محمد البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. الإعلان مشوق ولكن الحقيقة لا يزال مخطط البعثة في نظري يكتنفه الكثير من الغموض، ولا يزال من المبكر الحكم على ما ستعلن عنه المبعوثة وما هي نتائج تنسيقها مع الدول المتداخلة في ليبيا.
ولكن تحليلي الواقعي للخبر يمكن تلخيصه في الآتي:
إعلان المبعوثة الأممية “هانا تيتيه” هو حدث مهم، لكن تقييم فعاليته يتطلب النظر إلى ما وراء العنوان الرئيسي. فإذا بحثنا الخبر من عدة زوايا يمكن ان نلاحظ التالي:
*الجانب الإيجابي والتفاؤل الحذر
إعادة التركيز: مجرد وجود “خارطة طريق جديدة” يحاول إخراج العملية السياسية من الجمود الذي تعيشه منذ إخفاق الانتخابات الماضية. هذا في حد ذاته إجراء ضروري.
السيادة الليبية: تأكيدها على “إعادة اللبيين إلى صميم العملية” هو رسالة قوية ومهمة تهدف إلى طمأنة الشعب الليبي أن القرار يجب أن يكون بيدهم، وليس مفروضاً عليهم فرضاً. هذا خطاب يحاول كسب شرعية شعبية.
الضغط الدولي: تحديد موعد معلن (الخميس المقبل) يخلق نوعاً من الضغط والالتزام على البعثة والأطراف الدولية، مما قد يمنع (المماطلة) اللانهائية.
*المخاطر والتحديات
المشكلة في ليبيا هي مشكلة التنفيذ وليس التخطيط: المشكلة في ليبيا لم تكن أبداً في نقص “الخرائط” أو “المبادرات”. كانت المشكلة دائماً في الآلية لتنفيذها. من يضمن التزام كل الأطراف؟ ما هي آلية فرض العقوبات على المعرقلين؟ الخارطة التي تخلو من آلية تنفيذ قوية هي حبر على ورق.
الانقسام المؤسسي: أي خارطة طريق للانتخابات تواجه سؤالاً وجودياً: تحت إشراف من ستجرى؟ هناك حكومتان وبرلمانان. هل الخارطة تتضمن خطوة لحل هذا الانقسام أولاً أم أنها تتخطاه؟ تجاوزه مستحيل، ومعالجته صعب للغاية.
القوى المسلحة والفصائل: الانتخابات تحتاج إلى بيئة آمنة ومحايدة. كيف ستتعامل الخارطة مع قوات الجنوب الشرقي (خليفة حفتر) والفصائل في الغرب؟ هل هناك نية لنزع سلاح أو دمج هذه الفصائل تحت سلطة واحدة؟ هذا هو التحدي الأمني الأكبر.
التدخل الدولي (كما ذكرت سابقاً): هذه هي النقطة الأهم. الدول الداعمة لأطراف متصارعة (مصر، روسيا، الإمارات من ناحية، وتركيا وقطر من ناحية أخرى) لها أولوياتها. أي خارطة طريق تهدد مصالح أحد هذه الأطراف سيتم إفشالها. السؤال الحقيقي هو: هل تمتلك “تبتيه” والولايات المتحدة والأمم المتحدة الرغبة والوسائل للضغط على هذه الدول لسحب دعمها والسماح للعملية بأن تكون ليبية حقاً؟ التاريخ يشكك في ذلك.
*السيناريوهات المحتملة
السيناريو المتفائل (ضعيف الاحتمال): أن تكون الخارطة شاملة ومفاجئة، وتتضمن آلية تنفيذ واضحة بضغط دولي موحد، مما يدفع الجميع للقبول خوفاً من العزول أو العقوبات.
السيناريو الواقعي (مرجح): أن تكون الخارطة (اقتراح غامض آخر) يرحب به الجميع علناً ثم يعملون على تعطيله سراً، مما يحافظ على الوضع الراهن.
السيناريو المتشائم: أن ترفض أحد الأطراف الرئيسية الخارطة علناً منذ البداية، مما يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب وربما تصعيد عسكري. النتيجة:
إعلان “تيتيه” هو خطوة دبلوماسية ضرورية ولكنها غير كافية. هو محاولة للحفاظ على زخم الملف الليبي وعدم تركه يغرق في النسيان. ومع ذلك، فإن نجاحه مرهون بعوامل خارج سيطرة البعثة الأممية إلى حد كبير، وأهمها:
الإرادة الحقيقية للقوى الدولية للتضحية بمصالحها قصيرة المدى من أجل استقرار ليبيا.
قبول النخب الليبية (السياسية والعسكرية) للتخلي عن مكاسبها الشخصية لصالح الصالح العام.
لذلك، مثلما ذكرنا في البداية الإعلان مشوق… لكن يكتنفه الغموض، ومن المبكر الحكم عليه. الفضول مبرر، ولكن يجب أن يقترن بالشكوك الواقعية حتى لا نكرر حلقة الأمل وخيبة الأمل مرة أخرى.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس