مقترح الأقاليم الثلاثة في ليبيا استقرار أم تهديد لوحدة الدولة؟

19
مقترح الأقاليم الثلاثة في ليبيا استقرار أم تهديد لوحدة الدولة؟
مقترح الأقاليم الثلاثة في ليبيا استقرار أم تهديد لوحدة الدولة؟

عبد الرحمن البكوش

أفريقيا برس – ليبيا. بينما تعاني ليبيا من انسداد سياسي، ذهب النائب بـ “المجلس الرئاسي” موسى الكوني إلى التأكيد على “ضرورة العمل بنظام الأقاليم الثلاثة، مع مجالس تشريعية مستقلة؛ لضمان تحقيق الاستقرار في مختلف مناطق البلاد”.

ويبدو أنّ الانقسام الذي تعانيه ليبيا منذ أكثر من عقد قد أدى إلى تصاعد الحديث عن نظام الحكم الفيدرالي، ممّا يثير مخاوف عميقة من سيناريو التقسيم.

حيث أثار تصريح نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني حول ضرورة العمل بنظام الأقاليم الثلاثة في ليبيا جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والقانونية، حيث أعاد النقاش حول وحدة الأراضي الليبية وإمكانية تقسيمها إلى أقاليم تشريعية مستقلة.

مقترح موسى الكوني

موسى الكوني، الذي يعتلي منصب نائب رئيس المجلس الرئاسي، استعرض في تصريحاته الأخيرة أهمية تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم: طرابلس، فزان، وبرقة. وحسب رؤيته، فإن إنشاء مجالس تشريعية مستقلة لكل إقليم يساهم في ضمان حقوق كل مكونات الشعب الليبي، ويضمن تسليم ميزانيات مستقلة لمناطقها لتطوير مشاريعها. هذا النظام، وفقاً للكوني، يساهم في تخفيف العبء عن العاصمة ويمنح كل منطقة فرصة لتحقيق التنمية والتوزيع العادل للموارد، الأمر الذي يساهم في الحد من الفساد الإداري والمالي، بينما تظل الدولة في موقعها السيادي وتحتفظ بنفوذها في القضايا الكبرى.

وخلال جلسة حوارية مع عدد من السياسيين والإعلاميين، دافع الكوني عن رؤيته مؤكداً أن الانقسام السياسي في ليبيا لم يعد مقتصراً على السلطة التنفيذية أو التشريعية، بل يشمل التوزيع الجغرافي للسلطة، حيث تعاني بعض الأقاليم، خاصة فزان، من الإقصاء التام. وأوضح أن التصور المقترح لنظام الأقاليم من شأنه أن يعيد التوازن السياسي ويحقق الاستقرار في البلاد عبر تعزيز الهوية المحلية للأقاليم. وأضاف أن طرابلس أصبحت ساحة صراع سياسي بسبب وجود السلطة المركزية فيها، مما يسبب تفاقم المشاكل الاقتصادية والسياسية.

رفض وانتقادات حادة

من جانب آخر، لاقت تصريحات الكوني انتقادات حادة من بعض الخبراء والسياسيين، أبرزهم رئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار سلامة الغويل. في رد فعل مباشر على مقترح الكوني، عبر الغويل عن رفضه القاطع للمقترحات التي تروج للعمل بنظام الأقاليم الثلاثة وإنشاء مجالس تشريعية مستقلة لكل إقليم. واعتبر الغويل أن هذه المقترحات تهدف إلى تقسيم السلطة التشريعية وتفتيت القرار الوطني، مما يفتح المجال أمام سيناريوهات تقسيمية تهدد وحدة الدولة.

وفي منشور له على حسابه الرسمي في فيسبوك، حذر الغويل من أن أي محاولة لإنشاء سلطات تشريعية إقليمية ستؤدي إلى تشتيت القرار الوطني وتقويض الوحدة السياسية للدولة الليبية. وأوضح أن التشريع هو الأساس الذي يعزز وحدة الدولة، وأن تقسيمه جغرافياً إلى كيانات مستقلة سيكون له تداعيات سلبية على وحدة القرار السياسي في البلاد. وأكد الغويل أن الحلول الممكنة لتحسين إدارة الموارد وتوزيعها بعدالة تكمن في تعزيز الحكم المحلي ومنح البلديات صلاحيات أكبر، وليس في تقسيم الدولة إلى كيانات تشريعية مستقلة. وشدد على ضرورة أن تكون المؤسسات الوطنية جامعة لكل الليبيين، لا أداة لتغذية النزعات الانفصالية أو السماح بالتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للبلاد.

اما الكاتب والمحلل السياسي يوسف البخبخي وفي تدوينة له على حسابه الرسمي في فيس بوك يقول الفيدرالية أو شكل الدولة في مجتمعات التشظي هو بالأهمية بماكان أن يكون مشروعا للمزايدة أو الابتزاز أو السمسرة السياسية

موقف الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور

في سياق الجدل الدائر حول نظام الأقاليم، تدخلت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، التي أبدت موقفها من المقترح بخصوص نظام الحكم في ليبيا. وأكد رئيس الهيئة نوح عبد السيد أن النظام الفيدرالي لم يحصل على النصاب الكامل لاعتماده ضمن مسودة الدستور الليبي، ما يعني أن أي محاولات لتطبيقه تظل في إطار النقاش ولم يتم حسمها بشكل نهائي. وأشار عبد السيد إلى أن الهيئة هي الجهة المختصة الوحيدة بعرض نظام الحكم على الشعب عن طريق الاستفتاء، بما في ذلك مسألة النظام الفيدرالي، مما يعكس أهمية تحديد شكل الدولة عبر إرادة الشعب وجاء تصريح نوح عبدالسلام عبر شبكة لام الإخبارية

المخاوف المحلية والتدخلات الخارجية

لم يقتصر الجدل حول الفيدرالية على الداخل الليبي فحسب، بل أثار أيضا اهتمام القوى الدولية، حيث أكدت بريطانيا اهتمامها بمناقشة “جميع الحلول الممكنة” لتحقيق الاستقرار في ليبيا، وهذا الاهتمام الدولي مؤخرا بالدعوة للفيدرالية يثير بعض المخاوف من جعلها بوابة لرسم أجندات خارجية تهدف إلى إضعاف ليبيا وتحويلها إلى مناطق نفوذ متفرقة، أو حتى التعامل مع الأقاليم المقترحة وفق تحالفات ضيقة على المستويين الإقليمي والدولي، خصوصا في ظل توزع الثروة الليبية على كامل جغرافيتها وتداخلها في عديد الاماكن، ما يجعل التنافس الدولي على النفوذ في الأقاليم حادا.

فطرح الفيدرالية يشكل اليوم مساحة نقاش واسعة، ومن المستبعد أن يتحول قريبا إلى مشروع سياسي قابل للتنفيذ، وهو مثل العديد من المقترحات التي ظهرت على امتداد الأزمة الليبية سيكون جزء من الرؤى السياسية المطروحة، لكن تحقيقه سيحتاج إلى إجراء استفتاء حول شكل الحكم وهو أمر مازال بعيدا في ظل الواقع الليبي المقسم.

خلاصة ستظل تصريحات موسى الكوني حول تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم مصدر نقاش واسع في الساحة السياسية الليبية. في حين يرى البعض أن النظام المقترح قد يسهم في تعزيز الاستقرار وتقليل حدة الانقسام السياسي والاقتصادي، يراه آخرون تهديداً لوحدة البلاد، محذرين من التداعيات التي قد تترتب على تقسيم السلطة التشريعية. في هذا السياق، تبرز أهمية التوافق الوطني حول حلول تكون ملائمة للمرحلة الراهنة، وتستند إلى أسس دستورية متفق عليها من قبل جميع الأطراف المعنية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here