عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. أعاد الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في ليبيا، الجدل بشأن النزاع حول رئاسة المجلس الأعلى للدولة، بعد أن قضى بعدم اختصاص محكمة استئناف جنوب طرابلس ولائيًا في نظر الدعوى المقدمة من عضو المجلس محمد تكالة ضد رئيس المجلس خالد المشري، مما أفضى إلى إبطال الحكم السابق الصادر عن محكمة جنوب طرابلس واعتباره صادرًا عن جهة غير مختصة.
الحكم… في الشكل لا في الجوهر
قضت المحكمة العليا في الطعن الإداري رقم 165/72 ق بقبول الطعن شكلاً، وانتهاء الخصومة في الموضوع، مع الحكم بعدم اختصاص القضاء الإداري في نظر النزاع، وإلزام رافع الدعوى بالمصاريف.
ورغم أن منطوق الحكم لم يتضمن أي فصل في جوهر النزاع حول رئاسة المجلس، إلا أن كلاً من طرفي الأزمة سارع إلى تفسير الحكم لصالحه السياسي، ما ساهم في تعميق الانقسام داخل المؤسسة التشريعية العليا في البلاد.
المشري: الحكم يعيد الأمور لمسارها القانوني
وفي أول تعليق رسمي، رحب رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، بالحكم، مؤكداً أنه: “يعكس استقلالية السلطة القضائية ونزاهتها، ويؤكد استمرار الصفة القانونية لي كرئيس للمجلس، ويعيد الأمور إلى مسارها الدستوري والقانوني الصحيح”.
المجلس الأعلى للدولة، في بيان رسمي، شدد على أن الحكم “يكرس مبدأ الفصل بين السلطات ويؤكد مرجعية القانون في حسم النزاعات المؤسسية”، داعياً جميع الأطراف إلى احترام القضاء.
تكالة: الحكم لم يحسم النزاع
من جانبه، اعتبر محمد تكالة، المتنازع على رئاسة المجلس، أن الحكم لم يحسم النزاع لمصلحة أي طرف، وقال في بيان رسمي: “الحكم الصادر عن المحكمة العليا لم يفصل في موضوع رئاسة المجلس، بل قضى فقط بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظره، وبالتالي فإن المسألة ما زالت قائمة”.
ووصف أي محاولة لاعتبار الحكم ترجيحًا لطرف معين بأنها “تفسير خاطئ ومحاولة لتضليل الرأي العام”، مؤكدًا أن رئاسة المجلس المنتخبة في جلسة نوفمبر 2024، برئاسته، “تمثل الشرعية القانونية”.
ودعا تكالة إلى إجراء انتخابات مبكرة، كما حثّ الجميع على “عدم استغلال القضاء لتحقيق مكاسب سياسية”.
عقيلة صالح: الحكم أنهى النزاع
وكان رئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح، قد رحب بالحكم، معتبراً إياه: “فصلاً نهائيًا في النزاع حول رئاسة المجلس الأعلى للدولة، وترسيخًا لاستمرار خالد المشري رئيسًا شرعيًا للمجلس”.
وقال إن الحكم “سيكون له أثر إيجابي في توحيد المجلس الأعلى للدولة وتفعيل دوره في المسار السياسي بالتنسيق مع مجلس النواب”.
وفي تصريح خاص لـ”أفريقيا برس” للأكاديمي و أستاذ القانون العام مجدي الشبعاني عن رأيه القانوني حول الحكم الأخير للمحكمة العليا الليبية
في الواقع، نحن أمام حكمين صادرين عن المحكمة العليا في شقها الإداري، يتعلقان بطعنين إداريين. الأول تقدم به محمد تكالة بصفته رئيس المجلس، طالبًا ترك الطعن، وقد استجابت له المحكمة العليا بدائرتها الإدارية.
أما الطعن الثاني فقد تقدم به خالد المشري، أيضًا بصفته رئيس المجلس الأعلى للدولة، ضد حكم محكمة استئناف جنوب طرابلس، التي كانت قد قضت في شق مستعجل بوقف تنفيذ قرار الدعوة إلى الانتخابات الرئاسية وإلغاء نتائجها، ثم أيدت ذلك الحكم في الموضوع.
هذا الحكم هو ما نقضته المحكمة العليا، لا من حيث الموضوع، بل لاعتبارها أن الدائرة الإدارية بمحكمة استئناف جنوب طرابلس غير مختصة ولائيًا للنظر في هذا النزاع. وهذا معناه أن المحكمة العليا لم تثبت حقًا أو تمنح شرعية لأي طرف من الأطراف، بل قالت: “اذهبوا إلى القضاء المختص”، أي القضاء الدستوري.
وبالتالي، فإننا نعود فعليًا إلى نقطة الصفر، أي إلى جلسة السادس من أغسطس الماضي، والورقة الجدلية التي لم يُحسم أمرها قضائيًا. ويجب الآن التوجه بطعون أمام القضاء المختص، وهو القضاء الدستوري.
وبناء عليه، فإن المحكمة العليا بدائرتها الإدارية لم تحسم هذه المسألة، نظرًا لعدم اختصاصها، ونحن ننتظر صدور الأسباب الكاملة لهذا الحكم.
ومن المعروف أن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا تأخذ بمبدأ مستقر منذ خمسينيات القرن الماضي، وهو عدم اختصاصها بالنظر في أعمال السلطات التشريعية.
وعليه، أرى أن هذا الحكم لا يحسم الجدل القائم حول أزمة رئاسة المجلس الأعلى للدولة. إما أن يُحسم الأمر بجلسة مكتملة النصاب داخل المجلس ذاته، يُعاد فيها انتخاب رئاسته، علمًا أن المجلس هو سيد قراره باعتباره سلطة تشريعية، أو أن يتم الانتظار لسنوات حتى تُعرض الطعون على الدائرة الدستورية، والتي قد تستغرق وقتًا طويلًا قد يمتد لسنوات.
المحكمة لم تقل إن المشري هو الرئيس
وفي سياق متصل، قال بلقاسم دبرز، مقرر المجلس الأعلى للدولة (التابع لجناح تكالة)، في تصريحات خاصة لموقع “عربي21”:
“المحكمة العليا لم تقل إن الرئيس هو المشري، ولم تقل إن الرئيس هو تكالة. ما حدث فقط هو إبطال دعوى قُدمت أمام محكمة غير مختصة”.
وأضاف أن المحكمة نظرت فقط في الشكل وليس المضمون، وأبطلت الأحكام الصادرة من القضاء الإداري، سواء من محكمة الزاوية أو جنوب طرابلس، لأنها “ليست مختصة في نظر نزاع يتعلق بجهة سيادية عليا مثل المجلس الأعلى للدولة”، وفق تعبيره.
همومة: الخلاف يعود إلى نقطة الصفر
من جهته، قال عضو اللجنة السياسية بالمجلس الأعلى للدولة، أحمد همومة، في حديثه لـ”عربي21′′: “لا معقب على حكم المحكمة العليا، لكنه لم يفصل في جوهر الخلاف، بل أشار إلى أن هذه المسائل تتعلق بجهة سيادية ويجب الرجوع فيها إلى اللائحة الداخلية للمجلس”.
وأوضح أن “الخلاف عاد إلى نقطة الصفر”، لكنه رأى أن “اقتراب موعد الانتخابات الدورية، بعد نحو شهرين، يمنح الفرصة لكل الأطراف للاستعداد للمنافسة على الرئاسة”.
وانتقد همومة ترحيب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بالحكم، قائلاً: “هذا الترحيب لن يغير شيئاً على أرض الواقع، فمجلس النواب غير قادر أصلًا على التوافق مع مجلس الدولة”، وفق تعبيره.
هل تُجرى انتخابات جديدة؟
وكان المجلس الأعلى للدولة قد شكّل في وقت سابق لجنة سداسية من الطرفين المتنازعين، لبحث مخرج من الأزمة واقتراح حلول توافقية، من بينها إجراء انتخابات مبكرة.
غير أن الحكم القضائي الجديد، ورغم إبطاله لأحكام قضائية سابقة، لم يحسم جوهر الخلاف، بل أعاد الأزمة إلى دائرة الغموض، في ظل انقسام سياسي وقانوني حاد داخل المجلس، ورفض متبادل للاعتراف بشرعية الطرف الآخر.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس