عبد الرحمن البكوش
أفريقيا برس – ليبيا. أعلن جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة الوحدة الوطنية الليبية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، عن إغلاق مقرات عدد من المنظمات الإنسانية الدولية غير الحكومية ووقف أنشطتها، متهماً إياها بالضلوع فيما وصفه بـ”مخطط مدروس لتوطين المهاجرين غير النظاميين داخل البلاد”. جاء هذا الإعلان في وقت حساس بعد تداول أنباء من نشطاء وحقوقيين ليبيين، بالإضافة إلى رسالة من سفراء أجانب، تشير إلى تعرض المنظمات الإنسانية العاملة في ليبيا إلى ضغوط لإيقاف أنشطتها، مع تهديدات للعاملين معها وأوامر بالاستقالة.
ووفقاً لمؤتمر صحافي عقده المتحدث باسم جهاز الأمن الداخلي، سالم غيث، فقد تم إغلاق مقرات عدد من المنظمات، مثل “أطباء بلا حدود” الفرنسية، و”الإغاثة الدولية”، و”المجلس النرويجي للاجئين”، و”أرض الإنسان” الإيطالية، و”الهيئة الطبية الدولية”، و”المجلس الدنماركي”، و”كير” الألمانية، و”إنتر سوس”، و”آكتد” و”تشزفي” الإيطاليتين. وقد واجهت هذه المنظمات اتهامات باستخدام مقراتها في تقديم مساعدات طبية وغذائية للمهاجرين، وهو ما اعتبرته السلطات ضمن مخطط لتوطين هؤلاء المهاجرين.
ووفقاً لجهاز الأمن الداخلي، فإن هذه المنظمات لا تتمتع بالحصانة الدبلوماسية، حيث تخضع للقوانين المحلية في ليبيا، كونها حصلت على ترخيص من مفوضية المجتمع المدني. كما شدد على أن موظفيها، سواء الأجانب أو المحليين، يخضعون للعقوبات الواردة بالقوانين الليبية.
ردود الفعل المحلية على القرار
تباينت ردود فعل السياسيين والنشطاءالحقوقيين بشأن إجراءات حكومة طرابلس ضد المنظمات الإنسانية. عضو “المجلس الأعلى للدولة”، سعد بن شرادة، اعتبر هذه الإجراءات “خطوة في الاتجاه الصحيح”.
بينما علق المحلل السياسي يوسف البخبخي عبر صفحته الرسمية على الفيس بوك “الأمن والشرعية “انتهاك حقوق وحريات الليبيين لايمكن تبريره بمعارك طواحين الهواء مع” المنظمات الدولية “.
من جهته انتقد الناشط السياسي حسام القماطي القرار، معتبرًا أن هذه الإجراءات تعتبر “تسطيحًا لمشكلة المهاجرين غير النظاميين” ويحمّل حكومة الوحدة المسؤولية عن تكدس المهاجرين في ليبيا وعدم تقديم حلول حقيقية لهذه الأزمة.
من جهة أخرى، اعتبر رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أحمد حمزة، أن وصف تقديم الرعاية الصحية للمهاجرين بأنها “توطين” هو “كلام غير مقبول وغير منطقي وغير موضوعي”. وفي حديثه لوكالة الأنباء الألمانية، أكد حمزة أن هذه الإجراءات تخضع لنتائج تحقيقات قد تكون مختلطة، وتساءل: “هل نترك المهاجرين يموتون جوعًا ومرضًا على قارعة الطريق حتى نمنع التوطين؟”، مؤكدًا أن العناية الصحية بكل من يتواجد في ليبيا هي “أمر إنساني” لا يحتمل شروط الجنسية أو الديانة.
ورأى حمزة أن هذا القرار قد يكون جزءًا من “استثمار في الدعاية المبالغ فيها ضد المهاجرين”، ويهدف إلى كسب الرأي العام الداخلي أو الضغط على الآليات الدولية لتحقيق غايات محددة. وأوضح أن المنظمات الدولية غير الحكومية دخلت العمل في ليبيا بتصريح رسمي من مفوضية المجتمع المدني ووزارة الخارجية منذ عام 2011.
تحليل السياسات والأهداف الحقيقية وراء الحملة
الخبير في معهد “صادق” للسياسات العامة، أنس القماطي، يرى أن المنظمات غير الحكومية ليست هي الأهداف الحقيقية للحكومة. بل يعتبر أن حكومة عبد الحميد الدبيبة، التي تعترف بها الأمم المتحدة، تسعى إلى “خلق أعداء” من خلال تقديم المنظمات غير الحكومية كجزء من مؤامرة تهدف إلى إخفاء عجزها عن توفير الخدمات الأساسية. ولفت القماطي إلى أن هذه الحملة قد تهدف إلى دفع أوروبا، التي تخشى من موجة جديدة من الهجرة، إلى تمويل ودعم السلطة التنفيذية في طرابلس.
وفي هذا السياق، تسلط التحليلات الضوء على أن ليبيا، التي تعد نقطة المغادرة الرئيسية للمهاجرين نحو أوروبا، تشهد ضغطًا من دول مثل إيطاليا، التي أعلنت عن تخصيص 20 مليون يورو لتمويل “عمليات العودة الطوعية” للمهاجرين من دول جنوب الصحراء الكبرى. القماطي وصف هذه العمليات بأنها “مراكز معالجة لبرنامج ترحيل جماعي في صورة مساعدات إنسانية”، في حين أن إيطاليا تدعي تمويل العودة الطوعية.
تأثير الحملة على الوضع السياسي والأمني في ليبيا
الخبير في الشأن الليبي جلال حرشاوي يرى أن الحملة ضد المنظمات غير الحكومية هي جزء من سياق سياسي أوسع، حيث تبنّت حكومة الغرب موقفًا “شوفينيًا” مشابهًا للموقف الذي اتخذه الرئيس التونسي قيس سعيد في عام 2023 ضد الهجرة من دول جنوب الصحراء الكبرى. وأضاف حرشاوي أن هذه الحملة تأتي في وقت يواجه فيه رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة صعوبات في الوصول إلى الأموال العامة، وأن علاقاته البراغماتية مع خليفة حفتر في الشرق في حالة سيئة.
وفي ظل هذه الديناميكية السياسية، يعتبر حرشاوي أن الحكومة في طرابلس تلجأ إلى “شيطنة المهاجرين” و”إدانة المنظمات غير الحكومية” بهدف إظهار قوتها في السيطرة على الأمور في طرابلس، ولإيهام المجتمع الدولي بأنها تعمل على الحد من تدفقات الهجرة. ويرى الناشط الحقوقي حسام القماطي أن هذه الحملة تشكل جزءًا من محاولة لتشديد قبضة المجموعات المسلحة القمعية على العاصمة، حيث تعمل هذه الجماعات على منع المنظمات غير الحكومية من توثيق انتهاكات حقوق الإنسان.
ردود دولية
حذر سبعة عشر سفيرا معظمهم من الدول الأوروبية من الإجراءات المتخذة من قبل جهاز الأمن الداخلي لمواجهة المنظمات غير الحكومية في ليبيا وإغلاق مكاتبها. وحسب وكالة فرانس برس نقلا عن رسالة موجهة إلى جهاز الأمن الداخلي، إن هذه الإجراءات تؤثر على تقديم المساعدة الصحية الأولية الإنسانية داخل البلاد.
واتهم السفراء الجهاز بشن ما سموها حملة “قمع” متواصلة ضد المنظمات غير الحكومية وعمال الإغاثة الإنسانية الموجودين في البلاد، محذرين من أن العديد من المنظمات الأخرى العاملة ستعلق أنشطتها في البلاد نتيجة هذه الإجراءات. كما حثت الرسالة وفقا لفرانس برس جهاز الأمن الداخلي على السماح للمنظمات بإعادة فتح مكاتبها واستئناف العمليات الإنسانية بأمان في أقرب وقت ممكن.
في الختام، تعد الحملة ضد المنظمات غير الحكومية في ليبيا جزءًا من سياق معقد يتداخل فيه السياسي بالأمني، حيث تسعى الحكومة في طرابلس إلى تحقيق أهداف متعددة، بدءًا من تحسين صورتها داخليًا، وصولاً إلى الحصول على الدعم السياسي والمالي من أوروبا. وفي الوقت نفسه، تظل قضية المهاجرين غير النظاميين تمثل تحديًا كبيرًا لليبيا، في ظل غياب الحلول الجذرية لمعالجة هذا الملف، والذي يبدو أن الحكومة الليبية تحاول تحريكه في إطار سياستها العامة لتخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية التي تواجهها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس