أفريقيا برس – ليبيا. اتهم سياسيون ليبيون السلطات في شرق ليبيا وغربها بـ«تعطيل» إعادة إعمار مدينة تاورغاء، وتعويض المتضررين من أهلها.
ويأتي هذا الاتهام على خلفية مصرع أسرة مكوَّنة من أم وأطفالها الخمسة، جراء حريق اندلع في مسكن مؤقت بمخيم للنازحين من مدينة تاورغاء، يقع في ضواحي مدينة أجدابيا شرق البلاد. علماً بأن أهالي تاورغاء يعيشون في ظروف إنسانية بالغة القسوة منذ نزوحهم قسراً عام 2011.
ويرى رئيس حزب «الائتلاف الجمهوري» الليبي، عز الدين عقيل، أن المسؤولية «موزعة بين طرفي الصراع في شرق ليبيا وغربها»، مبرزاً أن المشكلات المرتبطة بالنزوح والتهجير «ستتواصل ما دام استمر الصراع والازدواج الحكومي والمؤسساتي».
ويعتقد عقيل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن أهالي تاورغاء «استقروا في مدينة أجدابيا وبنوا علاقات اجتماعية، ولن يعودوا إلى مدينتهم إلا وفق آلية حكومية موحدة ومستقرة، وبطريقة تحافظ على كرامتهم».
ووفق شهادات سكان المخيم وتقارير إعلامية محلية، فقد اندلع الحريق في ساعة مبكرة من فجر الاثنين داخل وحدة سكنية بدائية الصنع، أودى بحياة سيدة ليبية وأبنائها الخمسة، فيما يخضع رب الأسرة للعلاج في مستشفى بأجدابيا.
وبثّت وسائل إعلام محلية مشاهد تُظهر أن منزل هذه الأسرة مكوَّن من ألواح معدنية وخشب، فيما اشتكى أحد السكان من أن «الوحدات السكنية ضيقة، والكهرباء ضعيفة ومتقطعة، ما يضطرنا لاستخدام وصلات عشوائية تفتقر لأدنى معايير السلامة».
في السياق ذاته، يحمل الناشط عياد عبد الجليل الحكومتين في غرب ليبيا وشرقها ومجلس النواب، والسلطات المحلية مسؤولية تداعيات هذا الحريق، و«استمرار أزمة نازحي تاورغاء، وعدم إعمار مدينتهم وتعويض أهلها».
وعدّ عبد الجليل، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، هذه المأساة «محصلة سنوات من الإهمال والتقصير، الذي عانى منه نازحون ليبيون في وطنهم»، وضرب مثالاً على سوء الأوضاع قائلاً إن «جهود رجال الدفاع المدني أحبطت بعدما اضطروا لمحاولة إنقاذ الأطفال عبر نافذة خشبية ضيقة ومتهالكة».
ويخضع مخيم أجدابيا حالياً لسلطات شرق ليبيا، بينما تقع مدينة تاورغاء تحت نفوذ حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة في طرابلس، ما يعكس استمرار الانقسام السياسي والإداري في البلاد الذي يفاقم الأزمة.
بدوره اتهم عضو مجلس النواب، جاب الله الشيباني، حكومة «الوحدة الوطنية» بـ«تعمد عرقلة إعمار تاورغاء، وتعويض مواطنيها، بهدف منعهم من العودة إلى مدينتهم، رغم استكمال الإجراءات اللازمة كافة، وعدم وجود ما يعيق التنفيذ سوى موافقة رئيس الحكومة»، وهو ما لم يقابل برد من جانب حكومة طرابلس.
الرأي السابق أيّده أيضاً الكاتب والمحلل السياسي الليبي، عبد الحكيم فنوش، الذي يرى أنه «لا يمكن مقارنة التقصير في أماكن إقامة النازحين بمن فرض النزوح على أهالي المدينة»، في إشارة إلى مسؤولية السلطات في طرابلس عن هذا الوضع.
ويعيد هذا الحادث إلى الواجهة التحديات الخطيرة، التي تواجه الأسر المقيمة في مخيمات النزوح بمختلف أنحاء ليبيا، حيث تسهم أوضاع السكن السيئة، وتدابير السلامة المحدودة في تفاقم المخاطر، وزيادة احتمالات تكرار كوارث مماثلة.
ووجهت «رابطة شباب ونشطاء تاورغاء» تساؤلات للسلطات حول استمرار «معاناة الأهالي بين الشتات والحرمان»، مطالبة بالإفراج عن التعويضات لإعادة إعمار البيوت في المدينة، وإنهاء معاناة الأسر العالقة في المخيمات.
في هذا السياق، طالب عضو لجنة متابعة تنفيذ اتفاق تاورغاء مصراتة، عبد النبي أبو عرابة، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، مجلس النواب بعقد جلسة خاصة لمناقشة مشكلات أهالي تاورغاء. واقترح «إعادة تخصيص مبلغ 600 مليون دينار ليبي إلى بند تعويضات للأهالي في بيوتهم ومنقولاتهم، وهي التي سبق أن رصدها البرلمان لإعمار مدينة تاورغاء قبل 6 سنوات، لانتشال الأهالي من معاناتهم في مخيمات بائسة في أجدابيا وبنغازي وترهونة». (الدولار يساوي 5.39 دينار في السوق الرسمية).
وسبق أن صرفت لجنة تنفيذ اتفاق بين مدينتي تاورغاء ومصراتة (غرب ليبيا) تعويضات مالية لأهالي تاورغاء بمبلغ قدره 12 ألف دينار لكل عائلة، قُسّمت على دفعات، آخر دفعة منها 341 ديناراً، ولا تكفي لشيء، حسب أبو عرابة.
يُذكر أن اتفاق مصالحة تاريخياً أُبرم منتصف عام 2018، برعاية دولية، أنهى حالة العداء المستمرة لنحو ثماني سنوات بين مصراتة وتاورغاء، وسمح بعودة النازحين إلى مدينتهم، الواقعة على بُعد 240 كيلومتراً شرق طرابلس. كما تعهدت حكومة «الوفاق» السابقة آنذاك بإعادة إعمار المدينة وتعويض المتضررين.
لكن بعد مرور سبع سنوات على توقيع الاتفاق، لا يزال ملف عودة النازحين يراوح مكانه، إذ لم يتمكَّن سوى جزء محدود من الأسر من العودة، فيما حال غياب البنية التحتية الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي، دون عودة آلاف النازحين الآخرين إلى ديارهم.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن ليبيا عبر موقع أفريقيا برس