5.45 دينار، وفي الموازية 7.77 دينار).
لكن الواقع على الأرض يبدو مغايراً، إذ تقول مها، الموظفة في بنغازي، إن بعض المصارف تفرض رسوماً «تصل في بعض الأحيان إلى 10 دنانير عن كل عملية سحب»، مشيرة إلى أن المواطنين «يفقدون عشرات الدنانير شهرياً مقابل خدمة كانت مجانية».
“معاناة حقيقية”
وتقر «لجنة المالية والتخطيط» بالبرلمان الليبي بـ«معاناة حقيقية يعيشها المواطنون بسبب الخصومات والعمولات على سحب المرتبات»، وفق ما قاله نائب رئيسها، المهدي الأعور الذي تحدث عن عزم «اللجنة» عقد اجتماع مع «المصرف المركزي» وإدارات البنوك لمناقشة هذه الإشكالية ووضع حلول لتخفيف الأعباء عن المواطنين.
ويبدو أن الشكاوى من العمولة على الرواتب مستمرة منذ الشهر الماضي، إذ سبق أن عبّر مواطنون في تصريحات لـ«وكالة الأنباء الليبية» عن استيائهم من ارتفاع رسوم السحب عبر الصراف الآلي إلى 5 دنانير لكل عملية، ما يعني أن مَن يسحب ألف دينار على 3 دفعات يخسر 15 ديناراً شهرياً.
وقال الأعور إن بعض المصارف لم تلتزم بتعليمات «المركزي» بشأن تقليص العمولات، منوهاً بـ«مساعي المصرف المركزي لضبط النظام المصرفي وفرض عقوبات على الإدارات المخالفة بهدف توحيد الإجراءات وتقليل الاستقطاعات إلى أدنى حد ممكن».
وشهادات وشكاوى الليبيين المستمرة بشأن تلك العمولات تعيد التذكير بطلبات وجهها «المركزي» إلى 4 بنوك حكومية وخاصة بإعادة نحو 85 مليون دينار لمواطنين بعد أن جرى سحبها في صورة رسوم عبر نقاط البيع، وفق وسائل إعلام محلية في صيف العام الحالي.
“قطاع موازٍ”
الخبير الاقتصادي، علي الصلح، قال إن مصرف ليبيا المركزي هو الجهة الوحيدة المخولة بتحديد العمولات المصرفية وفق السياسة النقدية، لكن بعض المصارف «استغلت العمولة لزيادة أرباحها على حساب المواطنين». وأضاف أن نسبة التعامل النقدي إلى الإيداعات ارتفعت إلى نحو 48 درهماً لكل دينار، وهو ما يعكس «أزمة ثقة حقيقية بالجهاز المصرفي».
ولا تتوقف العمولات عند حدود ماكينات البنوك ومكاتبها، فنقص السيولة النقدية والطوابير المستمرة أمام المصارف دفعا كثيرين إلى التعامل مع بعض مكاتب الصرافة التي توفر السيولة نقداً مقابل اقتطاع بين 15 و25 في المائة من قيمة الراتب.
وشن الإعلامي الليبي خليل الحاسي حملة انتقادات حادة على هذه الممارسات، وقال: «الموظف الذي يبلغ مرتبه ألف دينار يضطر لدفع 180 ديناراً لمكتب صرافة حتى يحصل على أمواله»، واصفاً ما يحدث بأنه «استسلام لعصابات مالية تستحوذ على ربع رواتب الليبيين كل شهر».
وحتى يوليو (تموز) الماضي، منح «المصرف المركزي» تراخيص لـ187 شركة ومكتب صرافة لتغطية مختلف المناطق، لكن خبراء يرون أن كثيراً منها تحول إلى قطاع موازٍ أشبه بسوق سوداء.
وفي رأي الصلح، فإن بعض هذه المكاتب «تعمل خارج الإطار المصرفي الرسمي، وتحقق أرباحاً عبر فساد بعض الإدارات المصرفية»، مشدداً على أن الاقتصاد السليم يتطلب أن تكون التعاملات عبر القنوات التي تضمن سلامة الأموال وشفافيتها.
وتستحوذ المرتبات على نحو 60 في المائة من إجمالي النفقات العامة للدولة الليبية، مسجلة 51 مليار دينار منذ بداية العام الحالي وحتى سبتمبر (أيلول)، وفق أحدث بيانات لمصرف ليبيا المركزي.
لكن متابعين لاحظوا أن المواطن العادي لا يشعر بانعكاس هذه الأرقام على حياته اليومية، خصوصاً مع راتب تستنزفه عمولات يتآكل أمامها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس





