إحاطة تيتيه حول الأزمة الليبية تعيد انقسام سياسي إلى الواجهة

7

علاء حموده

أفريقيا برس – ليبيا. أعادت إحاطة مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، هانا تيتيه، أمام مجلس الأمن انقسامات الليبيين إلى الواجهة، بعد أن حملت لهجة تحذيرية غير معتادة تجاه المعرقلين، ولوّحت للمرة الأولى باعتماد «نهج بديل» إذا فشل مجلسا النواب والدولة في تنفيذ الخطوات الأولى من خريطة الطريق الأممية.

ويرى سياسيون ومحللون ليبيون أن الانقسام الراهن بين طرفي الصراع في غرب ليبيا وشرقها حول إحاطة المبعوثة الأممية أمام مجلس الأمن لا يتوقف عند حدود ردود فعل سياسية آنية، بل هو صراع على النفوذ والشرعية في ظل التوازنات الدولية والإقليمية التي تحيط بالمشهد الليبي المتأزم.

وتجلّى الانقسام واضحاً في المواقف الرسمية، إذ رحّب رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، بإحاطة تيتيه، مؤكداً التزامه بالتنسيق مع الأمم المتحدة، ودعا إلى توحيد الميزانية، وتعزيز الاستقرار، ومكافحة الفساد، بينما لم يصدر رد فعل عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية «المؤقتة» في طرابلس عبد الحميد الدبيبة حتى لحظة كتابة التقرير.

في المقابل، شنّ رئيس الحكومة المكلّفة من مجلس النواب، أسامة حماد، هجوماً عنيفاً على المبعوثة، متهماً إياها بـ«تجاوز التفويض الأممي»، و«التدخل في المؤسسات السيادية»، وتوعّد باتخاذ إجراءات دبلوماسية «لحماية السيادة الليبية».

يأتي ذلك في بلد يعاني انقساماً سياسياً بين حكومتين، إحداهما في غرب ليبيا برئاسة الدبيبة، وأخرى تسيطر على شرق البلاد، وأجزاء من جنوبها برئاسة حماد.

تناقض المواقف

هذا الانقسام حول رسائل تيتيه في إحاطتها يصفه المحلل السياسي الليبي، حسام فنيش، بأنه «تناقض في المواقف مرتبط بتقاطعات دولية وإقليمية تحيط بكل طرف محلي، وفرص وجوده في معادلة سياسية دولية وإقليمية تتشكل».

وأوضح فنيش أن «حكومة حماد تمثل واجهة سياسية لطرف فاعل يسعى للحفاظ على نفوذه، بينما يحاول محمد المنفي تقديم نفسه على أنه طرف مستقل يسعى لكسب المجتمع الدولي، من خلال دوره في احتواء التصعيد بطرابلس».

ومن غير المستبعد أيضاً أن يكون هذا الخلاف في المواقف ضمن ما يُعرف بـ«إدارة مدروسة للانقسام» بين مجلسي النواب والدولة، وهي وجهة نظر الباحث السياسي الليبي، خالد الحجازي، الذي يعتقد في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن الطرفين «يسعيان للإبقاء على الأمر الواقع خشية فقدان مكاسبهما السياسية»، مستشهداً بلقاءات سابقة رعتها واشنطن بينهما خلال الأشهر القليلة الماضية.

في غضون ذلك، يرى سياسيون أن هذا الانقسام جاء محصلة طبيعية لانتقال المبعوثة الأممية على نحو تدريجي من «لغة التشجيع إلى الضغط»، متوقعين «اقتراب تدخل أممي لفرض خريطة الطريق»، وهي وجهة نظر المرشح الرئاسي السابق فضيل الأمين، الذي يستند في هذا الطرح إلى تحذيرها بأن «ليبيا لا يمكنها احتمال المزيد من التسويف، أو التعطيل»، وإنذارها باتباع «نهج آخر».

ويعيد هذا الإنذار الأممي إلى الأذهان أحد خيارات سبق أن طرحتها لجنة خبراء ليبية، شكلتها الأمم المتحدة، وينصّ على حل المؤسسات القائمة، وعقد منتدى حوار لتعيين هيئة تنفيذية جديدة، واختيار جمعية تأسيسية من 60 عضواً تُقرّ دستوراً مؤقتاً، وقوانين انتخابية للانتخابات الوطنية.

محاولة إعادة الثقة

رغم نبرة التحذير، حافظت تيتيه في إحاطتها على قدر من التوازن الدبلوماسي، إذ دعت القادة الليبيين إلى الإسراع في تنفيذ الخطوات الأولى من «خريطة الطريق» خلال الشهر المقبل، مؤكدة استعداد البعثة للتعاون البنّاء معهم، فيما فُهم على أنه محاولة لإعادة الثقة بالعملية السياسية.

يتزامن ذلك مع تواصل المشاورات بين أعضاء من المجلسين حول توزيع المناصب السيادية دون تحقيق اختراق يُذكر بين الأطراف السياسية الفاعلة، التي يرى ناشطون أنها «باتت متشبثة بالسلطة والمال»، بحسب تعبير الناشط، أنس الزيداني.

وهنا يتوقع المحلل، السنوسي إسماعيل، أن البعثة «تمهّد لمرحلة انتقالية جديدة»، لا تستهدف إلغاء المجلسين فوراً، لكنها «تربط تشكيل حكومة موحدة وتوحيد المؤسسات بتجنّب الانهيار المالي، واستعادة الثقة الدولية».

أما الباحث، محمد الأمين، فيرى أن تيتيه «حاولت الموازنة بين التحذير والرجاء، لكنها في الوقت ذاته كشفت عمق المأزق الليبي»، معتبراً قولها إن «أفعال القادة لم توافق أقوالهم» يعكس خيبة المجتمع الدولي، ويفضح «خللاً بنيوياً في منظومة السلطة».

وتقوم خريطة الطريق الأممية على ثلاث مراحل: إعادة تشكيل المفوضية العليا للانتخابات، وتوحيد المؤسسات عبر حكومة جديدة، وتنظيم حوار وطني شامل.

لكن يبدو أن الانقسام حولها يعكس اختلافاً جذرياً في رؤية الأطراف الليبية لمستقبل السلطة، بين من يرى في إحاطة تيتيه فرصة لاستعادة الزخم السياسي، ومن يعتبرها مقدمة لمرحلة انتقالية جديدة بوصاية دولية.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here